ترامب بين "اليمين البديل" والفاشية الصهيونية والعربية
يشد ترامب بيد على اليمين البديل، وعلى الصهاينة بيد أخرى، شاقاً طريقه الإقصائي لضمان إعادة انتخابه بأصوات هذا اليمين وأموال الصهاينة.
ينتمي "اليمين البديل" إلى إيديولوجية "تفوق البيض" المدافعة عن القومية البيضاء، والرافضة لكل القوميات والأعراق الأخرى. إنهم، بعبارة قصيرة، نازيون وفاشيون جدد.
هناك الكثير من المجموعات اليمينية المتطرفة في أميركا وأوروبا التي تدور في فلك فكر اليمين البديل، ومنهم على وجه الخصوص المحافظون الأصوليون والمسيحية الأصولية والرأسمالية اللاسلطوية.
وتجدر الإشارة إلى أن الحملة الانتخابية لترامب في العام 2016، كانت أيضاً تحمل مشعل هذه الحركة المتعصبة والعنصرية والكارهة لكل ما هو غير أبيض.
ولكي يُرضي ترامب المنتمين إلى فكر هذه الحركة، منح العديد من المنضمين إليها والمدافعين عنها وظائف سامية في إدارته، كستيفن ميلر وجوليا هان ومايكل فلين وسباستيان غوركا وغيرهم الكثير. وكان من الواضح أن الكثير من النواب الجمهوريين دعموا هذا التوظيف ورحبوا به.
من بين الفلاسفة الأميركيين الذين استعملوا مصطلح "اليمين البديل" في العام 2008، المحافظ اليميني بول غوتفريد. وبعد سنتين، التقطه ريتشارد سبينسر (الذي وجه تحية نازية إلى ترامب في أواخر العام 2016 في حفل للنازيين الجدد حضره ترامب)، المعروف بنضاله من أجل سيادة البيض، أي إعادة إحياء الفكر والثقافة العنصريين بكل ثقلهما، وإقحامهما في المجال السياسي.
ويحاول اليمين البديل توحيد أكبر عدد ممكن من المجموعات اليمينية واليمينية المتطرفة، التي تشاركه تصوراته الإقصائية والعنصرية، أو على الأقل تقترب منها بطريقة ما.
يحاول سبنسر، وهو مدير معهد السياسات الوطنية في واشنطن، أن يفرض نفسه كمنظر لهذه الحركة، مؤكداً أن العرق هو أساس هويتهم، ومن الواجب على كل أبيض الدفاع عن هوية البيض بكل الوسائل، بما فيها حمل السلاح، وتنحية كل من يعترض سبيلهم، بمن فيهم البيض المثليون والحركات المطالبة بالمساواة بين النساء والرجال، لأن مثال اليمين البديل هو مجتمع أبيسي وذكوري سلطوي، يحكم فيه الرجال بقبضة من حديد. وهذه الحركة معادية للسامية، وتروج للإسلامفوبيا.
أما مثال الدولة التي يهفو إلى بنائها، فهي دولة عرقية بامتياز، أي إحياء فكر الأبرتهايد ببساطة. وعلى الرغم من أن هذه الحركة لم تصل بعد إلى إقامة إيديولوجيا قائمة بذاتها، فإنها تبقى مع ذلك البديل الحقيقي لحركات يمينية متطرفة كَكُو كلوكس كلان مثلاً وغيرها، لأنها أكثر راديكالية، وأكثر عنفاً، وأكثر إقصاء.
يقول أستاذ العلوم السياسية جورج هولي في كتابه "فهم اليمين البديل": "يجب ألا يستغرب الناس الآراء التي ظهرت على السطح ضد السود، وضد الأجانب، وضد المكسيكيين، وضد المسلمين، وضد اليهود، وضد المهاجرين، وضد المثليين، وضد الفقراء والمحتاجين".
ويُرجع الكاتب ظهور هذا التيار إلى انتخابات 2012، مقسماً الجمهوريين إلى معتدلين ويمينيين متطرفين، معتبراً أن ريتشارد سبنسر أحد قادة اليمين الجمهوري المتطرف.
ووفقاً لهذا الكتاب، فإن سبنسر يرفض تهمة "الاستعلاء الأبيض"، لأن ما يؤمن به ويدافع عنه هو "التفوق الأبيض" الحاصل في كل الميادين في نظره، وهو الذي يضمن تفوق الحضارة الغربية البيضاء ونظامها الديموقراطي وعلومها وتكنولوجيتها ودساتيرها وقوانينها... بكلمة مختصرة، تغذية المركزية الغربية والاعتقاد بأنها "أزلية".
وتقاوم الحركة ضد عدو يأتيها من خارج حدودها (المهاجر)، وضد العدو الأكثر خطورة في نظرها، والمُتمثِّل في الدولة الفيدرالية. ويقول ديفيد نيورت، الخبير الأميركي في اليمين الراديكالي في كتابه: "البديل الأميركي: صعود اليمين المتطرف في عهد ترامب" (2019): "كما أن فوز الرئيس ترامب في الانتخابات هزّ المنظومة الشعبية والسياسية الليبرالية في أميركا، فإنّ الظهور المفاجئ والقوي لدعوات تفوق الأمة البيضاء، ورهاب الغرباء، وقادة المليشيات العسكرية واليمين البديل، أربك الكثيرين في أميركا والعالم وحيرهم".
كان "وعد بلفور" في عز الحرب العالمية الأولى، وتأسيس الكيان الصهيوني بعد الحرب العالمية الثانية ببضع سنوات، استمراراً للفاشية الأوروبية. من هنا، فإن ميلاد "إسرائيل" مرتبط بالتدمير والعدمية والهدم، لأنها "الوارثة الشرعية" للنازية والفاشية، بحيث إن الجذور الإيديولوجية مشتركة بين الأخيرتين والصهيونية، فقيام "إسرائيل" على فكرة "شعب الله المختار" تكفي وحدها للبرهنة على البعد العنصري الذي يؤسس الدولة العرقية اليهودية، بمحاولة إبادة شعب آخر، واللجوء إلى كل وسائل العدوان الممكنة لتحقيق هذا، وهو أخطر بكثير مما استعمله هيتلر وموسيليني مجتمعين.
يقدم اليهودي ليني برينر في كتابه "الصهيونية في زمن الديكتاتورية. التاريخ الموثق لعلاقات الصهيونية والفاشية" (1983) الكثير من الوثائق التي تُبرهن على التعاون بين الصهيونية والموسيلينية في إيطاليا، ومساندة موسوليني للمشروع الصهيوني، مقابل تأييد القيادة الصهيونية له.
ويكتشف المرء في هذا الكتاب أن خمسة من مؤسسي حزب موسوليني كانوا من اليهود، وربما هم الذين سهّلوا ودبّروا اجتماع الصهاينة مع موسيليني يوم 20 كانون الأول/دسمبر 1922، للتعبير عن ولائهم ودعمهم له بصفة شخصية.
وتم لقاء آخر لموسيليني مع الصهاينة بشخص حاييم وايزمان، رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، في العام 1923، تلاه لقاء آخر في العام 1926، حيث عبر موسيليني عن مساندته الاقتصادية لآل صهيون، وتحسين صورتهم في الإعلام الإيطالي (الفاشي).
كما زار ناحوم سوكولوف، رئيس اللجنة التنفيذية الصهيونية، موسيليني، ليؤكد له أن اليهود يؤازرونه، ولن يخونوا عهده أبداً. للإشارة، فقد كان الصهيوني أخيمئير أيضاً فاشيّاً حتى النخاع الشوكي، ولم يكن يتستر على هذا الأمر، بل دافع عنه في عموده في مجلة "دوار هيوم"، التي كانت تصدر آنذاك بالعبرية في فلسطين. كان متيماً بالفاشية الإيطالية، وكان يدعو إلى إقامة نظير لها في فلسطين.
في الكتاب نفسه، نكتشف ما نصطلح عليه بـ"التحالف الإيديولوجي الاستراتيجي غير المباشر" بين الصهاينة والنازية، وكيف ضحت الصهيونية بملايين اليهود من أجل هذا التحالف. ففي العام 1935، كانت هناك تعاليم من الجيستابو، تأمر بألا يُعامل الناشطون في المنظمات الصهيونية التي تدعو إلى بناء وطن خاص باليهود في فلسطين بالحزم نفسه الذي تُعامل به المنظمات اليهودية التي كانت تُصر على انتماء اليهود الألمان إلى وطنهم ألمانيا. هناك إذاً استفادة مباشرة للصهاينة من النازية في احتلال فلسطين، بالتضحية بحق اليهود الألمان في وطنهم ألمانيا.
غالباً ما تحجب عنا الممارسات الأبرتهايدية الحالية للاحتلال الإسرائيلي سياسة الإبادة الجماعية التي أسست الدولة العبرية: مذابح دير ياسين والقسطل وغيرها الكثير.
ولم يقتصر الأمر على القتل العمد للإنسان الفلسطيني وإجلائه من أرضه، بل طال هدم مساكنه وقُراه وإحراقها، حيث دمرت قبل الإعلان عن قيام دول صهيون (1948) أكثر من 75 قرية في طبريا وعكا والناصرة وحيفا ويافا وأماكن أخرى، بل أصبح هذا الإجلاء وهذا الهدم سياسة ممنهجة إقصائية تجاوزت الأبرتهايد في جنوب أفريقيا آنذاك: مذبحة صبرا وشاتيلا ومذبحة قانا.
ولا تدخل هذه الممارسات في إطار توسيع الفضاء الجغرافي الصهيوني فقط، بل وأساساً في إطار سياستها الفاشية والتنقية العرقية، لعدم رغبة "إسرائيل" في الاختلاط بغير اليهود، وهو أمر تمارسه بكثافة، وأكثر من أي وقت مضى حالياً، بحماية الغرب برمته لها، وغض الطرف عن سياستها المتطرفة، وعدم التزامها بقرارات الأمم المتحدة.
بكلمة مختصرة، ليس هناك أي تعسف أو افتراء أو مبالغة في اعتبار "الدولة" الصهيونية دولة فاشية، لأن الكثير من الصهاينة أنفسهم انتبهوا إلى هذا الأمر، وخصوصاً المفكرين منه، ويحذرون منه باستمرار.
أين ترامب إذاً من الاثنين؟ إنه يوجد تماماً في الوسط، وهو العالم بأن "اليمين البديل" ما هو إلا نسخة للصهيونية الفاشية. العداوة الخاصة بهذا اليمين موجهة إلى اليهود في أميركا، وليس الصهيونية في فلسطين.
فكما فعل الفاشيون الأوروبيون بالأمس، يريد اليمين البديل في أميركا وحركات اليمين المتطرف في أوروبا أن يغادر اليهود بلدانهم إلى أي اتجاه آخر، بما في ذلك فلسطين، أو على الخصوص فلسطين؛ قربان مشكلة اليهود مع العالم الغربي.
يشد ترامب بيد على اليمين البديل، وعلى الصهاينة بيد أخرى، شاقاً طريقه الإقصائي لضمان إعادة انتخابه بأصوات هذا اليمين وأموال الصهاينة.
ومن نافل القول التأكيد إن السماح للطائرات الإماراتية باستعمال الأجواء السعودية حالياً في رحلاتها إلى "إسرائيل"، هي بمثابة إطلالة من السماء على الأجواء العربية، من أجل جذب أكبر عدد ممكن من الحكام العرب للارتماء في أحضان آل صهيون، الذين يغمسونهم في مرق فاشيتهم، ويعطونهم دروس دعم دائمة في إحكام قبضتهم بديكتاتورية هتلرية على شعوبهم وسحق إرادتهم.
وبهذا، يصل ترامب بأريحية إلى خزائن ممالك الطوائف العربية المعاصرة، وينهب ما أراد منها في وضح النهار وسط ابتسامات وتصفيقات الفاشيين العرب. وينتظر اليمين البديل ضمنياً أن يحقق ترامب النبوءة المُنتظرة في سحق كل شعوب الأرض، بمن فيهم "إسرائيل" - بعد المسلمين - لتنعم أميركا بالخير والسلام الموعود من طرف الرب.