تونس والتّعليم عن بعد في زمن كورونا.. السَّهل الممتنع
على الدّولة التونسية بمؤسّساتها كافة جعل أزمة كورونا وما نتج منها، فرصة لإجراء إصلاحات ينشدها السّواد الأعظم من الشّعب التونسي، وإيجاد حلول للتّعليم وغيره من الأمور.
ربّما ما نراه في دول بعيدة من تطوّر تكنولوجي، ونجاحها بشكل جزئي، وربّما بشكل كامل، في إنجاح السّنة الدراسية السابقة عبر التعليم عن بعد، واعتمادها عليه بشكل كبير في هذه السنة الدراسية الجديدة، جعل دولنا العربيّة، ومنها تونس، تفكّر في جعل التّعليم عن بعد جزءاً مهمّاً من أسس التعليم هذا العام بسبب جائحة كورونا.
التعليم عن بعد في تونس ينطبق عليه وصف "السّهل الممتنع". ليس بشيء عصيّ على دولتنا أن تقدّم لشعبها ظروفاً ملائمة لنوع كهذا من التعليم، وخصوصاً أنّه سيكون حلّاً مناسباً لتفادي التّجمّعات في المدارس بمختلف مستوياتها، أو الجامعات بمختلف فروعها، لكن حين ننظر إلى الواقع وما فيه، نشعر بالصّدمة.
لا يخفى على أحد أنّ الكهرباء في تونس، ورغم كلّ التّقدم الّذي تعيشه البلاد في العديد من القطاعات، شبه منعدمة، وخصوصاً في المناطق الريفية، لعدد من الأسباب، منها عدم تمديد الكابلات، ووجود ساعات تقنين (لا يعرف سببها حتى اليوم)، وسوء التركيب والإنجاز من الأساس.
ويضاف إلى ذلك غلاء الكهرباء وارتفاع قيمة الفواتير كلّ فترة نتيجة الفساد، وانقطاعها أحياناً لأسباب عدّة، منها الفيضانات في عدد من المناطق خلال فصل الشتاء أو نتيجة كثرة الأمطار، لتصل مشاكل الكهرباء إلى حدّ عدم توفّرها في عدّة مناطق.
لا يخفى أبداً على أحد في تونس أنّ الإنترنت فيها لا يشبه ما نراه في دول القارات الكبرى، فسرعة الإنترنت تختلف أحياناً من منزل إلى منزل، ومن حيّ إلى حيّ، ومن منطقة إلى أخرى، ومن مدينة إلى أخرى. وبطبيعة الحال، فإنها تختلف من المدن إلى الأرياف.
إضافة إلى ذلك، تتعرض كابلات الاتصالات كثيراً لأعطال تمنعها من العمل أو تؤدي إلى انقطاع الاتصال بشكل كلّي، ما يؤدّي إلى انقطاع الإنترنت لأيام، وأحياناً لأسابيع، حتّى يتمّ إصلاحها (في حال تقديم شكوى، يكون الجواب: مئات الشكاوى موجودة، سوف نأتيك قريباً).
ونتيجة ارتفاع فاتورة الإنترنت أيضاً، وعدم تجهيز الكابلات، يضطر الكثيرون إلى التّوجه إلى الفضاءات العامة الّتي يتوفر فيها الإنترنت (طبعاً لن تكون ملائمة كثيراً للتعليم عن بعد).
بما أنّنا نتحدث هنا عن التعليم عن بعد، فإننا لا نتحدَّث عن توفّر الحواسيب في المؤسسات التعليمية (غير الموجودة أحياناً وغير الملائمة للتدريس في المجمل)، إنّما نتحدث عن توفّرها في البيوت، فالجميع في الدولة يُدرك أن الظروف المعيشية للمواطن لا تمكّنه في المجمل من شراء مستلزمات الدراسة، من كتب وكراسات وأقلام وغيرها، حتى يُفْرَضَ عليه شراء حاسوب لطفله.
إن شراء حاسوب بالنسبة إلى شريحة كبيرة من الشعب التونسي يعتبر حدثاً مهمّاً يجب التّحضير له، مثل "هدية في مناسبة مهمّة".
ما سبق وتحدّثت عنه هو نتيجة تراكم الفساد الّذي ينخر قلب وطننا العزيز تونس، فالكهرباء ليست متوفرة كما يجب، وكابلات الاتصالات وجودتها ليست مناسبة لتوفير الإنترنت بشكل كافٍ، والحواسيب غير موجودة وغير مقدور على شرائها، وتزيد اللاءات وتكثر مع كثرة الكوارث المعيشية الّتي تعيشها بلادنا.
صحيح أنّنا جميعاً نشجّع على التعليم عن بعد، لا في زمن كورونا فحسب، بل قبله، وحتى بعده أيضاً، لأنّ له فوائد كثيرة، رغم أنّنا نشدّد كثيراً على أهميّة وجود المعلّم وتواصله مباشرة مع تلامذته، لما لهذا الأمر من دور مهم وأساسي في تربية المتعلّم وتدريسه، لكنّ الاعتماد فقط أو بشكل كبير على التّعليم عن بعد، سيؤدّي لا محالة إلى التّأثير سلباً في شريحة كبرى من طالبي العلم من التلاميذ والطلبة الّذين لا تتوفر لديهم كلّ مسببات إنجاح هذه الطريقة من التعليم، وهو ما سيؤثر سلباً أيضاً في إنجاح السنة الدراسية، وسيكون تأثيره كارثياً في مستقبل جزء كبير من المتعلمين.
على الدّولة التونسية بمؤسّساتها كافة جعل أزمة كورونا وما نتج منها، فرصة لإجراء إصلاحات ينشدها السّواد الأعظم من الشّعب التونسي، وإيجاد حلول للتّعليم وغيره من الأمور الّتي تخصّ حياة الشّعب بأكمله.