تعويض اليهود العرب والابتزاز الصهيوني
تحاول "إسرائيل" إعطاء صورة مغلوطة عن حالة اليهود العرب إبان إقامتهم في بلدانهم الأصلية باعتبار أنهم اضطهدوا وهجروا قسراً في حين أن شهادة اليهود أنفسهم تشير إلى أنهم عاشوا بسلام مع نظرائهم المسلمين والمسيحيين.
لا يكل ولا يمل إعلاميون ومسؤولون إسرائيليون من اختلاق الأكاذيب ومغالطة الوقائع، وهم لا يتورعون عن ذلك كلما سنحت لهم الفرصة، سواء عبر القنوات الفضائية التي تستضيفهم، أو منصات التواصل الاجتماعي التي يتخذونها غالباً منبراً للترويج لأكاذيبهم المسمومة وافتراءاتهم المشينة.
في تصريح له عبر قناة "روسيا اليوم"، طلب إيدي كوهين الأكاديمي والإعلامي الإسرائيلي من الدول العربية دفع مبلغ يقدر بـ200 مليار دولار لتل أبيب، كتعويض لليهود العرب النازحين من بعض الدول العربية عن ممتلكاتهم وأموالهم التي فقدوها إثر هجرتهم إلى "إسرائيل".
أولاً، ينبغي التأكيد أنَّ مصطلح النازحين الّذي استعمله كوهين ينطبق عادة على حالتي الحروب والكوارث الطبيعية، إذ ينزح الناس إلى ملاذ آمن يقيهم آفاتها، وهو ما يتنافى مع الحالة اليهودية، فالطريقة التي هاجر بها اليهود العرب - السفارديم - إلى "إسرائيل" عند قيامها تمت بوسيلتين، الأولى الدعاية الصهيونية في أوساط اليهود بكون فلسطين هي أرض الميعاد التي وعدهم الرب بامتلاكها، بحسب زعم توراتهم، والأخرى دفع اليهود إلى الهجرة نحو "إسرائيل" باستعمال الأساليب الأكثر قذارة وعنفاً، والمتمثلة بالقيام بتفجيرات - بواسطة عملاء المنظمات الإرهابية الصهيونية - تستهدف اليهود العرب، لإشعارهم بأنهم في خطر، وبالتالي إجبارهم على الهجرة إلى "إسرائيل".
وتبعاً لذلك، بدأت أمواج الهجرة اليهودية بعد أن باع اليهود كل ممتلكاتهم وصفّوا مشاريعهم التجارية، علاوة على عملية تهريب الأموال إلى الخارج، والتي كان يقوم بها مهربون صهانية محترفون.
المثير في الأمر هو أن غالبية اليهود العرب الذين غادروا بلدانهم الأصلية لم يهاجروا إلى "إسرائيل"، باستثناء أقلية منهم، بل اتجهوا إلى دول أوروبا والأميركيتين، فيما ظلَّت أقلية تعيش في وطنها الأم مثل بقية المواطنين! ولا يشعر المسؤولون الإسرائيليون بالخجل عندما ينفثون سموم أكاذيبهم حول هذا الموضوع، ويزعمون أن الدول العربية والإسلامية سرقت ممتلكات اليهود واستولت عليها بعد طردهم، وهم يطالبون باسم عشرات الآلاف من اليهود بتطبيق حقوق اللاجئين وحقوق الإنسان.
لقد نسي هؤلاء أو تناسوا قانون أملاك الغائبين السيئ الذكر الذي سنّته "إسرائيل" في العام 1950، والذي يسمح لها بشرعنة سلب الفلسطينيين أراضيهم وممتلكاتهم في حالة مغادرتهم إلى الدول المجاورة، وكذلك استخدام القوة لانتزاع ممتلكاتهم وتهجيرهم عنوة.
وعلى هذا الأساس، أليس الشعب الفلسطيني أحق بالتعويض، بعد أن سُرقت أرضه وممتلكاته، وتعرض لأبشع أنواع القتل والتهجير على يد العصابات الصهيونية؟ ومتى كانت "إسرائيل" تعترف بشيء اسمه حقوق الإنسان واللاجئين، وهي التي تقوم كل يوم بأبشع الانتهاكات بحق المواطنين الفلسطينيين العزل؟
يحاول الإسرائيليون استلهام عقدة الذنب التي استعملها قادة الصهيونية لابتزاز ألمانيا والنمسا مالياً في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بذريعة جرائم هتلر بحق اليهود، وتطبيقها على الدول العربية بغرض حلبها مالياً.
تصريح كوهين ليس تعبيراً شخصياً، بقدر ما يعد تعبيراً عن مخطط يجري إعداده بعناية، وفي ظل رعاية إسرائيلية رسمية، ويستهدف سرقة أموال الدول العربية، مستغلاً تهافت بعضها على التطبيع. ولا يستبعد أن تقوم "إسرائيل" على المدى المتوسط بتبني هذا المخطط بشكل رسمي بعد استكمال مخطط التطبيع مع الدول العربية.
خلاصة القول، إنّ "إسرائيل" تحاول إعطاء صورة مغلوطة عن حالة اليهود العرب إبان إقامتهم في بلدانهم الأصلية، باعتبار أنهم اضطهدوا وهجروا قسراً نحو فلسطين المحتلة، في حين أن الواقع وشهادة اليهود أنفسهم تشير إلى أنهم عاشوا بسلام مع نظرائهم المسلمين والمسيحيين، مشبعين بثقافة التسامح وحسن الجوار، ومن قام بتشريد شعب وتهجيره من وطنه هو "إسرائيل" نفسها. واليوم، ومن دون خجل، تأتي لتطالب بدفع تعويضات لليهود العرب عن ممتلكاتهم المزعومة.
حقاً، صدق الشاعر حين قال: إذا قل ماء الوجه قل حياؤه، فلا خير في وجه قل ماؤه!