كرة القدم الأرجنتينية ترفض استعمار جزر المالوين
قال مارادونا إنه ورفاقه في الفريق كانوا يفكّرون، قبل المباراة وخلالها، في أبناء وطنهم الذين قتلوا في تلك الحرب.
2 نيسان/أبريل ليس يوماً عادياً في الأرجنتين، ليس لأنه صادف فقط في العام 2014 مباراة كرة القدم الداربي بين أشهر فريقين أرجنتينيين، "بوكا جونيورز" و"ريفر بلايت"، ولكن لأنه أيضاً يوم مهم جداً في الذاكرة الجماعية والشعبية الأرجنتينية. هو تاريخ ذكرى حرب المالوين في العام 1982، التي كانت محاولة عسكرية من قبل الأرجنتين لاسترجاع جزر مالفيناس وتحريرها من الاستعمار البريطاني.
قبل صافرة انطلاق المباراة، شهد ملعب البومبونيرا دقيقة صمت تكريماً لقدامى الجيش الأرجنتيني، وترحّماً على أرواح الجنود الأرجنتينيين الذين استشهدوا في تلك الحرب، دفاعاً عن سيادتهم الوطنية.
مات 649 أرجنتينياً في تلك الحرب، وحمل لاعبو بوكا وريفر لافتة كُتب عليها "LAS MALVINAS SON ARGENTINAS" (المالفيناس أرجنتينية).
وفي مدرجات الملعب، علق أعضاء رقم 12، أولتراس بوكا، لافتة كبيرة بألوان الفريق الأزرق والأصفر، ورسمت فيها جزر مالفيناس، ثم كتب عليها: "PROHIBIDO OLVIDARSE" (النسيان ممنوع).
أنصار فريق "ريفر بلايت" علَّقوا كذلك لافتات كبيرة كتب عليها: "SOMOS ARGENTINA" (نحن ننتمي إلى الأرجنتين)، ملونة بالأحمر والأبيض ألوان الفريق، ورسمت فيها جزر مالفيناس، ولافتة أخرى بيضاء رسمت فيها الجزر الأرجنتينية بألوان الراية الوطنية، وإلى جانبها كتب: ARGENTINA وLA BANDA NO TE OLVIDA (الفرقة لا تنساك).
أصبحت جزر مالفيناس تابعة للأرجنتين بعد نيل البلاد استقلالها عن إسبانيا في مطلع القرن التاسع عشر، وهي تقع على بعد حوالى 450 كلم من الأرجنتين، وهي جيولوجياً استمرار لمنطقة باتاغونيا الأرجنتينية. انسحبت منها السلطة الاستعمارية الإسبانية، وأخذت مكانها سلطة أرجنتينية.
يشير القرار 2065 الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى أن قضية المالوين هي قضية استعمارية، ولكن بريطانيا الاستعمارية تعتبر المالوين جزءاً من أراضيها، وتسميها جزر الفالكلاند. حاولت الحكومات الأرجنتينية المتتالية استرجاع جزرها بواسطة المفاوضات مع القوة المستعمرة، ولكن الحكومة البريطانية كانت تربط رفضها التفاوض بحق مزعوم يدَّعي أن سكان جزر المالوين "أحرار في تقرير مصيرهم"، غير أن هذا الحق غير قابل للتطبيق وينافي المنطق، لأنّ سكّان الجزر هم مستوطنون بريطانيون استقدمهم الاستعمار البريطاني من إنجلترا، مع وجود قوات مسلحة بريطانية تقدر بـ2000 جندي.
استعمرت المملكة المتحدة جزر المالوين في العام 1833، وطردت منها سكّانها الأرجنتينيين والسلطات الأرجنتينية التي كانت تمارس آنذاك السيادة بشكل علني ومعترف به.
ومنذ ذلك الحين، لم تكفّ الحكومات الأرجنتينية عن مطالبة إنجلترا بطرق سلميّة بإعادة المالفيناس إليها، ولكن الأخيرة ضربت مطالب الأرجنتينيين بعرض الحائط لغاية العام 1982، حيث قررت السلطات الأرجنتينية استرجاع جزرها بقوة السلاح، بعد رفض بريطانيا المتواصل تسليمها مالفيناس، وفقاً لمنطق: "ما أُخذ منك بالقوة تسترجعه بالقوة".
وهكذا، تمّ إنزال القوات المسلّحة الأرجنتينية في مالفيناس في مطلع نيسان/أبريل 1982، واستسلمت السلطة الاستعمارية البريطانية. كان المسؤولون الأرجنيتنيون يعتقدون "وكانوا ساذجين في اعتقادهم" أن القوى الغربية ستبقى محايدة في هذه القضية، لكنهم تفاجأوا عندما نددت الحكومة الأميركية، بقيادة ريغن، بالعملية التحريرية الأرجنتينية، ووصفتها بـ"العدوان"، وأعلنت عن دعمها لبريطانيا، كما وقفت فرنسا كذلك، بزعامة فرانسوا ميتيران، إلى جانب الاستعماريين البريطانيين. طبعاً، تضامن الاستعماريون في ما بينهم، بينما ساندت دول الجنوب (دول حركة عدم الانحياز) بشدة الموقف الأرجنتيني وحقه المشروع في استرجاع جزء مسلوب من أرضه.
توعّدت مارغريت ذاتشر Margaret Thatcher، زعيمة الحكومة البريطانية آنذاك، الأرجنتينيين بالرد العسكري السريع، ووصفت العمليّة الأرجنتينيّة بـ"العدوان على أرض بريطانية ذات سيادة"؛ أرض بريطانية تقع على بعد أكثر من 12000 كيلومتر عن إنجلترا، ما يعني أن المستعمِر تقمص دور الضحية والمستعمَر، وليس غريباً أن يلجأ الاستعمار إلى الكذب الصارخ وتحريف الحقائق، فكل الاستعمارات الغربية لجأت إلى مثل هذه الممارسات الدنيئة خلال احتلالها للبلدان العربية والأفريقية والآسيوية والأميركية اللاتينية.
لا تزال بريطانيا دولة استعماريّة، لأنها لا تزال تحتل شمال إيرلندا، ومضيق جبل طارق، وجزر أنغويلا وتوركس وكايكوس، وجزر العذراء ومونتسيرات في بحر الكاريبي. ولا تزال السلطات البريطانية ترفض اعتبار مالفيناس مستعمرة، سعياً منها إلى التلاعب بالحقائق التاريخية وتشويه الواقع، إذ نظمت في آذار/مارس 2015 مهزلة استفتاء في جزر مالفيناس، يصوت فيه مستوطنون بريطانيون.
لم ينس محبو كرة القدم اللقاء التاريخي بين الأرجنتين وإنكلترا في كأس العالم 1986، وتغلب الأرجنتينيون بهدفين مقابل هدف واحد. صرّح اللاعب والنجم دييغو مارادونا بأنه يهدي هدفه في مرمى الإنجليز لأولاد المالوين، أي الشبان في الجيش الأرجنتيني الذي حارب قبل 4 سنوات في سبيل تحرير جزر المالوين من الاستعمار البريطانيّ.
قال مارادونا إنه ورفاقه في الفريق كانوا يفكّرون، قبل المباراة وخلالها، في أبناء وطنهم الذين قتلوا في تلك الحرب. وقال مارادونا هذا العام، مسترجعاً ذكرى تغلّب الأرجنتينيين على الإنجليز: "كان الفوز يشبه الانتصار على بلد، لا على فريق كرة قدم، حتى وإن كنا نقول قبل بدء المباراة إنّ كرة القدم ليست لديها أية علاقة بحرب المالفيناس. كنا نعرف أنّ الكثير من الشبان الأرجنتينيين ماتوا هناك، وقُتلوا كما تُقتَل العصافير الصغيرة... وكان ذلك الفوز انتقاماً. كان بمثابة استرجاع جزء من مالفيناس. كنا ندافع عن رايتنا، عن الشبان الذين حاربوا هناك، الأحياء منهم والأموات".
وكما يقول أنصار "بوكا جنويور"و"ريفر بلايت" الأرجنتينيَيْن، على غرار كل الوطنيين الأرجنتينيين، إن جزر مالفيناس كانت وستبقى أرجنتينية. هذا ما يردده عشاق كرة القدم الأرجنتينية في المدرجات لغاية اليوم. وبما أنَّنا نعارض كذلك كلّ أشكال الاستعمار والإمبريالية التي تمارسها القوى الغربية على بلدان وشعوب الجنوب التي ننتمي إليها، فنحن بدورنا نقول إنّ مالفيناس أرجنتينية.