المصالحة الفلسطينيّة.. استحقاق وطنيّ أو ممرّ للخروج من نفق سياسيّ؟
المصالحة الفلسطينيّة مطلب أساسيّ ورئيسيّ لا انفكاك عنه لتحقيق الوحدة الفلسطينيّة، التي تعدّ الدرع الحامية لمواجهة التحديات القائمة على المستوى الاستراتيجيّ لتصفية القضية الفلسطينيّة
تتنامى جدليَّة واسعة بين مكوّنات الشّعب الفلسطينيّ والمتابعين حول استحقاق المصالحة وفرص تحقيقها، في ظلّ اختلاف البرامج والرؤى السياسية بين أقطاب الساحة الفلسطينيّة ومكوّناتها، ولا سيّما أكبر فصيلين سياسيين، حركتي حماس وفتح، وهو ما يجعل المتابع، نتيجة الجولات السابقة للمصالحة، يُصاب بخيبة أمل.
على الصّعيد الوطنيّ، إنَّ المصالحة الفلسطينيّة مطلب أساسيّ ورئيسيّ لا انفكاك عنه لتحقيق الوحدة الفلسطينيّة، التي تعدّ الدرع الحامية لمواجهة التحديات القائمة على المستوى الاستراتيجيّ لتصفية القضية الفلسطينيّة. وفي هذا السياق، إن المطلوب من التيارات السياسية داخل الساحة الفلسطينية تغليب البعد الوطني على أيّ حسابات أخرى.
على الصعيد الفتحاوي، إذا أردنا القول إن المسار السياسي الحالي بين أكبر فصيلين سياسيين قائم على الاستحقاق الوطني، فإن من يملك القرار في الضفة المحتلة التي تتمحور حولها "خطة الضم" الإسرائيلية، عليه تنفيذ استحقاق اجتماع الأمناء العامين في لبنان، وهو تفعيل القيادة الموحدة للمقاومة الشعبية هناك، وهو ما يأتي تقديراً لتحديات المرحلة والواقع السياسي، من تطبيع و"صفقة قرن" وضمّ للأراضي الفلسطينية في الضفة المحتلة.
على الصّعيد الحمساويّ، إنَّ رسالة المقاومة الفلسطينيَّة في قطاع غزة إثر إعلان القسام أنَّ "قرار الضمّ يعتبر إعلان حرب"، وصل صداها إلى أبعد من حدود فلسطين. وبالتالي، إنّ الأهمّ اليوم هو اتّخاذ القرارات التي تستطيع القوى تطبيقها، لتجنيب القضيّة مسار التسوية الحالي.
على صعيد فصائل العمل الوطنيّ، يجب أن تتحمَّل كلّ مكوّنات الشّعب الفلسطينيّ مسؤولياتها أمام التحديات التي تعصف بالقضيّة. وفي هذا السياق، إن حركة الجهاد الإسلامي تشكّل داعماً مهماً في تعزيز وجهات النظر على الصعيد الوطنيّ وتقريبها. وقد صدر بيان لافت للحركة يوم أمس، يؤكّد ضرورة تفعيل استحقاق مخرجات مؤتمر الأمناء العامين في تشكيل جبهة موحَّدة لمواجهة الصفقة.
وهنا، يجب وضع مجموعة من الإشارات بين تحدّيات ورهانات للوقوف عليها:
- إنَّ مشروع التّسوية السياسيّة مع الاحتلال، ولا سيّما ذلك الَّذي تقوده السلطة الفلسطينية، فشل فشلاً ذريعاً، ولم تعد مسألة "حلّ الدولتين" مطروحة على الطاولة إطلاقاً.
- إنّ "صفقة القرن" وتحوّلاتها وأدواتها تعمل ليلاً نهاراً على تطويع الكلّ الفلسطيني للدخول في أتون تلك التسوية عبر بوابات مختلفة، حيث أن المسار السياسي الفلسطيني القائم على "الحل السلمي"، أعطى مبررات للأطراف المطبّعة، لا سيما بما يخص توقيع "اتفاق أوسلو".
- إنَّ أوراق القوّة الموجودة بين يدي حركة حماس دفعت حركة فتح إلى التحرّك باتجاهها من أجل الركوب في هذا القارب، على الرغم من أنّ المشكلة لا تكمن في ذلك، ولكنها تتمثل في أن يكون هذا التحرك مؤقتاً، أو أن يكون نتيجة شعور السلطة الفلسطينيّة بأنها أمام ممر وعر.
- إذا قلنا إنّ الفرص كبيرة لتحقيق الانتفاضة في الضفة المحتلّة التي تمثل مركز الصراع اليوم، نتيجة حالة الاحتكام إلى الواقع والضم، فعليه، إن إتاحة الفرصة المؤقتة أمام السير في خطى المصالحة لاستعادة حالة الهدوء والانشغال السياسي للأطراف، يتطلب حكمة فلسطينية في توازنات المرحلة وطبيعة تحدياتها.
- يعدّ إجراء الانتخابات الفلسطينيّة (التشريعية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني) بشكل متزامن فرصة ضرورية لتحقيق هدف جميع الأطراف في الشارع الفلسطيني. هذا الأمر إن تحقّق، فإنه سيغيّر مسار الأمور.
- على الرغم من تلك المخاطر في زمن التطبيع، فإن بندقية المقاوم ما زالت مشرعة في وجه المحتل، وما زالت أوراق القوة قائمة. وتحدي الوقت على أهميته، يخدم المقاومة الفلسطينية من جهة، وإن كان يخدم أطراف الاحتلال من جهة أخرى.
إنّ الممرات الإجباريّة لا تمرّ عبر طموحات الشعب الفلسطيني وآماله، ومن يعبث بمستقبل القضية، من خلال محاولة اللعب على أوتار الاحتلال، فإن المقاومة دائماً عودت الكل الفلسطيني على أن تكون صاحبة الكلمة الأخيرة في ذلك.
ختاماً، ركّز اجتماع الأمناء العامين ومخرجاته على مجموعة من الأمور، أهمها تشكيل جبهة وطنية مختلفة على غرار مسيرات العودة، من أجل تحقيق المقاومة الشعبية في كل أماكن التواجد الفلسطيني. هذا الأمر هو البوصلة الحقيقية ومؤشر القياس الفعلي لنجاح هذا المسار وتحقيقه.
طبعاً، إنَّ أهميّة تحقيق الانتخابات الفلسطينية التشريعية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني بشكل متزامن، سيفرز شرعيّات جديدة تعبر عن الأوزان في الشارع الفلسطيني. ولا شكَّ في أنَّ هذا الاستحقاق سيغيّر المعادلة نحو تحقيق طموحات الشعب.