الشرق الأوسط بعد الانتخابات الأميركية.. أية وجهة؟
كان الأمل معقوداً على إدارة ترامب لمساعدة السعوديين على الخروج منتصرين من كل الحروب التي بدأوها في المنطقة، لكن الواقع الفعلي لهذا الرهان أظهر بأن ترامب لم يستعمل إلا استراتيجية التنمر.
تقترب الانتخابات الأميركية بخطى حثيثة، ويزداد توتر الأنظمة العربية المدعومة من ترامب، في ما أسماه "الحماية مقابل الدفع". وعلى الرغم من أن السياسة الأميركية لن تتغير جذرياً تجاه هولاء الحكام، مع النجاح المحتمل لجو بايدن، فإنها ستعرف بعض التغيرات التي قد تسرع في تغيير وجه الشرق الأوسط في السنين القليلة القادمة، نظراً إلى كل العوامل الموضوعية التي يمكن ملاحظتها.
ولعل أول الدول التي ستعرف ضربة القدر الفاصلة هي البحرين والإمارات والسعودية، فالإسراع في التطبيع مع الاستعمار الإسرائيلي بدعم من الإمبريالة الأميركية، كان تحسباً لرحيل ترامب، وبالتالي الاعتماد على "إسرائيل"، التي لا تضمن حتى استقرارها وأمنها.
ملك البحرين وأمراؤها مدوا أعناقهم لمقصلة التاريخ طواعية، بالهرولة المقصودة للارتماء في أحضان آل صهيون، لأن هذه المملكة تعرف منذ سنوات عدم استقرار سياسي واضحاً، يرجع في الأساس إلى نظام الحكم المعتمد، والمؤسس على محاولة إقصاء فئات اجتماعية عريضة من حقها الديموقراطي بالمطالبة بالمشاركة في صناعة القرارات السياسية وتوزيع خيرات هذه الإمارة الصغيرة بالعدل بين أبنائها وبناتها.
وتعتبر القاعدة الأميركية في البحرين نوعاً من الضمانة لاستمرار النظام الحالي فيها، على الرغم من أن هدف الوجود الأميركي في مرافئها هو حماية المصالح الأميركية، وليس حماية الإمارة بالمقام الأول. وأكبر خطر يهدد هذا الأرخبيل العربي الصغير هو وضعه الداخلي، حيث إن أقلية تحاول بكل ما أوتيت من ديكتاتورية فرض سياسة الأمر الواقع على مليون ونصف المليون تقريباً من البشر الذين يعيشون على أرض البحرين، نصفهم من الأجانب، وأكثر من سبعين في المئة من النصف المتبقي لا يؤيدون النظام.
وعلى الرغم من أن منظمات حقوق الإنسان العالمية دقت ناقوس الخطر منذ سنين بسبب الوضع المأساوي لحقوق الإنسان فيها، فإن السلطات ماضية في سياسة الإقصاء والسجن والتعذيب والإقامة القسرية للمعارضين.
أما الخطر الثاني، فهو في الأساس خطر اقتصادي محض، فزمن العيش من ريع البترول يتراجع أكثر وأكثر، والظروف الطبيعية للبحرين لا تسمح البتة بإقامة اقتصاد مثمر.
نظرة خاطفة إلى بنية الإمارات العربية المتحدة، تعطي الانطباع بأن منطق الممالك لا زال له مفعول (إمارة أبو ظبي، إمارة دبي، إمارة عجمان، إمارة الشارقة، إمارة رأس الخيمة، إمارة أم القيوين، إمارة الفجيرة)، بكل ما يحمله ذلك من هشاشة على المستوى السياسي وإمكانية حدوث شقوق في أية لحظة ممكنة، على الرغم من أن أقوى إمارة من حيث عدد السكان والمساحة، هي التي تقرر في الغالب.
إذا أضفنا إلى ذلك تشكيل السكان الأصليين لكل الإمارات نسبة 16 في المئة من أصل 8 ملايين نسمة تعيش فيها، فلا يمكن إلا أن نتأكّد من هشاشة هذه الإمارات وقابليتها لهزات سياسية عنيفة، لأسباب اقتصادية أيضاً. وربما كانت هذه التفاصيل من الأسباب الحقيقية لتقديم الطاعة والولاء للصهاينة ومد اليد لهم للتموضع في الإمارات بكل أريحة. وما تنبئ به المؤشرات الحالية لتطبيع الإمارات مع "إسرائيل" هو تفضيل حكام هذه الإمارات استعمار "إسرائيل" على انتفاضة سكان الإمارات ضد حكامهم.
أما السعودية، فهي المملكة الأكثر هشاشة سياسياً في الشرق الأوسط، سواء كان ذلك على الصعيد الداخلي أو الخارجي. وبعجالة، وجد آل سعود أنفسهم في ورطة لم يسبق لها نظير، بمراهنتهم على طلب حماية ترامب، وإصابة خزينتهم بإسهال جراء هذا الأمر، نظراً إلى ما "حلبه" منها بشكل قانوني وغير قانوني.
كان الأمل معقوداً على إدارة ترامب لمساعدة السعوديين على الخروج منتصرين من كل الحروب التي بدأوها في المنطقة، وخصوصاً اليمن وسوريا، وتزويدهم بما هو ضروري لمواجهة إردوغان وإيران، لكن الواقع الفعلي لهذا الرهان يظهر بما فيه الكفاية بأن ترامب لم يستعمل إلا استراتيجية التنمر تجاه السعودية تحديداً، والتي دفعت من دون الحصول على شيء، بل وصدّ الباب في وجهها عندما أصيبت مصفاة البترول فيها بضربات قوية.
أما على الصعيد الداخلي، فإن ولي العهد الحالي نجح بتفتيت الأسرة المالكة بفعل جنونه لكي يصبح ملكاً بعد والده، كما صدم الرأي العام المحلي والعالمي بسياسة مافيوزية، قوامها التصفية الجسدية والحبس من دون مبررات قانونية لكل معارضة، سواء كانت صغيرة أم كبيرة.
إذا بقيت المؤشرات الحالية على حالها، فإن ترامب سيكون مضطراً إلى حزم حقائبه ومغادرة البيت الأبيض بعد الانتخابات القادمة، اللهم إذا تسبب بحرب أهلية، وغطست أميركا في ظلام قاتم يكون بمثابة بداية نهايتها. ولا يعني هذا بحال من الأحوال أنّ الإدارة الأميركية المستقبلية التي قد تكون للديموقراطيين، ستغير بجرة قلم سياستها الشرق الأوسطية، بل ستعود جزئياً إلى ما بدأته إدارة أوباما، بما يعني بشكل من الأشكال ترك الشرق الأوسط ينفجر نهائياً، وانتظار ما سيحدث، مع ضمان الحماية العسكرية الكافية للكيان الصهيوني، الذي يعتبر بحق ولاية أميركية في الشرق الأوسط.
وبالنظر إلى الأزمات الاقتصادية التي ستتعزز مستقبلاً، فإن الدول البترولية الشرق أوسطية ستكون المتضرر الأول، وبالتالي ستتراجع اقتصادياً، بكل ما يعنيه ذلك من مشاكل سياسية واجتماعية واستراتيجية. والرهان على التطبيع مع "إسرائيل" هو عمى استراتيجي، تنتظر منه الدول الثلاث الآنفة الذكر استثمار "إسرائيل" فيها في مجال السياحة والفلاحة والخدمات على وجه الخصوص، وهو ما لن يحدث، لأن "إسرائيل"، إن فعلت ذلك، فلكي تجني أرباحاً من استثماراتها وإعادة استثمارها من جديد في أرض فلسطين المحتلة، وخصوصاً لبناء مستعمرات جديدة وإعمار ما تنوي ضمه من أراضٍ فلسطينية أخرى، بمعنى أن حركة التطبيع الحالية هي مساعدة مباشرة للصهاينة، للاستمرار في توسيع استعمارهم لفلسطين.
في ما يخص السعودية تحديداً، فبرحيل ترامب، سينتهي الدعم الأميركي اللامشروط الذي عرفته معه، وستفتح ملفات قضائية وسياسية وحقوقية، ليس في ما يخص القتل العمد للمعارضين فقط، بل أيضاً في ملف أحداث 11 أيلول/سبتمبر على وجه الخصوص، العالق قانونياً في دهاليز المحاكم الأميركية. هذا الملف هو الذي يقلق راحة الحكام السعوديين، لأنه يدينهم مباشرة.