مقابل الحصار والضغوط.. سوريا لديها أيضاً خيارات
يحاول الطَّرف الآخر الإيحاء بشكلٍ دائم، بأنَّ سوريا ليس لديها سوى خياراتٍ معدودة، فإمَّا القبول بما يُطلَبُ منها، وإمّا ستواجه خيار الفوضى.
تشتدُّ في المرحلة الحالية من الحرب السورية أنماطٌ مختلفة من الضغوط، سواء الاقتصادية (قانون قيصر، عقوبات الاتحاد الأوروبي...) أو السياسية (اللجنة الدستورية والصلاحيات الرئاسية)، كما هو معلوم، ولكن اللافت في الموضوع أن الطَّرف الآخر يحاول الإيحاء بشكلٍ دائم، عبر اتباع أساليب مختلفة من الحرب النفسية الموجَّهة بشكلٍ أساسي نحو الشعب والقيادة السوريتين، بأنَّ سوريا ليس لديها سوى خياراتٍ معدودة، فإمَّا القبول بما يُطلَبُ منها، وإمّا ستواجه خيار الفوضى، ولاحقاً التّدمير الذاتيّ، وتلك المطالب تتمحور عموماً حول النّقطتين الآتيتين:
- فتح المفاوضات مع "إسرائيل" لأجل قضية الجولان و"صفقة القرن".
- أن تتخلَّى سوريا عن مصالحها الوطنية، وتقوم بتغيير تحالفاتها الاستراتيجية التي كانت، وما زالت، إحدى الركائز المهمة في الحرب على الإرهاب الّذي يهدد حاضر الشعب السوري ومستقبله خصوصاً، وكل شعوب المنطقة عموماً. تلك المطالب مرفقة بنمط من التقنيات النفسية والأساليب الإعلامية المتعددة الأوجه التي كانت، ولا زالت، من الأسس المهمة في هذه الحرب، ولكن في الحقيقة يمكن القول إنّ الدولة والشعب السوريين لديهما العديد من الخيارات للتعامل مع هذه المرحلة، ولاحقاً الخروج منها بأقلّ الخسائر الممكنة:
- بما أنَّ جزءاً مهماً من الوضع الحالي المتعلّق بالأزمة السورية مرتبط بتقنيات الحرب النفسية والإعلامية، كما ذُكِر سابقاً، فيمكن العمل على بناء الدّرع النفسية المضادة حول الكتلة الشعبية الموالية للدولة السورية خصوصاً، عبر الاعتماد بالدّرجة الأولى على مفاهيم الشّفافية والوضوح وبناء الثقة والأمل الواقعي، والإيمان بأنّ الشّعب السوري سيكون بإمكانه تجاوز هذه المرحلة في ما لو تمت الإدارة بشكلٍ صحيح ومتوازن.
- أيضاً يدخل في إطار مفهوم الدّرع النفسية والثقة بالنفس، تفعيل مبدأ الاعتماد على الذات والإيمان بالقدرات الوطنية. صحيح أنّ البنية التحتية لتفعيل القدرات السورية قد تضرّرت بشكلٍ كبير، ولا تزال، بفعل الحرب المستمرة، ولكن يمكن القول إن الشعب السوري لن يكون عاجزاً عن الابتكار حتى في أحلك الظروف، في ما لو تمَّ توفير الظروف المناسبة له لذلك.
- تدخل أيضاً في إطار الموضوع السابق قضية "السلام" مع "إسرائيل"، فمن الواضح أنَّ هناك ضغوطاً كبيرة تتعرَّض لها دمشق لفتح المفاوضات مع تل أبيب. والدافع الأميركي- الإسرائيلي المباشر يعود إلى عاملين:
· تعتقد كلّ من واشنطن وتل أبيب أنَّ الدولة السورية حالياً في موقع الضعف، وبالتالي إن إجراء أية مفاوضات معها في هذه الظروف سيؤدي إلى تقديم التنازلات التي لن تقتصر بالطَّبع على قضية الجولان، فالمطّلع على أسلوب المفاوضات الأميركية مع كثير من حكومات العالم ودوله، يدرك أنَّ من النادر أن تفاوض واشنطن أيّ دولة من الدول على قضيّة واحدة، كما أن النتائج السلبية لتلك المفاوضات غالباً ما تشعر بها الشعوب بعد عدة سنوات، وليس بشكلٍ مباشر، والأمثلة على ذلك عديدة: السودان، مصر، يوغوسلافيا السابقة، العراق، وليبيا حالياً.
· السَّبب الآخر، وهو الأهمّ، أنَّ واشنطن وتل أبيب تستشرفان أخطاراً مستقبلية تتعلّق بسوريا ما بعد الأزمة، بمعنى أنَّهما تستشعران أنَّ دمشق ستتمكَّن من الخروج من الأزمة الحاليّة، وقد راكمت الكثير من عناصر القوة التي ستجعلها أقوى من السَّابق، لكونها ستتدارك نقاط الضَّعف الموجودة سابقاً، وإلّا لو كانت الولايات المتحدة و"إسرائيل" لديهما اليقين بأنَّ سوريا لن تخرج من هذه الأزمة، وأنها ستبقى في حالة الفوضى، أو أنها ستخرج ضعيفة مع عدم القدرة على بناء نفسها من جديد، لوجدنا أنَّ واشنطن وتل أبيب غير مهتمتين إطلاقاً بالتفاوض في الوقت الحالي معها، ولكان وضعها أشبه ببعض الدول المنسيّة في القارة الأفريقية على سبيل المثال، التي تعيش في حالة من الصراعات اللامنتهية، للأسف، بفعل السياسات الغربية فيها.
- أحد الخيارات السّورية أيضاً المتعلّقة بنمط العلاقة بين الحلفاء، هو العمل على تحويل التعاون السوري - الروسي - الإيراني في سوريا إلى شراكة استراتيجية بعيدة المدى، تعمل على تحقيق الاستقرار في سوريا والمنطقة. وهنا يمكن للجاليات السوريّة، سواء في روسيا أو إيران، وخصوصاً فئة طلاب الجامعات، أن يكون لها دور في تقريب وجهات النظر، وبناء رأي عام يتفهَّم المصلحة الاستراتيجية في بناء هذا التحالف واستمراريّته وتطويره، حتى بالنسبة إلى الفئات وبعض النخب السياسية التي تتَّخذ مواقف سلبية من هذا التحالف، أو كما يُقَال عنها غربية الهوى.
أخيراً، لا شكَّ في أنَّ المرحلة الحالية التي تمرّ بها سوريا شديدة الخصوصيّة، وخصوصاً من الناحية الاقتصادية، ولكن ربما سيكون من الخطأ الاعتقاد بأنَّ الخروج من هذه المحنة يكمن في تنفيذ مطالب واشنطن وتل أبيب، فهناك طرقٌ وخياراتٌ أخرى، مع الأخذ بعين الاعتبار أنَّ الواقع الاقتصادي حتى في الدول الحليفة للولايات المتحدة، كالرياض وأنقرة، يتراجع بشكل مريب، وليس من الحكمة في الوقت الَّذي تخرج بعض الدول من التّبعية المطلقة لواشنطن، بسبب الأوضاع المستجدّة في العالم وحالة الضّعف في الولايات المتّحدة، أن تعمد سوريا إلى تنفيذ الطلبات الأميركية، بمعنى أن تسير في حركةٍ معاكسة لمجرى التاريخ وتطوّر الأحداث.