هذا ما قاله لي مسؤول مهم عن الرئيس الأسد
أذكر قصَّة قالها لي مسؤول مهم جداً في سوريا، وعلى صلة مباشرة بالرئيس بشار الأسد.
بشفافيته المعهودة، أطل الرئيس السوري بشار الأسد بكلمة وجّهها إلى الشعب، بحضور مجلسه في قصر الشعب، ليعطي بذلك درساً في التباعد المكاني والجسدي بسبب وباء كورونا؛ الجائحة التي غابت عن البرامج الانتخابية لجميع أعضاء المجلس، فلم يذكر أي عضو منهم رؤيته لمواجهة تأثيراتها في سوريا.
وعندما دخلوا المجلس، يبدو أنهم نسوا أدوات الوقاية من الوباء في الخارج، فلم نرَ سوى من رحم ربي يرتدي الكمامة في أول اجتماع لهم، فكيف يريدون أن يكونوا ممثلين للشعب وهم لا يهتمّون بصحّته؟
الانتخابات التي أوصلتهم إلى مجلس الشعب كانت أولى النقاط التي تحدث عنها الرئيس الأسد، فكان على علم بكل ما يدور حولها، وبأدق التفاصيل أيضاً، وخصوصاً الحديث عن المرشحين وخلفياتهم السياسية والعلمية والمالية.
وعلى الرغم من أهمية هذا الاستحقاق الدستوري وإيجابية المنافسة فيه، فإنَّ السلبيات التي شابته لم تغب عن الصورة الكاملة لدى الرئيس الأسد، لأنّ السلبيات ستكون إيجابيات في المستقبل إن تم تعديلها، ولا يوجد استحقاق في العالم من دون سلبيات، ولكن من يقرأ بين السطور سيعي تماماً أن هذا المجلس لن يكون عمره طويلاً، وقد لا يكمل نصف دورته، وتتم بعدها الدعوة إلى انتخابات جديدة.
ما يدفعني إلى أن أكون واثقاً من هذا الطرح هو حديث الرئيس الأسد عن المال السياسي الذي تدخّل ليوصل البعض إلى المجلس، والسلبيات الأخرى التي لمّح إليها. هذه السلبيات مجتمعة ستكون عائقاً أمام المجلس ليقوم بالدور المنوط به، إضافةً إلى أنَّ هناك جزءاً مهماً من الشعب السوري لم يشارك في الانتخابات، سواء بسبب فيروس كورونا، أو بسبب عدم إيمانه بالمرشحين، أو لأنه يعيش في مناطق يسيطر عليها الإرهابيون من جهة أو الجماعات الانفصالية من جهة أخرى. وبحسب تصوري، عندما يتم حل ملفات إدلب وريف حلب والمنطقة الشرقية، فقد تتم الدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة.
تحدَّث الرئيس الأسد بوضوح دائم عن القضايا الداخلية، ولا سيما ملف مكافحة الفساد، مشبّهاً محاربة الفساد بمكافحة وباء كورونا، فلا يمكن لجسد منهك أن يقاوم المرض، وكذلك لا يمكن لوطن متعب من الفساد أن يقاوم الحرب المفروضة عليه.
والرئيس الأسد يريد الأفعال وليس الأقوال، فلم يقل إنّه سيعلّق المشانق ويضرب الفاسدين بيدٍ من حديد، لأنه يعلم أنَّ مثل هذه الأمور لا تؤدي إلى حدوث النتيجة المرجوة منها. ولأنَّ سوريا دولة مؤسَّسات، أكّد الرئيس إصلاح القانون الذي يدخل عبر ثقوبه الفاسدون، ثم يتمّ ردعهم، فكيف ستقوم بمحاسبتهم وهم دخلوا عبر ثغرات القانون؟ وبالتالي المحاسبة ضرورية، ولكن ليست في البداية، والدولة السورية جادة في مكافحة الفساد واسترداد أموال الدولة من الذين نهبوها، سواء بطرق قانونية أو ملتوية، فعندما قامت بإصلاح بعض القوانين، استطاعت أن تحاسب أشخاصاً كان اسمهم في الماضي فوق المحاسبة، لأنهم دخلوا من بين ثغرات القانون، ولكن الآن تغيَّر الوضع، مثل رامي مخلوف، الذي لم تشفع له قرابته من الرئيس لأن يكون فوق المساءلة.
بحسب ما قاله الرئيس الأسد، إنّ مواجهة الحصار المفروض على سوريا، وخصوصاً قانون قيصر، تكون بمحاربة الفساد من جهة، والإرهابيين من جهة أخرى، وهو شيء في قمَّة الدقة، فكيف ستواجه الحصار مع وجود الإرهابيين على أرضك، يأخذون خيراتها وأنت لا تستطيع الاستيراد أساساً، مثل المنطقة الشرقية، فعندما يحتلّ إرهابيو قسد المنطقة، ويبيعون نفطها للأميركيين، وأنت لا تستطيع أن تستورد النفط، فكيف ستواجه الحصار؟
الأمر نفسه ينطبق على الفاسدين الذين يهرّبون القطع الأجنبية إلى الخارج، ويدمّرون اقتصاد الوطن، فكيف تواجه الحصار في ظلّ وجودهم؟ وقانون قيصر هو حلقة مستمرة من حلقات الحصار على سوريا. لذلك، ستكون مواجهته بالطريقة نفسها التي اتبعت لمواجهة ما قبله، فلماذا الذعر الداخلي منه؟ لقد رأينا أنّ الذعر والتخوف من القانون حتى قبل أن يبدأ، أدى إلى ارتفاع سعر صرف الدولار، ولكن ما إن تم تطبيقه، وأيقن الشارع أنه مثله مثل غيره من قوانين الحصار على سوريا، استقر الوضع الاقتصادي في البلاد.
وفي النهاية، بحسب الرئيس الأسد، لا فرق لدى الدولة بين إرهابيٍّ محلي أو مستورد، أو جندي صهيوني أو تركي أو أميركي، فكلهم أعداء على أرض سوريا. الرئيس الأسد كان واضحاً أيضاً بخصوص المبادرات السياسية للحل في سوريا، مؤكداً أنَّ دمشق معها، لكنه وضع شرطاً رئيسياً كي تنجح، وهو ألّا يكون الطرف الآخر محكوماً لأجندات خارجية، وطمأن الجميع إلى أن ما لم يحقّقه العدو بالحرب لن يحققه بالسياسة.
من يتابع خطاب الرئيس إلى النهاية، سيرى أنه خطاب طبيب، لأنه متناسق مترابط مثل خريطة الجسد، وكل فقرة فيه تتبع الأخرى بشريان دقيق، وكل فقرة موضوعة في مكانها من دون إطالة أو تقصير. وهبوط ضغط الرئيس دقيقة واحدة كان كفيلاً بأن يرفع ضغط ملايين السوريين والعرب خوفاً عليه، وهو ما يجعلنا نتأكَّد مرة أخرى من أنَّ هذا الرجل بمقامه العالي هو الذي يجمع الشعب السوري، لأنه أصبح رمزاً وجزءاً من كل سوري حرّ.
وفي هذه المناسبة، أذكر قصَّة قالها لي مسؤول مهم جداً في سوريا، وعلى صلة مباشرة بالسيد الرئيس. في إحدى المرات، تحدَّثنا سوياً عن مواضيع سياسية سورية. وقتها، قال لي إن الرئيس لم ينم منذ يومين، ولم يتناول الطعام أيضاً منذ المدة نفسها. عندها، قلت له: هل يحدث ذلك مع السيد الرئيس لأول مرة؟ ليكون جوابه أنه، وبصفة دورية، ينسى أن يتناول الطعام أو ينام، لأنه يتابع ملفات المحافظات السورية، كل واحدة على حدة، وكلّ ملف يكون مليئاً بالتفاصيل الدقيقة جداً، إضافة إلى أنه يتابع الملفات الدولية التي تخصّ سوريا بطريقة مباشرة.