ترامب "المختلّ" والإمبراطورية المترنّحة
"مجنون، مخادع، أحمق، مهرّج، عنصري، مغرور، غير كفوء، أميّ، أناني، وجاهل". كلّ هذه الأوصاف التصقت بدونالد ترامب وأدانت صورته وسمعته منذ توليه المنصب الرئاسي عام 2016.
حفلت اللّغة التي خاطب بها السياسيون والإعلاميون وحتى عامة الناس الرئيس دونالد ترامب، بأوصافٍ وتعابيرَ لم تُطلق على أيّ رئيسٍ أميركيٍّ أو غير أميركي في التاريخ الحديث. كانت قمّة تجريد ترامب من أهليته على لسان رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، التي قالت إنه "مختلّ، مضطرب وخطير".
وَصْفُ بيلوسي لترامب بـ"المختلّ" يتوّج سلسلةً من النعوت التي أُطلقت على الرجل خلال 4 سنوات، على لسان خصومه وحلفائه الذين تباروا في قذفه بالألقاب الساقطة والتحقيرية.
"مجنون، مخادع، أحمق، مهرّج، عنصري، مغرور، غير كفوء، أميّ، أناني، وجاهل". كلّ هذه الأوصاف التصقت بدونالد ترامب وأدانت صورته وسمعته منذ توليه المنصب الرئاسي عام 2016، والمثير في الأمر هو أنّ مروحةً واسعةً من الإعلاميين والسياسيين والكُتّاب والنجوم من أنحاء العالم ومن كلّ الانتماءات أجمعت على تحقير الرجل وإهانته وتبيان مخاطره وتهديده للسلام، حتى أنّ ابنة شقيقه وصفته بالـ"نرجسي" و الـ"محتال" و الـ"متنمّر" و "أكثر رجل خطورةً في العالم"، وأضافت أنّه يهدّد الآن حياة جميع الأميركيّين.
قد يمرّ تصريح بيلوسي الأكثر تعبيراً عن شخصية ترامب مرور الكرام، لو لم يكن المعني به رئيس أقوى دولةٍ في الوقت الراهن، لكنّ كلماتها لها ما لها من تأثيرٍ ووزنٍ في قضايا العالم.
السؤال المركزي هو: هل ترامب "المختلّ والخطير" كان يحكم أميركا وتحت يديه أزرار الأسلحة النووية؟ "مختلٌّ" ومسؤولٌ عن ملايين الأرواح؟ خطيرٌ ومتهوّر وبيده قراراتٌ مصيرية تتعلق بأقدار دولٍ وهيئاتٍ ومنظماتٍ ومصالحَ حيوية؟
الجواب طبعاً نعم. لكن لماذا سكتت أميركا عن الخلل في عقل رئيسها وإدارته الكارثية لكلّ ما وقع بين يديه؟ وكيف تركته 4 سنوات ليعيث فساداً وضرراً وتدميراً في العالم وفي بلادنا بالتحديد؟
ألم ترَ الصحافة الأميركية الدماء على يدي ترامب من قبل تسبّبه بقتل أميركيين في قاعات الكونغرس؟ ألم ترَ سابقاً دماء النساء والأطفال في اليمن والعراق وسوريا وفلسطين، واغتيال والعلماء والقادة في منطقتنا؟ ألم يلفت كلّ ذلك انتباهها؟
إذا كان ترامب "مختلاً" فمعنى ذلك أنّ كلّ ما قام به غير شرعيٍّ وغير قانونيّ ويمثل اعتداءً على شعوب العالم وعلى جزءٍ كبيرٍ من الأميركيين، وبالتالي يتوجّب على السلطات الأميركية إلغاء كلّ القرارات والأوامر التي اتخذها، من تخلّيه عن الاتفاق النووي مع إيران وصولاً إلى العقوبات التي شملت دولاً وشخصياتٍ ومؤسسات شرقاً وغرباً.
لطالما ساد المجتمع الدولي رعبٌ من قيادة ترامب التي جرّت العالم إلى صداماتٍ مروّعة، أخطرها أن يُقدِم على أيّ حركةٍ ضد إيران وفنزويلا والمقاومة في العراق ولبنان، وهو الذي أراد القضاء على هذه القوى منذ سنوات، سواء بتجفيف مصادر تقدّمها وتطوّرها، أو بمنع الغذاء والدواء عن شعوبها، أو بقتل قادةٍ لها بصلفٍ ووحشية.
فهل تحاسب أميركا "رئيسها المختلّ" على جرائمه تلك وتصحّح ما تسبّب به من مآسٍ وكوارث؟ أم ستكتفي بسؤاله عن تهديده لديمقراطيةٍ صُوَريّةٍ وفولكلورية سقطت على عتبات مبنى الكابيتول؟ وهل ترامب هو المختلّ الوحيد أو المتهوّر والمخادع والخطير الوحيد من بين قادة الولايات المتحدة الأميركية؟ أم أنّ الاختلال ضاربٌ في عمق الإمبراطورية المترنّحة؟ وأيّ صورةٍ لأميركا سنشاهد مع دخول جو بايدن إلى البيت الأبيض؟