تصفية القضية الفلسطينية وقانون قيصر
الاستهداف الاقتصادي لسوريا ازداد بشكلٍ كبير ٍمنذ فكَّر الكيان الصهيوني بموضوع ضمّ الضفة الغربية أواخر عام 2019، وبدأت بالتزامُن معها محاولة استهداف الاقتصاد السوري.
لعبت سوريا عبر تاريخها ومنذ الاحتلال الصهيوني لفلسطين دوراً كبيراً ومحورياً في القضية الفلسطينية من خلال وقوفها قيادة وشعباً مع الشعب الفلسطيني وإعطائها امتيازات كبيرة للفلسطينيين المُقيمين في سوريا ومُساواتها بين الفلسطيني والسوري في الحقوق والواجبات.
ونتيجة لهذا دفعت أثماناً كبيرة بسبب موقفها من فلسطين في الماضي والحاضر، وقد احتضنت سوريا كافة الفصائل الفلسطينية المقاوِمة حتى المُختلفة معها فكرياً وإيدلوجياً كحماس، وقدّمت لها كافة أنواع الدعم والحماية ولم تساوم عليها رغم كل الضغوط الإقليمية والدولية التي تعرّضت لها.
هنا سأذكر واحدة من هذه الضغوط من خلال برقية سرّية بعث بها السفير الأميركي الأسبق لدى مصر فرانسيس ريتشاردوني وسرَّبها موقع ويكليكس وكشف فيها أن حسني مبارك هدَّد الرئيس بشّار الأسد بالعزلة الدولية وأن الطائرات الإسرائيلية ستقوم بضرب دمشق إن استمر باستضافة خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس سابقاً، ولكن الرئيس الأسد لم يعط لهذا التهديد أيّ اهتمام واستمرّ على موقفه بدعم حماس وكافة الفصائل الفلسطينية.
وبسبب دعم سوريا للقضية الفلسطينية وعدم المُساوَمة عليها تمّ استهدافها من خلال مؤامرة ما يُسمَّى بالربيع العربي، فعملت أميركا والكيان الصهيوني على تدمير سوريا بمُساعدة بعض الأنظمة الخليجية وتركيا، وما يُثبت كلامنا تصريح برهان غليون أول رئيس لما كان يُسمَّى مجلس إسطنبول في نهاية 2011 بأنهم عندما يسقط النظام ويستلمون الحُكم سيقومون بقطع العلاقات مع إيران وحزب الله، وسيقلّصون عدد الجيش السوري إلى خمسين ألف وأيضاً قيام الكثير ممن يُطلَق عليهم إسم المعارضين السوريين ككمال اللبواني وغيره بزياراتٍ مُتكرّرةٍ للكيان الصهيوني وطلباتهم المُتكرِّرة من الكيان الصهيوني ضرب سوريا.
وبعد صمود سوريا وشعبها وجيشها وقيادتها وانتصارها العسكري بمُساندة حلفائها على الإرهابيين ومُشغّليهم واستعادة الجيش العربي السوري السيطرة على أكثر من تسعين بالمائة من الأرض السورية، تمّ الانتقال إلى الخطة الصهيونية الأميركية البديلة وهي خطة تجويع الشعب السوري من خلال تدمير اقتصاده واستهدافه بلقمة عيشه، وآخرها كان قانون قيصر والذي بدأ تفعيل تطبيقه قبل فترة.
كل هذا جرى في ظلّ حال الإنتشاء والتكبّر والغطرسة التي يعيشها الكيان الصهيوني، وفي ظلّ رئاسة دونالد ترامب والفريق المُتشدِّد الذي يُحيط به.
لقد قدّم ترامب للكيان الصهيوني ما لم يُقدِّمه أيّ رئيسٍ أميركي سابقٍ من نقل عاصمة الكيان إلى مدينة القدس مروراً بالاعتراف بالسيادة الصهيونية على الجولان العربي السوري المُحتل، وصولاً إلى مشروع ما يُسمَّى بصفقة القرن التي يحاول تنفيذها ترامب وصهره وفريقه بمُساندةٍ وللأسف من بعض الأنظمة العربية، وذلك بهدف تصفية القضية الفلسطينية، هذا بالإضافة إلى العلاقات المباشرة والعَلَنية بين الكيان الصهيوني وبعض الأنظمة الخليجية.
وفي وسط كل هذا الجو والوضع المؤسِف أعلن الكيان الصهيوني قبل فترة وعلى لسان نتنياهو أنه سيقوم بضمّ الضفة الغربية وغور الأردن. في الواقع إن الكثير من أصحاب القرار والمسؤولين الصهاينة يخافون من انفجار انتفاضة جديدة في حال الضمّ، ويخافون أن تكون انتفاضة مُسلّحة تهزّ الكيان الصهيوني وتهدّد وجوده، وإذا ما تفجّرت هذه الانتفاضة فحُكماً سوريا باعتبارها من طليعة الدول المقاوِمة والمُناصِرة للقضية الفلسطينية ستقوم بدعم هذه الانتفاضة بالمال والسلاح وكل شي ممكن ومُتاح، وخاصة أن سوريا بدأت باستعادة عافيتها من خلال انتصارها العسكري على الإرهابيين أدوات الكيان الصهيوني، فكان الحل لهذه المشكلة من قِبَل الكيان الصهيوني هو إرهاق سوريا بالعقوبات الاقتصادية.
هذا الاستهداف الاقتصادي المُستعر ازداد وبشكلٍ كبير ٍمنذ فكَّر الكيان الصهيوني بموضوع ضمّ الضفة الغربية أواخر عام 2019، وبدأت بالتزامُن معها محاولة استهداف الاقتصاد السوري والليرة السورية، حيث إننا نلاحظ أن الليرة السورية منذ أواخر 2019 فقدت الكثير من قيمتها بفعل هذه العقوبات وصولاً إلى بدء تفعيل قانون قيصر، فأميركا ومن ورائها الكيان الصهيوني يريدان تجويع الشعب السوري حتى يثور على حكومته وعلى رئيسه، وبالتالي بهذه الطريقة يكونون قد حصلوا على ما أرادوا، فهم يريدون أن تنشغل القيادة السورية بالمشاكل الاقتصادية الحياتية ولا تهتمّ بالمسائل الخارجية المصيرية كالقضية الفلسطينية، ويُراد أيضاً للشعب السوري أن ينشغل بمشاكله الحياتية ويجوع، وبالتالي يتظاهر وتشيع الفوضى، فالكيان الصهيوني يريد أن ينسى السوريون المقاومة والقضية الفلسطينية وأن يتظاهروا ضدّ حكومتهم وضدّ رئيسهم بسبب الجوع الذي فرضوه هم على الشعب السوري بسبب العقوبات الجائِرة لا أن يتظاهروا بمسيراتٍ مؤيّدةٍ لفلسطين لدعم قضيتها.
هذا ما أوضحه وأكَّد عليه جيمس جيفري قبل فترة عندما قالها وبكل صراحةٍ وافتخر بأن بلاده هي مَن تسبَّبت بتدهور الاقتصاد السوري وتراجع قيمة الليرة السورية، وقدَّم عرضاً للرئيس بشّار الأسد يشبه العرض الذي قدَّمه كولن باول في عام 2003، ولكن عرض كولن باول كان مُترافِقاً مع تهديدٍ باجتياحٍ عسكري، أما عرض جيمس جيفري فإنه عرض مُترافِق مع تهديد بسلاح تجويع الشعب السوري وكل من العرضين من كولن باول وجيمس جيفري كانا الطلب من سوريا التخلّي عن المقاومة وحزب الله وإيران والقضية الفلسطينية وتنتهي كل المشاكل والعقوبات على سوريا.
وفي النهاية نتساءل عن الحل، فالحل في رأيي أولاً نتمسّك بالثوابت التي تربّينا عليها كتمسّكنا بالمقاومة والقضية الفلسطينية كقضيّتنا المبدئية، وندعم الشعب الفلسطيني إذا ما جرت عملية الضمّ واندلعت انتفاضة جديدة، وأيضاً يتحتّم علينا أن نبحث عن حلولٍ اقتصاديةٍ نواجه بها العقوبات وقانون قيصر المُطبّق علينا، وأن نعتمد على أنفسنا من خلال دعم الزراعة والصناعة لتحقيق حال الاكتفاء الذاتي، وأن تكون لدينا خطّة اقتصادية مدروسة وتبقى أهم نقطة وهي مُحاربة الفساد والفاسدين، فهؤلاء لا يقلّون خطراً عن العدو لا بل ربما يكونون أشدّ خطراً منه لأن العدو معروف أما الفاسِد فيختبئ بيننا ويُخرِّب من الداخل، وبهذه الحال سنحوِّل المحنة إلى منحةٍ وسنعود أقوى بكثيرٍ من الماضي وستكون سوريا درَّة الشرق لأن سوريا خُلِقَت عظيمة ولن تكون إلا عظيمة.