هل سيتعافى الاقتصاد السوري في العام 2021.. ما هي نقاط القوة ؟

مع نهاية العام 2010، شهدت سوريا تطوراً متسارعاً في مدخلات الاقتصاد السوري، من حيث الصناعة والزراعة والسياحة. وباتت سوريا دولة تعتمد على الاكتفاء الذاتي، لديها صفر مديونية

  •  أي دولةٍ في العالم
    أي دولةٍ في العالم تستطيع التحرّر بشكلٍ مقبولٍ من "الشبح الأخضر"

اعتمدت سوريا في اقتصادها قبل الحرب على دعائم متينة وقوية، نظراً لموقعها الاستراتيجي في التبادل التجاري، ومناخها وتربتها الخصبة ومصادرها المائية العديدة، إضافةً إلى مدنها الصناعية التي كانت تُعتبر إحدى أهمّ مدن الشرق الأوسط.

بالعودة إلى نهايات العام 2010، شهدت سوريا تطوراً متسارعاً في مدخلات الاقتصاد السوري، من حيث الصناعة والزراعة والسياحة، وباتت سوريا دولة تعتمد على الاكتفاء الذاتي، لديها صفر مديونية، حتى أصبحت بوابة عبور الشرق إلى الغرب، ونافذة أوروبا إلى العالم العربي، وذلك يعود لعوامل عدة، منها أنّ نسب الأمان المرتفعة جذبت لها ملايين السيّاح حول العالم، ليطّلعوا على حضارة تلك البلاد العريقة، و يصوّروا عن قرب الآلاف من آثارها التي تحاكي العظَمة، و تشرح رواية التمدن الذي ظهر على البشرية للمرة الأولى في مدينة حلب قبل 12 ألف عام، في حين كان العالم بأسره غارقاً في الظلام. 

تأثّر الاقتصاد خلال الحرب في سوريا 

مع صيف العام 2012، وعشية دخول الإرهابيين الأحياء السكنية الواقعة شرقي مدينة حلب، بدأ أحد فصول تراجع قيمة الليرة السورية، خاصةً بعد أن وصلت مخالب الإرهاب إلى قلب المدينة الصناعية في حلب (الشيخ نجار)، تلك المدينة التي كانت تُعتبر إحدى أكبر المدن الصناعية في الشرق الأوسط.

كانت حلب في أوج ازدهارها حين كان يُصدَّر الفائض الوفير من منتجاتها إلى كلٍّ من العراق ولبنان والأردن ودول الخليج، إضافةً إلى تركيا وأوروبا. كلّ تلك الدول كانت سوقاً مفتوحاً أمام المنتجات السورية المختلفة، منها النسيجية والهندسية والميكانيكية والورقية والغذائية، إضافةً إلى الصناعات الكيميائية كالأدوية ومواد التجميل والبلاستيك والصابون المصنّع من زيت الزيتون السوري وورق الغار الحلبي. 

نستنتج مما سبق أنّ المدينة الصناعية في حلب لم تكن رافداً للاقتصاد السوري فحسب، بل كانت عصباً مهماً في تثبيت دعائم الاقتصاد السوري ككل، هذا ما أكّدته الإحصاءات الرسميّة التي كشفت عن حجم الاستثمارات الفعلية في تلك المدينة الصناعية مع العام 2013، الذي وصل إلى ما يقارب 167 مليار ليرة سورية، أي ما يقارب 33 مليون دولار في ذلك الزمان!

ومع بدايات العام 2014، بدأت الليرة السورية تفقد ثلاث أضعاف قيمتها، فبعد أن كانت تساوي (46 ليرة) مقابل الدولار الواحد عام 2011، باتت في مطلع عام 2015 تساوي 200 ليرة سورية، حتى وصلت إلى 500 ليرة حتى أواخر العام 2019، حتى قفزت بشكلٍ جنوني إلى 2960 ليرة في العام 2020 بعد العقوبات الأميركية و"قانون قيصر"، إضافةً إلى الانتكاسة الاقتصادية المتتالية بعد جائحة كورونا العالمية. 

خطط اقتصادية قائمة 

يقوم الفريق الحكومي حالياً بعدة إجراءات تهدف إلى دعم الاقتصاد السوري، منها خطةٌ لدعم الإنتاج الزراعي في العام 2021، هذا ما أكدّه وزير الزراعة السوري مؤخراً، خلال جولة قام بها قبل أيام، على عدد من المدن السورية تفقد من خلالها إنجاز عدد من المشاريع الحيوية في سوريا. 

إجراءات ناجعة للحدّ من الهدر العام 

قامت الحكومة السورية ممثلةً، بوزارة النفط والثروة المعدنية في سوريا، باتّباع إجراءٍ ساهم بشكلٍ كبيرٍ في تقليص الفائض من الدعم الحكومي للمواد الأساسية في البلاد، في حين أطلق على هذا المشروع اسم "البطاقة الإلكترونية"، وهو يهدف إلى ضبط توزيع المشتقات النفطية والحدّ من تهريبها خارج البلاد وضمان وصولها إلى مستحقّيها بمساواةٍ، لتطبيق العدالة في توزيع الدعم. 

في هذه الأثناء، تمّ تعميم هذا المشروع أيضاً على وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلِك، من أجل توزيع المواد الغذائية المدعومة حكومياً ( كالرز، والسكر والخبز) على ذات البطاقة، وذلك للحدّ من فوضى التوزيع ومنع بعض ضعاف النفوس من الإتجار بالمواد المدعومة حكومياً.

مطالب مُلحة للصناعيين

وعن التسهيلات المطلوب منحها بشكلٍ عاجلٍ للصناعيين في سوريا، أفاد الصناعي والمهندس مجد ششمان، عضو اتحاد غرف الصناعة السورية، أن هناك العديد من الأمور التي قد تحقق إنعاشاً عاجلاً في الاقتصاد السوري من وجهة نظره وهي:

1- رفع سقف القروض للصناعيين، ومنحها لهم على دفعاتٍ متتالية تزامناً مع استيرادهم للآلات، وبدء إنشائهم لخطوط الانتاج ضمن المعامل، وذلك لضمان وضع تلك الأموال في مكانها الصحيح، منعاً لاستخدامها للمضاربة في السوق السوداء كما حدث في العام المنصرم.

2- تأمين الكهرباء بشكلٍ ثابت للمدن والمناطق الصناعية على مدار 24 ساعة، دون انقطاع، الأمر الذي سيزيد من موارد المعامل ويحقّق ديمومةً في الإنتاج ، ويشكّل حجر أساسٍ لاستقطاب الصناعيين من أجل بدء استثماراتهم في سوريا. 

3- عقد اتفاقياتٍ خاصة مع دول الجوار لتسهيل انسياب البضائع عبرها، وتأمين قنواتٍ لنقل الأموال أثناء التبادلات التجارية. 

رؤية إنقاذٍ اقتصادية علّها تبصر النور 

عن موضوع كبح جماح الارتفاع المتسارع في سعر الصرف، تحدّث الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرؤوف نحّاس، الأستاذ في علم الاقتصاد، والمحاضِر في عددٍ من الجامعات السوريّة قائلاً: "لا بدّ من الاستفادة من مخرجات الاقتصاد السوري بشكلٍ تام، وإيلاء الاهتمام الشديد بالقطاع الزراعي الخصب، واعتباره قاطرةً أساسيةً للاقتصاد السوري، وذلك بالتوسّع في قنوات الري، وربط مخرجات العملية الزراعية بمدخلات العملية الصناعية، لتحقيق تشابكٍ قطاعيٍّ كامل نستطيع أن نعوّل عليه في بناء الهيكل الاقتصادي السوري ذو الأسس المتينة صعبة الانهيار". 

وتابع الدكتور نحاس، أنه "من غير المنطقي أن يتمّ تصدير القطن كمادةٍ خام، بدلاً من تصنيعه كألبسةٍ في معاملنا، كما أنه من غير المنطقي أيضاً، تصدير الحمضيات بدلاً من إدخالها إلى معمل عصائر سوري رائدٍ على مستوى الشرق الأوسط".

تلك الإجراءات البسيطة لا تسهم فقط في زيادة دخل القطع الأجنبي إلى سوريا، بل تُسهم في تأمين فرص عملٍ بالآلاف لأبناء البلد وتحقّق أرباحاً طائلة للصناعيين السوريين، لذا يرى الدكتور نحاس، أنه "علينا تأمين الأرض الخصبة لتلك المعامل والمشاريع الحيوية الضرورية، من خلال تقديم جميع التسهيلات أمام المغتربين لإقامة المعامل داخل الأراضي السورية من جديد، عوضاً عن إقامتها في دولٍ أخرى"، جازماً أنّ "معظم الصناعيين السوريين سيعودون إلى سوريا بشكلٍ عاجلٍ فور توفّر تلك التسهيلات والإعفاءات والبيئة الخصبة للاستثمار، لأنّ قلوبهم ما زالت معلّقةً بسماء هذا الوطن وأرضه وهوائه". 

وأضاف الدكتور نحاس، أنّ "سياسة استيراد المنتجات الكمالية والرفاهية الزائدة، قد تكون مضرّةً أيضاً بالاقتصاد، لكونها تستنزف القطع الأجنبي وتزيد الطلب عليه، مِما سيُخرج هذا القطع في نهاية المطاف إلى خارج البلاد، الأمر الذي سيؤثر سلباً على سعر صرف الليرة السورية، لذا علينا تفادي تلك الأمور التي تضرّ بعصب الاقتصاد السوري". 

التحرر من الدولار! 

عن موضوع التحرّر من سطوة الدولار، استطرد الخبير الاقتصادي د. نحاس، موضحاً أنّ أي دولةٍ في العالم "تستطيع التحرّر بشكلٍ مقبولٍ من الشبح الأخضر، حين تؤمّن تبادلاً تجارياً على مستوى عالٍ مع حلفائها من الدول، فمثلاً ستستطيع سوريا خلال المرحلة القادمة مع بدء الانتاج وتصدير المنتجات، التحرّر قليلاً من هذا الشبح، لتقوم بالتبادل التجاري مع الدول الحليفة في العملة المحلية، ألا وهي الليرة السورية التي نعتز بها". 

قرب تغيّر منحى الاقتصاد العالمي 

ولدى سؤالي عن مصير استمرار تحكّم واشنطن بالاقتصاد الدولي، أجاب الدكتور نحاس: "لربما سنرى خلال السنوات القليلة القادمة ، تصدّر الصين واجهة الاقتصاد العالمي، لينتقل العالم من أحادي القطب، إلى متعدد الأقطاب الاقتصادية وذلك من خلال خطوات تسعى لها بكين حالياً من خلال ما يُسمّى (حزام طريق الحرير)، الذي ستشكًل  فيه سوريا ودول البريكس شرياناً هاماً في ذاك القطب الجديد".