من الصبغة "الدينية" إلى "القانونية".. نغمة بيع أراضي فلسطين
إنّ إجمالي ما كان اليهود يمتلكونه من أرض فلسطين لا يتجاوز 6% من مساحتها، بما يشمل ما اشتروه من بعض المُغتربين الفلسطينيين، وبشهادة الأمم المتحدة.
ما يُروّج له بعض الإعلاميين والكتّاب والمُمثّلين، كما حدث في برنامج "مخرج 7" ومسلسل "أمّ هارون" ليس بجديد، لكنه محاولات صهيونية مستمرة بالرواية نفسها والأسطوانة المشروخة نفسها التي يُثيرها العدو منذ احتلاله أرض فلسطين، فتارة يُثير رواية بيع الفلسطينيين لأرضهم، وتارة أخرى يقول إن اليهود الموجودين على الأرض الفلسطينية من بني إسرائيل.
يعلم الجميع أن الاحتلال الصهيوني، وعبر ماكينته الإعلامية، يسعى دوماً إلى التغلغُل وسط شعوب عديدة، ومن بينها الشعوب العربية، لترويج أحقيته بأرض فلسطين، من خلال أساليب عدّة، منها أنهم من بني إسرائيل، في محاولة منه لإضفاء صبغة دينية على احتلال أرض فلسطين، ومنها أن الفلسطينيين باعوا أرضهم، في محاولة منه لإضفاء صبغة قانونية على الاحتلال.
وعلى مدار التاريخ، لم يُكتَب لتلك المحاولات أيّ نجاح حقيقي على مستوى الشعوب العربية، وكذلك على مستوى الشعوب الحرّة، لكنها تنجح وسط أولئك الذين ارتبطت مصالحهم ومصالح أنظمتهم بوجود هذا الاحتلال، فيسعون عبر هالة إعلامية ضخمة إلى الإيحاء بأن هناك حضوراً لروايتهم، لكن بعد فترة قصيرة، سُرعان ما تعود الأمور إلى طبيعتها، ليبدأ الصهيوني بتجهيز هالة إعلامية أخرى.
وللنظر عن قرب، وببساطة، إلى تلك المحاولتين يمكن القول:
أولاً: عن محاولة الاحتلال إضفاء الصبغة الدينية
اليهود في فلسطين ليسوا من بني إسرائيل. بنو إسرائيل انقرضوا منذ زمن طويل، ولا يجوز تسمية اليهود المحتلين لأرض فلسطين بـ"بني إسرائيل"، لأن هؤلاء الغاصبين يسعون إلى ذلك لتثبيت روايتهم بأن أرض فلسطين لهم.
لو فرضنا أن إسرائيل هو سيّدنا يعقوب (عليه السلام)، هل هؤلاء اليهود المتواجدون على أرضنا هم أبناء يعقوب؟ بالتأكيد لا. هؤلاء تهوّدوا بالأمس القريب، فالدين ليس قومية. هؤلاء اليهود قومياتهم مختلفة ومُتعدّدة. إنهم محتلّون مُغْتَصِبون جاؤوا من 70 قومية مختلفة أو أكثر. وعندما يُقال عن اليهود المحتلين إنهم بنو إسرائيل، فكأنه يُراد من ذلك أن يُقال إن هذه الأرض لهم، وإنهم عادوا إليها.
اليهودي الأشكنازي والأوروبي والكندي والأميركي والروسي الذي جاء مُغتصباً أرضنا، ما هي علاقته ببني إسرائيل؟! هؤلاء تهوّدوا قريباً، والتاريخ القريب شاهِد على ذلك. لقد تهوّدوا في الجزيرة العربية وحمير واليمن. وفي إيطاليا، هناك قرى كاملة تهوَّدت، إضافة إلى تهوُّدهم في بلدان عديدة، هل كلّ هؤلاء من بني إسرائيل؟ بالطبع لا.
لا يوجد نقاء عرقي في الدّين. كذلك، من المهم تنقية لغة الحديث، وخصوصاً عندما يتعلّق الأمر بمستقبل فلسطين. وبالإمكان القول إنهم "يهود غاصبون". لا مشكلة في ذلك، لكن أن يُقال إنهم من بني إسرائيل، فهذه مشكلة!
هؤلاء ليسوا بني إسرائيل. هل يمكن أن يمتلك اليهود الذين يحتلّون أرضنا العرق نفسه، والطائفة نفسها، والجينات نفسها التي امتلكها بنو إسرائيل؟ بالتأكيد لا! هل اليهود الغاصبون لفلسطين هم من سلالة سيّدنا يعقوب (عليه السلام)؟ هل هذا الكلام معقول! هؤلاء هم غُزاة مستعمرون.
بنو إسرائيل عددهم يتراوح بين 200 و300 شخص. وعندما يأتون إلى فلسطين، فأهلاً وسهلاً بهم، لكنّ هؤلاء الغاصبين ليسوا بني إسرائيل.
ثانياً: عن محاولة الاحتلال إضفاء الصبغة القانونية
من بين تلك الأساليب وأقذرها، والتي عَمَد الاحتلال الصهيوني إلى ترويجها بين الشعوب، أن الفلسطينيين باعوا أرضهم للاحتلال. هذا الأسلوب تحديداً يهدف إلى الحد من التعاطف الدولي عموماً، والعربي والإسلامي خصوصاً، تجاه القضية الفلسطينية، ويحاول إضفاء صبغة قانونية على احتلال أرض فلسطين.
لا ينكر أحد أن بعض العائلات من المُغتربين (وهم فئة قليلة جداً ومعروفة)، ممن كانوا يمتلكون أراضي في فلسطين المحتلة قبل العام 1948، باعوا أرضهم بالفعل، وهاجروا خارج فلسطين، وهم فئة لا تمثل الشعب الفلسطيني بالعموم.
ورغم ذلك، إنّ إجمالي ما كان اليهود يمتلكونه من الأرض (وهذا يشمل ما اشتروه من هؤلاء المُغتربين)، وبشهادة الأمم المتحدة، لا يتجاوز 6% من مساحة فلسطين، لكن ما أراده الاحتلال الصهيوني من هذه الدعاية، هو صرف النظر عن المجازر الصهيونية التي كانت عصاباته تقترفها لطرد الفلسطينيين من أرضهم بقوّة السلاح، وتحت وابل من القتل الجماعي، وهدم أكثر من 500 قرية فلسطينية. هكذا تمّ احتلال الأرض الفلسطينية، وليس كما تروّجه ماكينات الاحتلال الإعلامية وأبواقها القذرة.
لقد تمّت كتابة الكثير من المقالات والكتب التي تتحدَّث عن الأمر ذاته، وكل مصادرها، إمّا صهيونية وإما مُغلّفة بمراكز بحثية مُطبِّعة مع الاحتلال، بل ومموَّلة منه. لذلك، أيها الحر الطليعي، لا تصدِّق، ولا يغرَّنك كل هذا التهويل والتضخيم الموجود فيها!
أيها الحر، في الوقت الذي كان أجداد الفلسطينيين يواجهون المحتل بالسلاح البسيط، ويدافعون عن ثرى الوطن بكل ما أوتوا من قوّة وإصرار، كان أجداد الكثيرين ممَّن يرقصون على نغمة "بيع الأراضي" يصطفّون وهم سُكارى أمام الخمّارات.
أيها الحر، الشعب الفلسطيني شعب أصيل مُتمسّك بأرضه من الجدّ إلى الحفيد، وهذا ليس شعاراً، بل هو واقع تثبته تضحيات نسائه قبل رجاله، وهنّ يحملن سكين المطبخ ليهاجمن مَن يحتلّ الوطن، ويحملن حزاماً ناسفاً ليفجّرن أنفسهنّ بالمحتل، رافِضات عار الاحتلال! ونماذج الشرف والبطولة لشعبنا تكفي وحدها لتكون شاهِداً على جُبن مَن يُروِّج لتلك الدعايات القَذِرَة.