تطبيع الخليج بين عهدين وفتاوى غبّ الطلب

لا أريد أن أقلّل من خطورة تطبيع دولتي الإمارات العربية والبحرين مع "إسرائيل"، ولكن في الوقت نفسه يجب عدم تهويل الأمر، وكأنَّ كلّ الأمة العربية تُطبِّع معها، أو كأن هاتين الدولتين ستحددان مسار السلام في العالم العربي.

  • تطبيع الخليج بين عهدين وفتاوى غبّ الطلب
    تطبيع الخليج بين عهدين وفتاوى غبّ الطلب

يتم التطبيع مع دولتين ليستا في حالة حرب مع الكيان الصهيوني، وجامعة الدول العربية تباركه، وغالبية الدول العربية صامتة، إن لم تكن موافقة، والقيادة الفلسطينية تقف شبه وحيدة، ليس في مواجهة الدولتين المطبعتين فحسب، بل في مواجهة العديد من الدول العربية أيضاً، باستثناء بعض الدول مثل سوريا والجزائر ولبنان، والجماهير العربية منشغلة بهمومها الداخلية، أو مقهورة وغير قادرة على التعبير عن رأيها بحرية. وفي كل الأحوال، كانت واشنطن هي الوسيط في عملية التطبيع، إلا أنها في الحالة الأولى كانت وسيطاً عن بعد، أما في الحالة الأخيرة، فهي العراب والمحرك الرئيس للتطبيع.

رحم الله الشيخ صباح جابر الصباح الَّذي لم يساوم على فلسطين وقضيتها. هذا هو الفرق بين أمراء الأمس واليوم. لم تكن هناك مساومة على فلسطين!

قد تكون هذه الصراحة مؤلمة، ولكنها تعبير عن واقع عربي ودولي لا تهبّ رياحه بحسب ما تشتهي السفن العربية الأصيلة، ولا يمكن للفلسطينيين أن يطلبوا من العرب ما يفتقدونه هم أنفسهم، وهو وحدة الموقف. تطبيع بعض الأنظمة مع الكيان الصهيوني ليس نهاية الكون، ويجب ألا يزعزع قناعة الشعب الفلسطيني بعدالة قضيّته لأمرين، الأوّل أنَّ الأوضاع قبل تطبيع الإمارات والبحرين لم تكن ورديَّة، حتى نقول إنَّ التطبيع الجديد هو الذي أوقف حصاد الانتصارات أو عطَّله، والآخر أنَّ الفلسطينيين هم أصحاب القضية والحق، والصراع واقعياً، وبعيداً من الإيديولوجيا والشعارات، هو صراع فلسطيني إسرائيلي منذ عقود طويلة، ولن يكون هناك سلام، لا في فلسطين ولا في الشرق الأوسط، إلا باستعادة الشعب الفلسطيني كامل حقوقه المشروعة.

لا أريد أن أقلّل من خطورة تطبيع دولتي الإمارات العربية والبحرين مع "إسرائيل"، ولكن في الوقت نفسه يجب عدم تهويل الأمر، وكأنَّ كلّ الأمة العربية تُطبِّع معها، أو كأن هاتين الدولتين بالفعل، كما يقول ترامب ونتنياهو، ستحددان مسار السلام في العالم العربي، وربما في العالم.

لا داعي للهرولة إلى الهلع والتشنج تجاه تطبيع هاتين الدولتين، وعلى القيادة الفلسطينية التفكير في الدول غير المطبعة، وفي كيفية الحفاظ على ثباتها في مواقفها، وأيضاً كيفية استعادة العلاقة الأخوية بين الشعبين الإماراتي والبحريني مع الشعب الفلسطيني، وليس من الحكمة التسرع في التخلي عن العمق العربي، على الرغم من كل ما فيه من سوء، ففي حالة فقدان هذا العمق، فإن البديل هو مشروع الشرق الأوسط الذي تعمل واشنطن على بنائه واستفراد "إسرائيل" بالشعب الفلسطيني.

عندما دعت المعارضة البحرينية إلى مشاركة شعبية واسعة في فعاليات سقوط اتفاق الخيانة، احتجاجاً على جميع أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، ودعماً للقضية الفلسطينية، أكدت القوى المعارضة عبر حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي أنّ هذه الفعالية المرتقبة تعدّ محطّة جديدة من محطات الرفض الشعبي المناهض للتطبيع مع الكيان الصهيوني.

أتت هذه الدعوة على وقع استمرار التظاهرات الغاضبة في مختلف المدن والبلدات البحرينية، رفضاً للتطبيع البحريني مع العدو الصهيوني، ومع رفع أعلام فلسطين وشعارات مناهضة للتطبيع، والتأكيد على التمسّك بالقضيّة الفلسطينية، والبراءة من الخيانة واتفاقية التطبيع. 

قامت "إسرائيل" برصد خروج أكثر من 150 تظاهرة ومسيرة احتجاجية في البحرين منذ الإعلان عن التطبيع بين نظام آل خليفة والكيان الصهيوني، في وقت لا يشكّ عاقل في الانصياع البحريني للنظام السعودي. ارتكب نظام البحرين خطأ استراتيجياً بارتهان نظامه السياسي بشكل كامل للخارج، وهو يدفع اليوم ثمن ذلك، بدخوله معارك الآخرين الطاحنة بما يفوق قدراته وإمكانياته، كمشاركته في العدوان على اليمن، ومشاركته في مشروع تدمير سوريا والعراق.

واليوم، يأتي قرار استراتيجي خطير وخاطئ أيضاً بالتطبيع وإقامة علاقات مع الكيان الصهيوني، ما يزيد القناعة بأن آل خليفة فقدوا السيادة على القرار بشكل كامل، فقد وضعوا سيادتهم على القرار في سلَّة القوات الأجنبية، على أمل حماية نظامهم السياسي عبر جريمة التطبيع، لأن التطبيع مع الكيان الصهيوني كقوة احتلال واغتصاب للأرض والوطن هو جريمة مدانة بكل المقاييس.

واليوم، لا نعرف أحداً ينفي ما لرجال الدين من تأثير في المجتمعات وتعبئة الناس لدعم قرار سياسي قد لا ينسجم مع ما يعتقدون، هي مُهمّة لا شكّ في أن بعض رجال الدين أهل لها.

تغيّر أحكام الفقهاء وفتاواهم تبعاً لحكام الجور المطبعين في السعودية، مثلاً، وبعدما حرّم هؤلاء قيادة المرأة للسيارة على مدى عشرات السنين، أصبحت الإباحية، بين عشية وضحاها، الأصلَ. كما أنه لا بد لرجال الدين في السعودية من رفض جميع الأمور التي تتعلَّق بالتطبيع مع الاحتلال الصهيوني، ويجب إصدار كتب باللغات كافة حول قضية فلسطين العادلة، ولكنهم للأسف يسبّحون بحمد ابن سلمان.

 

أنظمة عربية عدة، وبعد سنوات من التطبيع السري مع الاحتلال الإسرائيلي، تسير في ركب التطبيع العلني، برعاية كاملة من الولايات المتحدة الأميركية.