القلاع لا تؤخذ إلا من الداخل - "كوفيد 19"
هي قصّة موظف استثنائي في منتصف العمر اسمه نداء (اسم مستعار)، يحاول جاهداً أن يتجنّب الاختلاط بأحد، أو أن ينزع الكمامة عن وجهه، أو أن يلامس الأسطح غير المعقمة.
إنها مقالة توعوية بمخاطر انتقال عدوى فيروس "كوفيد 19" إلى الأشخاص الأكثر جدية وحذراً في التعامل مع هذا الوباء القاتل؛ هؤلاء الأشخاص الذين يتبعون سلوكاً احترازياً متشدداً يميزهم عن بقية الأفراد في المجتمع، ظناً منهم أن هذا السلوك يحقق تجنباً أفضل لالتقاط العدوى الفيروسية.
هي قصّة موظف استثنائي في منتصف العمر اسمه نداء (اسم مستعار)، يحاول جاهداً أن يتجنّب الاختلاط بأحد، أو أن ينزع الكمامة عن وجهه، أو أن يلامس الأسطح غير المعقمة، كي لا يتسبّب ذلك في احتمال التقاط العدوى، ولكي يقي نفسه وعائلته وجميع من يخالطه المرض وعوارضه القاتلة، علما أنه مندمج اجتماعياً في الدائرة الضيقة لوسطه المجتمعي والوظيفي.
أما وقد أوحت كل التحصينات والبروتوكولات الوقائية التي اتبعها نداء في أسلوبه الوقائي بأن هذا السلوك شكّل لديه ما يشبه القلعة الحصينة التي لا تخترق، إلا أنَّ القلاع، كما قال نابليون في إحدى معاركه المستعصية "بمارخ فيلد"، لا تسقط سوى من الداخل.
لسوء الحظ، بدأت عوارض الفيروس بالظهور على نداء بعد زيارة غير ضرورية إلى أحد أشد المقربين إليه (الدائرة الضيقة جداً)، وأصبح التعب السمة الوحيدة التي تطفو على وجهه، حتى بات ضعيف الحيلة، وارتفعت حرارته، وعانى الانحطاط في كامل عضلات جسمه.
لم يكن بالحسبان أن تأتي عدوى نداء من الدائرة الضيّقة التي يندمج بها ويثق بها إلى حدود نزع الكمامة عند اللقاءات والمصافحة... أي من أفراد عائلته التي لا يمكن أن يفرض عليها البروتوكولات الوقائية التي يتبعها بنفسه. وعلى حين غفلة، أدخل نداء الفيروس التاجي إلى منزله بنفسه من دون أن يعلم بذلك، وقضى عليها بالحكم بالحجر الانفرادي لمدة 14 يوماً.
تتكرّر قصّة نداء والسلوك الاحترازي الذي يتبعه هذا الشخص في كل يوم، وفي أوساط اجتماعية وعائلية كثيرة، وتتكرّر عدوى هؤلاء الأشخاص أيضاً من خلال المقربين إليهم من دون حسبان.
لذا، وجب التنبّه إلى مخاطر استقبال الزائرين التي تتشابه قضيتهم مع قضية نداء وعائلته، وخصوصاً أن عدد الإصابات اليومية في لبنان تخطى 3500 إصابة، وفقاً لإحصائيات وزارة الصحة، وذلك من دون تسجيل الأشخاص المخالطين، والأشخاص الذين لا يعلمون بإصابتهم (من دون عوارض)، والأشخاص المصابين الذين لم يبادروا إلى إجراء الفحوصات المخبرية اللازمة (PCR). ووفقاً لوزارة الصحة، فإنَّ الأعداد الحقيقية للمصابين بفيروس كورونا تخطّت أضعاف الأعداد المذكورة.
أما على المستوى الإحصائي والديموغرافي، فبحسب إحصاءات وزارة الصحة، فإن ما نسبته 52% من المصابين بالفيروس تعود أسباب إصابتهم إلى مخالطة مصاب من دون علمه بذلك، أو لعدم اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة لتجنّب العدوى (الإبقاء على مسافة آمنة ووضع الكمامة وعدم ملامسة الأسطح)، وهي إجراءات أصبحت معروفة لدى الجميع، ولسنا بصدد إجراء حملات توعوية جديدة بهذا الخصوص.
كما أنَّ ما نسبته 29% من المصابين هم من العائدين من الخارج (مسافرين). وقد تمَّ إثبات إصابتهم بالعدوى من خلال الفحوصات المخبرية الإجبارية المتبعة في مطار رفيق الحريري الدولي، وما نسبته 19% من المصابين تعود إصابتهم بالعدوى إلى مصادر مجهولة قيد التحقيق.
لا بدَّ من التّعاطي مع الفيروس التاجي "كوفيد 19" على أنه وباء قاتل، وأنه قد يتسبب في قتل إنسان آخر، وخصوصاً إذا كان عمره يزيد على 49 عاماً، فمن واجباتنا الإلزاميّة أن نتحلّى بروح المسؤولية في التعاطي مع هذا الفيروس على المستوى الفردي والمجتمعي، من أجل تجنب العدوى واحتواء انتشارها، فالتوعية تبدأ من الداخل، وسوء الفهم في التعاطي مع الإجراءات الوقائية الضرورية قد يؤدي إلى تفشي الفيروس بشكل واسع، مثلما حصل في بعض الدول الأوروبية، مثل إيطاليا وإسبانيا.