بعد قرار بايدن تمديد معاهدة "ستارت".. هل تنضم الصّين إليها؟
تدرك الصين أنّ مستقبل الصراع الدولي سيكون بينها وبين أميركا، ولا سيَّما أنَّ هناك مؤشراتٍ عدّة تدلّ على ذلك.
إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن، عن سعي بلاده لتمديد معاهدة الحدّ من الصواريخ الاستراتيجية المعروفة باسم "ستارت 3" مع روسيا الاتحادية لمدة 5 سنوات أخرى، دفع العديد من الدول إلى التعبير عن الارتياح لهذا القرار الأميركي الجديد، غير أنَّ المثير للاهتمام هو تصريح الأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبيرغ، الداعي إلى انضمام الصين إلى المعاهدة، وهو الطرح ذاته الذي تبنّته إدارة الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب، ما يطرح تساؤلاً عن مدى استعداد الصّين للانضمام إليها.
من المعلوم أنّ تاريخ إبرام أول معاهدة - "ستارت 1" - يعود إلى حقبة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي بزعامة الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف، والرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان. ونصَّت على خفض عدد الصواريخ البعيدة المدى التي يفوق مداها 5 آلاف كيلومتر بنسبة 30%، كما نصّت على خفض عدد الرؤوس النووية الأميركية من 9986 إلى 8556، وعلى خفض عدد الرؤوس النووية السوفياتية من 10237 إلى 6449.
وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، ورثت روسيا - باعتبارها الوريثة الشرعية للاتحاد السوفياتي - الحصَّة الأكبر من الترسانة العسكرية النووية والاستراتيجية السوفياتية، فتم توقيع معاهدة "ستارت 2" التي حلّت محلّ سابقتها.
وتنصّ معاهدة "ستارت 2" التي وقعها كلٌ من الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، والرئيس الروسي السابق ديميتري مدفيديف، في العاصمة التشيكية براغ في العام 2009 على خفض الرؤوس النووية إلى 1550 رأساً، وخفض الصواريخ الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة إلى 700.
من هنا، يفهم من مضامين المعاهدة أنَّها ثنائية عقدية لا تلزم إلا طرفيها، بحسب نصّ المادة 26 من الفصل الأول من الجزء الثالث لاتفاقية فيينا الخاصة بقانون المعاهدات. بمعنى آخر، إن آثار الاتفاقية لا تمتدّ إلى أطراف أخرى غير موقعة عليها، كما أن مضامينها لا تشير من قريب أو بعيد إلى انضمام دول أخرى إليها.
وتنصّ المادة 34 من الفصل الرابع للاتفاقيّة السابقة نفسها على أنّ المعاهدات لا تستطيع أن تنشئ التزامات لـ"الدّولة الغير" إلا إذا ارتضت بذلك، والمقصود هنا هو الرضا الذي يعدّ شرطاً من شروط توقيع الاتفاقية.
لذا، إنّ الصين غير ملزمةٍ من الناحية القانونية أو الواقعية بالانضمام إلى المعاهدة للأسباب التي ذكرنا سابقاً، إلا إذا رغبت في ذلك. أضف إلى ذلك رفضها المسبق للتفاوض حول مسألة انضمامها إلى الاتفاقية خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب، لعدة أسباب أهمّها أن ترسانتها النووية والاستراتيجية ليست بحجم روسيا والولايات المتحدة الأميركية، كما أن تجريدها من مثل هذه الأسلحة يعني فقدانها أهم عامل من عوامل الردع في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية.
تدرك الصين أنّ مستقبل الصراع الدولي سيكون بينها وبين أميركا، ولا سيَّما أنَّ هناك مؤشراتٍ عدّة تدلّ على ذلك. لذا، سارعت إلى تعديل قانون الدفاع الوطني في أواخر السنة المنصرمة، لأن التوسع الاقتصادي يجب أن يلازمه تطور في الأداء القتالي للجيش الصيني - عبر تزويده بكل المعدات المتطورة التي باتت تزخر بها التكنولوجيا العسكرية الحديثة - بالشكّل الذي يحمي المصالح الصينية، سواء داخل البر الصيني أو خارجه.
بناءً على ما سبق، نستنتج أن مسألة انضمام الصين إلى معاهدة "ستارت 3"، إلى جانب كلٍ من روسيا والولايات المتحدة تبقى أمراً مستبعداً، على الأقل في المديين القريب والمتوسط.