كيف استخدم ترامب "تويتر" لإلهاء وسائل الإعلام؟
تغريدات ترامب ليست كلّها "مجنونة" أو "مهووسة". إنها طريقة ذكية لجعل الصّحافة تركّز على ما يريد أنْ يركّز عليه. لقد استخدمها كسلاح للسيطرة على دورة الأخبار بطريقة تكتيكيّة واستراتيجيّة مدروسة.
يشكّل دونالد ترامب حالة فريدة تستحقّ الدراسة في حقل التواصل السياسي. أرسى الرئيس الـ45 للولايات المتحدة تقنيات وتكتيكات إعلامية اتصالية من خلال استخدام منصّة "تويتر". بالنسبة إلى وسائل الإعلام، تمكّن الرئيس "المغرّد" من فرض إيقاعه وأجندته الإعلامية. مع الوقت، أصبحت تغريداته تتصدّر عناوين الأخبار الرئيسيّة، وبات من الصعب تجاهلها.
تعمل المنافذ الإخبارية الكبرى، من مثل منصّات "CNN" و"CBC" و"BBC"، على تضمين تغريداته بشكل روتيني في قصصها عبر الإنترنت، حتى إن برنامج "The Daily Show" حوَّل تغريداته إلى ما يشبه متحفاً رئاسياً افتراضياً.
كتب ترامب حوالى 4200 تغريدة في العام، بمعدّل 11 أو 12 تغريدة في اليوم الواحد. هذا الأمر جعل حسابه من بين الحسابات الأكثر شعبيةً في مواقع التواصل الاجتماعي.
من جهة وسائل الإعلام، حتى المناوئة له، كان من شأن تجاهل هذه التغريدات أن يضعها خارج التغطية. اتساقاً مع اعتبارات السبق الصحافي والمواكبة والحد الأدنى من "الموضوعية"، كان لا بدّ من بثّ تلك التغريدات وإعادة نشرها. تعزّز ذلك على وجه الخصوص في ضوء التوضيح الذي أصدره البيت الأبيض في منتصف العام 2017، حينما أعلن أنّه يعتبر تلك التغريدات بمثابة تصريحات رئاسية رسمية.
الطريق إلى البيت الأبيض عبر الإعلام الرقمي
من جهة ترامب، شكّل "تويتر" وسيلة لموازنة التغطية السلبية عنه وفرض أجندته الإعلامية وتفادي فخ الأسئلة والمؤتمرات الصحافية. لقد كانت هذه المنصة بمثابة سلاح إعلامي استراتيجي استطاع أن يفرض عبره خطابه السياسي، ويتجاوز سلطة الإعلام التقليدي الأميركي الذي وقف جزء وازن منه ضد سياسته ومواقفه.
يكفي أن نعلم في هذا الإطار أنّ من بين أكبر 200 صحيفة في الولايات المتحدة، اختارت 13 صحيفة فقط المرشح ترامب خلال الانتخابات الرئاسية في العام 2020.
في إحدى مقابلاته على "شبكة فوكس نيوز"، يقول ترامب إنه "ربما لم يكن ليصل إلى البيت الأبيض من دون وسائل التواصل الاجتماعي". يشرح أن بإمكانه "تجاوز التغطية الإعلامية غير العادلة لسياساته وقراراته" من خلال التحدث بشكل مباشر إلى الناس.
لطالما انتقد ترامب وسائل الإعلام الأميركية ووصفها بأقذع النعوت التي يمكن أن توصف بها وسيلة إعلامية. قال عنها إنها "عدو الشعب" و"حزب المعارضة الحقيقي"، ووصفها بـ"إعلام الأخبار الكاذبة".
في حسابه على "تويتر" في أيلول/سبتمبر من العام الماضي، كتب: "خصمنا الحقيقي ليس الديموقراطيين. خصمنا الأساسي هو وسائل الإعلام التي تنشر أخباراً مزيّفة، فعلى مدار التاريخ الأميركي، لم يكن الإعلام يوماً بهذا السوء".
علاقة ترامب المتوترة مع الإعلام الأميركي سبقت وصوله إلى البيت الأبيض. لم يترك أي فرصة إلا واتّهم فيها الصحافة "بتزوير الحقائق". من أكثر العبارات التي ردّدها عبارة "Fake news" (أخبار مضلّلة)، حتى باتت ملتصقة به، لكنّ ذلك لم يكن بالضرورة اعتباطياً وانفعالياً، كما قد يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى.
أولى بوادر معاركه مع الإعلام بدأت من اليوم الأول لرئاسته يوم 21 يناير/كانون الثاني 2017. قرّر أن الإعلام هو ألدّ أعدائه، وقاطع حفل مراسلي البيت الأبيض، رغم أنه تقليد عريق يستضيف فيه الرئيس مراسلي وسائل الإعلام المعتمدين لتغطية نشاطاته.
أدرك ترامب باكراً أنَّ معركته مع لوبيات الإعلام الأميركي سوف تحتاج إلى وسائل غير تقليدية. الرئيس الذي لطالما نُعت بـ"المجنون"، وُصفت تغريداته بـ"الغريبة"، لكن الأبحاث التي تناولت تلك التغريدات دلّت على أنها لم تكن كذلك على الإطلاق. كان العكس هو الصحيح!
تشتيت وسائل الإعلام
جورج لاكوف، فيلسوف أميركي وأستاذ في جامعة كاليفورنيا وعالم متخصص في اللغويات المعرفية، يرى أنّ ترامب يستخدم وسائل الإعلام الاجتماعية كسلاح للسيطرة على دورة الأخبار بطريقة تكتيكية واستراتيجية مدروسة.
خلص لاكوف في تحليلاته إلى أنّ تغريدات ترامب "ليست مجنونة أو مهووسة"، لكنّها طريقة فعالة وذكية لجعل الصحافة تركّز على ما يريد أنْ يركّز عليه دون أيّ شيءٍ آخر، وأكد أنّ الرئيس الأميركي يستخدم "تويتر" لتحويل الانتباه عن "الحقائق الكبيرة" أو الأشياء أو الأخبار التي لا يريد لوسائل الإعلام والصحافة تغطيتها ومتابعتها.
هذا الرأي يتقاطع معه ويؤكده مقال لافت في موقع "The Conversation ". يحدد المقال الآليات التي اعتمدها ترامب عبر "تويتر" من أجل تشتيت المتابعين وصرف انتباههم عن وسائل الإعلام التي تبث عنه أخباراً سلبية.
يذكر المقال أن موقع "تويتر" كان وسيلة أساسية سعى الرئيس من خلالها إلى تحديد جدول الأعمال. منذ أن تولى منصبه لأول مرة، تكهّن كثير من الناس بأن بعض تغريداته تم نشرها لصرف الانتباه عن التغطية الإعلامية السلبية. على سبيل المثال، عندما نشرت الصحافة تقريراً حول قضية تسوية جامعة ترامب بقيمة 25 مليون دولار أميركي، قام بالتغريد عن جدل حول مسرحية "هاملتون". وعندما فشلت توقعاته حول وباء كورونا في "الاختفاء بكل بساطة"، كما كان يكرر، وسيطر الوباء على الولايات المتحدة بدلاً من ذلك، ركّز تغريداته على ما دعاه "OBAMAGATE!".
يبدو أنَّ بعض عوامل التشتيت هذه على الأقل نجح. على سبيل المثال، أظهر بحث سابق كيف كان هناك اهتمام عام وإعلامي أكبر بكثير حول جدل "هاملتون" من تسوية جامعة ترامب. وقدّم بحث جديد أول دليل تجريبي على أن تغريدات ترامب تصرف الانتباه بشكل منهجي بعيداً من الموضوعات التي قد تكون ضارة له، وربما الأهم من ذلك أنه وجد أن هذا التحويل يوقف التغطية اللاحقة للقصص الإخبارية التي قد تكون ضارّة له.
افترض الفريق أنّه كلما أبلغت صحيفة "نيويورك تايمز" وقناة "ABC" عن تحقيق مولر، أشارت تغريدات ترامب إلى الوظائف والصين والهجرة، والتي – إذا نجحت عملية التحويل – ستتبعها تغطية أقلّ لتحقيقات مولر من قبل "نيويورك تايمز" و"ABC" في اليوم التالي.
قدّم البحث أدلّة قويّة على أنَّ تغريدات ترامب كانت تشتّت انتباه وسائل الإعلام.
والجدير بالذكر أنَّ عبارة "OBAMAGATE" من صنع ترامب. قام بالتغريد بها بكثرة في "تويتر"، وتحوَّلت إلى "هاشتاغ" تم تداوله لنحو عام كامل. وتتمحور العبارة حول نظرية مؤامرة ضده من قبل إدارة أوباما، التي يدَّعى ترامب أنّها قامت بتأطير كبار مسؤوليه في وقت مبكر من ولايته من أجل عرقلة رئاسته.