الخطوة الإماراتيّة.. هل يستطيع بيدق حماية ملك؟
لا نظنّ أن يغيب عن تفكير صنّاع القرار المقاوم أن هذا التناقض الظاهر بين كلّ من السعوديّة وتركيّا، ليس إلا تناقضاً مؤقتاً.
بالتأكيد، لم يغب عن العقول المقاوِمة أنَّ دولة الإمارات العربيّة المتّحدة لن تقدم ذاتياً على أيّة خطوة مهمّة من دون أوامر أميركيّة وتنسيق خليجيّ، ولن يُسمح لها بأن تقدم على خطوة تحمل شيئاً من الإيجابيّة لركن مهم من أركان الأمّة العربيّة، إلا تمهيداً لما هو سلبي.
من هذا المنطلق، ورغم الترحيب، نظرت سوريا وحلفها المقاوم إلى الخطوة الإماراتيّة بالانفتاح على دمشق وإعادة فتح سفارتها فيها، على أنّها خطوة مريبة تحتاج إلى بعض الوقت لمعرفة أبعادها وأهدافها، ولم يطل الانتظار حتى كانت الصورة أوضح وأشمل، وهي تشي بأنّ الخطوة تجاه دمشق ما هي إلا خطوة إعلاميّة ليست ذات قيمة، وأنّ هدفها لم يكن سوى إظهار الإمارات كدولة تسعى إلى إعلاء الشأن العربيّ، وإغناء المصالح العربيّة، وأنّها مستقلة بقرارها وقادرة على التحرّك والتأثير في المحيط العربيّ والإقليميّ، وذلك تمهيداً لنقلات أهمّ وأكثر فاعليّة، يأتي في مقدمتها الاستعداد لخرق جدار الإعلان عن التطبيع، والتنسيق لمعظم الدول العربيّة مع الكيان الصهيوني، واستعدادها لتكون من أوائل الدول الخليجيّة القادرة على إخراج العلاقات مع هذا الكيان إلى الضوء، بعد سنوات من التكتّم والمراوغة.
أمّا لماذا تمّ اختيار الإمارات لتنفيذ هذا الخرق، فهناك سببان، بحسب اعتقادنا، أوّلهما هو المرونة التي تبديها السياسة الإماراتيّة، والتي تجعل سقف انتقادها منخفض المستوى، وبذلك تكون، إن نجحت، قد مهّدت الطريق أمام دول تعتمد سياسات خشبيّة، كما هو حال سياسة المملكة السعوديّة.
أما السبب الآخر، فهو أنّه، وفي حال لم تنجح هذه الخطوة، يبقى احتواء الفشل أكثر سهولةً من احتواء فشل دولة أكثر أهمية. ويبقى احتراق الورقة الإماراتيّة أقلّ ضرراً للولايات المتّحدة الأميركيّة وأدواتها من احتراق ورقة دولة كبيرة ومؤثرة، كما المملكة السعوديّة أيضاً.
ومن الملاحظ أنّ الأميركيّ قسّم الأدوات التي ستخوض هذه المعركة إلى 3 أفرقاء:
• الأول بدا مرحّباً ومتحمّساً، والموقف المصري واضح ولا لبس فيه.
• الثاني بدا ضبابياً، ولم تصدر عنه مواقف واضحة، متل السعوديّة وملحقاتها.
• أما الفريق الثالث، فقد أبدى رفضاً صارماً لتلك الخطوة، مثل تركيا وقطر، رغم أن الدولتين سبقتا الإمارات بعلاقاتهما مع الكيان الصهيوني بأشواط واسعة.
يبدو هنا أنّ من السّذاجة بمكان أن ننظر إلى إعلان التطبيع الإماراتيّ مع "إسرائيل" على أنه خطوة سياسيّة قد تتبعها خطوات تجاريّة وسياحيّة وما شاكل، لِتقف القصّة عند هذا الحدّ، لأن كلّ تلك النشاطات قائمة، ولو بنسب متفاوتة، ولكنَّ النشاط الغائب والمطلوب تفعيله بزخم عالي المستوى هو النشاط العسكريّ الذي يبرّر تواجد الطيران الإسرائيليّ على أطراف الأجواء الإيرانيّة، وذلك من خلال اتفاقيات عسكرية ستكون تتمّةً لبقية الاتفاقيات، بل ستكون تاج تلك الاتفاقيات.
ولا نظنّ أن يغيب عن تفكير صنّاع القرار المقاوم أن هذا التناقض الظاهر بين كلّ من السعوديّة وتركيّا، ليس إلا تناقضاً مؤقتاً - طبعاً لو نظرنا إليه بالنيات الحسنة - وقد يكون تناقضاً متفقاً عليه، ولن نتفاجأ لو رأينا توحّد كلّ من تركيّا والسعوديّة ومن معهما في محور واحد، يكون هدفه الأوّل هو إسقاط محور المقاومة، وحجَّتنا هي أنّه لا يمكن لعاقل أن يصدق عداء السعوديّة لـ"إسرائيل"، وهي التي خرجت من التلميح إلى التصريح عن رغبتها في تشكيل حلف عسكريّ معها، يكون هدفه الأوّل التصدي لإيران، التي يعتبرانها عدواً مشتركاً لهما، بحسب زعمها، ولا أن يصدّق العداء التركيّ لـ"إسرائيل"، في ظلّ تاريخ حافل بالتعاون والتنسيق، وفي المجالات كافة، بما فيها المجال العسكري، الذي ظهر إلى العلن بالاتفاقية الموقّعة بينهما في العام 1996.
بالتأكيد، لا نعتقد أن خدع الرئيس التركيّ رجب طيّب إردوغان وأكاذيبه تمرّ على الإيرانيين، والأمثلة التي تفضح علاقة إردوغان بـ"إسرائيل" كثيرة، والأمثلة التي تظهر خصومته لها بالعلن وتحالفه معها بالسرّ كثيرة أيضاً، فالذي يتخاصم مع "إسرائيل" لا يسعى إلى تدمير عدوّها الأول، كما فعل في سوريا، ولا ينسق مع الحكومة المحليّة في كردستان ويدعمها على حساب الدولة العراقيّة، رغم أنّ الحكومة الكردستانيّة لم تصنع إلا لخدمة "إسرائيل"، كما أنّه لا يحاول التسلّل إلى لبنان، ليكون خنجراً في ظهر المقاومة، وغيرها الكثير من الأمثلة.
وهنا، لا بدّ من ملاحظة يجب عدم إغفالها، وهي أنه ربّما كان للأزمتين الداخليّتين التي يمرّ بهما كلّ من دونالد ترامب في الولايات المتّحدة الأميركيّة، مما قد يبعده عن البيت الأبيض، وبنيامين نتنياهو في "إسرائيل"، مما قد ينقله من مقر رئاسة الحكومة إلى السجن، ربّما كان لكلٍّ من الأزمتين الفضل في طرح التطبيع الإماراتي الإسرائيلي قبل النضوج، وقبل استكمال مراحل التحضير، وهذا ما يجعل رافضي هذا التّطبيع أكثر قوّة، وأقرب إلى الفوز في معركة إفشاله أو إضعاف مفرزاته على الأقل.
ختاماً، إن هذه الخطوة الإماراتيّة لن يكون لها الكثير من التأثير، لأنّها كانت قائمةً، وإن لم تعلن. أمّا عن تحليق الطيران الإسرائيليّ في الأجواء الإماراتيّة، فهو هدف صعب المنال، ولن تستطيع دولة من زجاج أن تغامر بفتح أجوائها أمام عدو إيران الأهم.
وعن اختيار كلّ من ترامب ونتنياهو للإمارات كأداة في معركتيهما الداخليتين، فإننا لا نعتقد بأنَّ هذا الاختيار سيأتي بالنتيجة المرجوّة لهما، لأنَّ أدوات المعارك يجب أن تتناسب مع قوة هذه المعارك وحجمها، ولا نظنَّ أنَّ بيدقاً يستطيع حماية ملك.