قراءة في اغتيال العالم الإيراني محسن فخري زاده

تغتال أذناب الاحتلال الصهيوني العالم الإيراني محسن فخري زاده، في ظل مرحلة انتقالية في الإدارة الأميركية تتجلى فيها عوامل التصعيد وصعوبة رصد الأهداف.

  • تختلف بيئة الاستهداف لفخري زاده وتوقيته تماماً عن بيئة اغتيال قاسم سليماني
    تختلف بيئة الاستهداف لفخري زاده وتوقيته تماماً عن بيئة اغتيال قاسم سليماني

في ظل بيئة رخوة مليئة بالتحديات، وفي ظل هرولة عربية غير مسبوقة نحو التطبيع، وعلى مشارف الثورة ومواجهة العدو الصهيوني، تتجدَّد البوصلة بدماء رسمت معالم الطريق، لتحقّق حلم الاستقلال المنشود عن التبعية الاستعمارية والأجندة الغربية.

وفي هذا السياق، تغتال أذناب الاحتلال الصهيوني العالم الإيراني محسن فخري زاده، في ظل مرحلة انتقالية في الإدارة الأميركية تتجلى فيها عوامل التصعيد وصعوبة رصد الأهداف، وفي ظلّ خطة استراتيجية إسرائيلية لتقويض فرص نجاح البرنامج النووي الإيراني، للحفاظ على التفوق الصهيوني في المنطقة، إذ يقوم أحد بنود تلك النظرية على تفوق "إسرائيل" في نطاقها الإقليمي.

لذلك، تحاول "إسرائيل" منع إيران من الاستمرار في برنامجها النووي، وتستخدم بعض الأنظمة العربية باللعب على الوتر الطائفي، بمباركة أي عمل تجاه دولة تسعى لإنهاء الاحتلال الصهيوني من الوجود، وتلك الأنظمة ما هي إلا سر تقسيم المنطقة وتشرذمها، من خلال دول وُجدت بوجود الاحتلال.

وفي ظلّ هذه الظروف في البيئة الرّخوة وحالة السيولة في الشرق الأوسط، نقف على بعض المعطيات في هذا السياق، وهي كالتالي:

تختلف بيئة الاستهداف لفخري زاده وتوقيته تماماً عن بيئة اغتيال قاسم سليماني، إذ إن الضربة جاءت في العمق الإيراني، بخلاف اغتيال سليماني الذي كان في العراق، وهذا جديد في اغتيال العالم الإيراني. أيضاً، إن الاغتيال غير معلن، فهل هو أميركي أو إسرائيلي؟ على الرغم من عدم التباس تنفيذه بأيدٍ صهيونية بحتة.

جاءت هذه الضربة في الوقت الضائع، في ظلِّ التحول في الانتخابات الأميركية ومتطلبات الفترة الانتقالية، إذ إنها ستثقل إدارة بايدن، وستقوض عودة اتفاق "1+5"، أو على الأقل عودته بشروط مختلفة عن السابق.

إن حجم الرد الإيراني وطبيعته يضع تقدير الموقف بين فكي كماشة، فعلى الرغم من أن رأس الإيراني بارد في الرد، ولكن هذه الضربة كانت في العمق الإيراني، في تغيير لقواعد الاشتباك، وهو الأمر الذي سيقوض الضرورات بالنسبة إلى إيران، فإن ردت بحجم واسع، فالنتائج غير معروفة، وإن انتظرت، فإن فرص ضربات أخرى ستزداد. وفي كل الأحوال، تفويت الفرصة مُضر بإيران وصورتها.

المواجهة الشاملة ومعطياتها ستفتح شهية ترامب وتزيد فرص التصعيد في مياه الخليج. أيضاً، يقدّر أن الرد الأميركي هو ضرب المفاعلات النووية، وهو الأمر الذي سيعيد البرنامج النووي لسنوات طويلة إلى الوراء، والسؤال المهم: هل سيفتح الاستهداف المجال لتحرك شامل أو سيكون محدوداً؟ وهو ما تحدده مجريات الميدان لو تم.

سيناريو محتمل

إعلان الإعلام الإسرائيلي عن زيارة نتنياهو إلى السعودية، وفي توقيت قريب من الضربة، يؤشر إلى أن الاغتيال كهدف للاستهداف الإيراني تم برغبة سعودية مقابل صفقة بين الطرفين يكون التطبيع عنوانها، لتعزيز الثقة بين الاحتلال الإسرائيلي والسعودية، وهو الأمر الذي يزيد من احتمال ضربة إيرانية عبر حلفائها لأهداف استراتيجية سعودية، وتجنيب "إسرائيل" ضربة استراتيجية محتملة من قبل إيران.

في تقديري، ستبتلع إيران الضربة بالحد الأدنى، وستكون ردودها محدودة، من خلال هجمات سيبرانية، بحيث لا تدخل في مواجهة مفتوحة، علماً أن هذه المرحلة يغيب فيها اليقين، وهي بالتالي ليست فرصة إلا لإدارات تناور لأجندة محدودة، إذ إن المصالح الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية تصب بدرجة رئيسية في تحقيق البرامج النووي الإيراني الذي يهدد التفوق الإسرائيلي ويضرب تلك النظرية في مقتل.

وعلى الرغم من أن الضربة مؤثرة، فإن أكبر رد على كل الأطراف المعادية هو الاستمرار في البرنامج النووي الإيراني وتحقيق تكامل الجبهات، لإنهاء الوجود "الإسرائيلي" ونفوذه المهدد لمنطقة الشرق الأوسط ومحيطها.