ما دلالاتُ زيارة بومبيو إلى مستوطنات الضفة الغربية والجولان المحتل؟
ويُعَدُّ بومبيو أوّل وزير خارجيةٍ أميركيٍّ يزور مستوطنةً صهيونية، ولا نستغرب منه ذلك لأنه ببساطة ينتمي إلى أغرب حكومةٍ أميركية في التاريخ بزعامة دونالد ترامب.
تعمّد مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي زيارة مستوطنة "بساغوت" في الضفة الغربية بعد وصوله إلى تل أبيب، في خطوةٍ استفزازية ضد السلطة الفلسطينية التي رفضت في وقتٍ سابقٍ الانصياع إلى أوامر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فأوقفت الإدارة الأميركية على إثر هذا الموقف كل اتصال مع السلطة الفلسطينية.
وتُعدّ هذه الزيارة استفزازاً واضحاً وتجاهلاً سافراً لأي اعتراض فلسطيني على جميع المستويات، بدءاً من الرئاسة إلى الشعب الفلسطيني. وتندرج زيارة بومبيو إلى هضبة الجولان المحتل في إطار تكريس دعم الولايات المتحدة للاحتلال الصهيوني والضغط على الوجود الإيراني في سوريا. وهذا يقدّم تفسيراً بأن الإدارة الأميركية الحالية متعنّتة وماضية في قراراتها التي لا تصبّ في مصلحة الحزب الجمهوري بالدرجة الأولى وليس في مصلحة "الديمقراطية الأقوى" في العالم. إنه "التمرّد على الديمقراطية" في مشهدٍ أرستقراطيٍّ جديدٍ يتزعّمه دونالد ترامب ويجسّده مايك بومبيو في فلسطين المحتلة.
وقد سبق لبومبيو أن استفزّ الرئاسة التركية وجميع المسؤولين فيها وعلى رأسهم نظيره مولود جاويش أوغلو وزير الخارجية التركي، حين زار الوزير الأميركي كنيسةً ومسجداً في اسطنبول ولم يلتقِ بأيٍّ من المسؤولين الأتراك. وفي ذلك رسالةٌ غاضبةٌ من الولايات المتحدة الأميركية لما يقوم به الرئيس التركي رجب طيّب إردوغان، في شرق المتوسط وفي الحرب الدائرة بين باكو ويريفان. إذ لم يُعِرْ بومبيو اهتماماً بالرئيس التركي ولا بحاشيته، تعبيراً عن غضبٍ أميركيٍّ دفين لما يجري في المنطقة وأزاء تصرفات إردوغان بالذات، مما يعطي إشارةً إلى أن الإدارة الأميركية تتصرف بتعنّتٍ شديدٍ في الأيام السبعين المتبقّية من عهد ترامب.
ويُعَدُّ بومبيو أوّل وزير خارجيةٍ أميركيٍّ يزور مستوطنةً صهيونية، ولا نستغرب منه ذلك لأنه ببساطة ينتمي إلى أغرب حكومةٍ أميركية في التاريخ بزعامة دونالد ترامب، الرئيس المثير للجدل. وما زال ترامب يعتقد أنه بإمكانه أن يُشعل المنطقة بقراراته في المدة المتبقية له في الحكم، وما إرسال بومبيو إلى "إسرائيل" وتحدّيه السلطة الفلسطينية إلا دليلاً على هذه العنجهية المفرطة التي يمارسها ترامب وأعوانه متخطياً كل الأعراف الدبلوماسية ومتحدّياً كل القرارات الدولية، ومستفزّاً كل القيادات التي يرى ترامب أنها لا تصلح أن تكون حليفاً قوياً للولايات المتحدة الأميركية.
ويبدو أن الإدارة الأميركية في أيامها الأخيرة تعيش نوعاً من الاضطراب على مستوى القيادة بعد أن هزّتها الانتخابات التي جرت في 3 تشرين الثاني/نوفمبر. وبدأت تلوح في الأفق بوادر هزيمة على كل المستويات، حتى على مستوى القضاء الذي كان ترامب يعلّق عليه الكثير من الآمال، فيما الإدارة الأميركية تتخبّط كما يتخبّط وزير خارجيتها حينما أعلن أن ترامب هو الفائز وأن الإدارة الحالية باقيةٌ لـ4 سنوات أخرى.
يمكن فهم زيارة بومبيو إلى مستوطنة "بساغوت" على أنها محاولةٌ لجذْب الانتباه، وتكريس لغة القوة والاستعلاء والاستعداء، والمضيّ قُدُماً في تأديب الفلسطينيين الذين رفضوا "صفقة القرن". قرّر بومبيو تصنيف سلع المستوطنات صناعةً إسرائيليةً واعتبار كل منظّمةٍ تقاطع "إسرائيل" منظّمةً معاديةً للسامية، وغيرها من القرارات المُجحفة بحق الفلسطينيين. وهاهو نفسه يعلنها بزهوّ تطبيقاً لقراراتٍ واتفاقاتٍ تمّت بين ترامب ونتنياهو. والغريب أن المستوطنات لم تقف عند حدٍّ معيّن، بل استمرت حتى بعد تطبيع بعض البلدان العربية مع "إسرائيل"، لأن نتنياهو كرّر أكثر من مرة أن التطبيع مع العرب شأنٌ لا علاقة له بالاستيطان ولا بحقوق الفلسطينيين.
وعلى هذا، ما زالت الإدارة الأميركية تصارع الزمن وتسارع في خطواتها لعلها تحصل على المزيد من الفوائد لصالحها، وتحصد المزيد من الجوائز من العرب وغيرهم، في إطارٍ من الاستنزاف المتعمّد دون خجلٍ ولا وجل. وهي بهذه التصرفات ترسي ثقافة الاستعداء وتنقل المشهد إلى مزيدٍ من التوتر في المنطقة التي أصبحت غير مستعدة للتحمل أكثر مما تحمّلت.
ويبقى الفلسطينيون يعقدون آمالاً في أن تُعيد الإدارة الأميركية الجديدة العلاقات الفلسطينية الأميركية وتبعث فيها نوعاً من الأمل لعلها تخرج من الأزمة الدبلوماسية التي وقعت فيها بعد القطيعة الراهنة مع إدارة دونالد ترامب الحالية. وبالتوازي مع الأحداث الجارية داخل الولايات المتحدة الأميركية، تبقى الحكومة الأميركية متعنّتةً إلى آخر رمقٍ جنباً إلى جنبِ "إسرائيل" في استفزازٍ واضحٍ ضد السلطة الفلسطينية والفلسطينيين عموماً، محاولَةً تبييض وجهها الذي بدأ يسودّ من الآن فصاعداً يوماً بعد يوم.