"عاصفة الصحراء" في عقدها الرابع.. ماذا تخطّط واشنطن للسّاحة العراقيّة؟
كلّ ذلك يعود بنا إلى ذكريات، وليست إعادات إلى بدايات "حرب الخليج الثانية" أو "أمّ المعارك" أو "حرب تحرير الكويت"، وما أطلق عليها عسكرياً "عملية درع الصحراء".
قبل نهاية العام 2020 بسبعة أيام، أفاد موقع "Axios" الأميركي بأن الولايات المتحدة تدرس إغلاق سفارتها في بغداد، إثر الهجمات الصاروخية الأخيرة عليها في المنطقة الخضراء في العاصمة العراقية بغداد.
هذه الخطوة، من بين عدة خيارات قيد الدراسة، يمكن أن تكون "مقدمة للانتقام من إيران"، التي وصفها الرئيس المنتهية ولايته ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو بأنها "دولة راعية للإرهاب". وفيما أطلقت منظومة "سيرام" التابعة للسفارة الأميركية، رشقات في سماء بغداد، فإن السفارة الأميركية في بغداد أكدت سابقاً صحة معلومات موقع "بوليتيكو" عن خفض عدد موظفيها.
كلّ ذلك يعود بنا إلى ذكريات، وليست إعادات إلى بدايات "حرب الخليج الثانية" أو "أمّ المعارك" أو "حرب تحرير الكويت"، وما أطلق عليها عسكرياً "عملية درع الصحراء" (للمرحلة من 7 آب/أغسطس 1990 وحتى 17 كانون الثاني/يناير 1991)، ثم "عملية عاصفة الصحراء" (للمرحلة من 17 كانون الثاني/يناير إلى 28 شباط/فبراير 1991). هي حرب شنتها قوات التحالف المكونة من 34 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ضد العراق، بعد أن منح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تفويضاً بذلك.
بعد احتلال العراق للكويت بفترة قصيرة، بدأ جورج بوش الأب بإرسال القوات الأميركية إلى السعودية، وسُميت هذه العملية باسم "درع الصحراء". وفي الوقت نفسه، حاول إقناع عدد من الدول الأخرى بأن ترسل قواتها إلى مسرح الأحداث، فأرسلت 8 دول قوّات أرضيّة لتنضم إلى القوات الخليجية المكونة من البحرين والكويت وعُمان وقطر والسعودية والإمارات العربية المتحدة، وألوية الولايات المتحدة الثقيلة، البالغ عددها 17 لواءً، وألويتها الخفيفة البالغ عددها 6 ألوية، إضافة إلى 9 أفواج بحرية أميركية.
وكانت 4 دول قد أرسلت وحدات من طيرانها الحربي، لينضم إلى سلاح الجو السعودي والقطري والكويتي، إضافة إلى الأميركي والبحرية الأميركية وسلاح طيران البحرية الأخيرة، ما جعل عدد المقاتلات الجويّة الثابتة الجناح يصل إلى 2,430.
في المقابل، امتلك العراق بضعة زوارق مدفعية وزوارق حاملة للصواريخ، ولكنه عوّض عن هذا النقص في عدد القوات الأرضيّة الهائل، والبالغ 1.2 مليون جندي، و5,800 دبابة، و5,100 مدرعة أخرى، و3,850 قطعة مدفعية، ما زاد من القدرة القتالية للقوات الأرضية العراقية. كما امتلك أيضاً 750 طائرة مقاتلة وقاذفة قنابل، و200 قطعة جويّة أخرى، ودفاعات صاروخية ورشاشة دقيقة.
أطلقت كل دولة من الدول المشاركة في هذا النزاع اسماً خاصاً بها على هذه العملية، فأطلقت عليها الولايات المتحدة اسم "عملية عاصفة الصحراء" و"عملية درع الصحراء" (Desert Shield)، وأطلقت عليها المملكة المتحدة "عملية جرانبي" (Operation Granby)، تيمناً بجون مانرز، مركيز قرية جرانبي وأحد أشهر القادة العسكريين في حرب السنوات السبع، ووطلقت كندا أطلقت عليها كندا اسم "عملية الاحتكاك" (Operation Friction)، وأسمتها فرنسا "عملية دوجت" (Opération Daguet)، أي عملية "أيل الشادن".
مرت سنوات على كل ذلك، وظلّت بغداد على أجندة الاستهداف الأميركي أمنياً. وقد أطلقت واشنطن اتهامات بقصف المناطق السكنية لتحميل المقاومة العراقية مسؤولية تنفيذها. ربما يساعد ذلك على توضيح الرؤية وإزالة بعض الضبابية التي غطت الأحداث في محيط المنطقة الخضراء في الفترة الأخيرة.
كانت هذه التطورات سريعة، ففي ظل الحديث عن إجلاء السفارة الأميركية جميع موظفيها، باستثناء السفير ومرافقيه، ماذا تخطط واشنطن للساحة العراقية؟ وأي صلة بين هذا العبث بأمن بغداد وبين التحركات الأميركية الإسرائيلية في مياه الخليج؟ وهل أرادت طهران توجيه رسالة تحذير عبر جولة قائد القوة البحرية في حرس الثورة الأدميرال علي رضا تنكسيري في جزيرتي طنب الكبرى والصغرى؟
في هذه الأثناء، يبقى القلق المسيطر على الإسرائيليين من أيّ مواجهة مع محور المقاومة على حاله. اللواء الاحتياطي إسحاق بريك قال إنَّ هناك طوقاً خانقاً من أكثر من 200 ألف صاروخ محكم حول فلسطين المحتلة، وتحدث بوضوح عن نقاط ضعف الجبهة الداخلية، وعن عدم جاهزية الجيش الإسرائيلي دفاعاً وهجوماً.
لا شكَّ في أنَّ هناك ارتباكاً في السياسة الأميركية، ولا يملك دونالد ترامب الوقت والأدوات لشن الحرب، وهناك مشروع متكامل في المنطقة سيهوي مع رحيله، فالكيان الإسرائيلي ممثلاً بنتنياهو يواجه أزمة عميقة جداً داخل تل أبيب، التي تحاول أن تخلق أجواء من التوتر المبالغ فيه في المنطقة عبر الاستعراض لحماية حلفائها، كما أن محور المقاومة قادر على توجيه ضربات حقيقية في العمق الإسرائيلي، وهو ما تخشاه تل أبيب.
قبل 3 عقود خلت، كانت "عاصفة الصحراء" التي أطلق عليها اسم "حرب الخليج الثانية"، ولكن يُطلق عليها في بعض الأحيان اسم "حرب الخليج" أو "حرب الخليج الأولى"، للتفريق بينها وبين غزو العراق في العام 2003. وتسمي الولايات المتحدة هذه الحرب باسم "عاصفة الصحراء" (Operation Desert Storm).
وغالباً ما يُخطئ الناس، وخصوصاً الغربيين، ويعتقدون أنه اسم النزاع بكامله، رغم أن دائرة بريد الولايات المتحدة أصدرت طابعاً في العام 1992 يحمل اسم "عملية عاصفة الصحراء"، بصورة لا تدع مجالاً للشك في أنه اسم العملية، كما منح الجيش الأميركي "أوسمة الحملة" (Campaign Ribbons) لمن شارك في الخدمة في جنوب غرب آسيا.
تمرّ العقود الثلاثة السالفة الذكر على كلّ ما عرضناه، ليأتي العقد الرابع ومعه الحديث عن إجلاء السّفارة الأميركيّة جميع موظّفيها، باستثناء السفير ومرافقيه، فماذا تخطّط واشنطن للسّاحة العراقيّة؟ وأي صلة بين هذا العبث بأمن بغداد وبين التحركات الأميركية الإسرائيلية في مياه الخليج؟