يحيى حسن.. شاعر فلسطيني لم يعش طويلاً
توّفي نهاية شهر نيسان/أبريل الماضي بطريقة غامضة، ولفهم قصته جيداً، نحتاج إلى فهم وضع المسلمين في الدنمارك، وفي الغرب عموماً، إذ إن يحيى كان ضحية لكل شيء.
في العام 2014، قرأت مقابلة للشاعر الشاب الفلسطيني الدنماركي يحيى حسن (18 عاماً)، تحدث فيها عن تجربته ومعاناته. من كلامه أذكر هذه الجملة: "في البيت، لم أتكلم اللغة الدنماركية، وفي المدرسة لم أتعلم العربية".
في ذلك الوقت، بيع ديوانه الشعري الأول بعنوان "يحيى حسن" بشكل هستيري. بيعت 120 ألف نسخة منه، وهو أعلى رقم للمبيعات في الدنمارك، ثم رشح لنيل أرفع جائزة أدبية في دول الشمال. واللافت أنه يكتب شعره بأحرف كبيرة.
بعد أن تعرّفت إلى سيرته، طالبت يومها عائلته والمهتمين الفلسطينيين بالدنمارك وإسكندنافيا بمتابعته والالتفات إليه وإلى ظاهرته الأدبية الواعدة.
ولد حسن وترعرع في بيئة الغيتو التي أنشأها المهاجرون بأنفسهم، إذ يفضلون التجمع في كانتونات خاصة بهم. ففي كل مدينة دانماركية كبيرة أو متوسطة، يوجد غيتو يضم العرب والمسلمين. هناك عاش يحيى مع إخوته، وتعرضوا للضرب المبرح على يد والدهم، ما أدى إلى تمرده، ثم ترحيله إلى مؤسسة خاصة بالعناية بالأطفال الذين يتعرضون للضرب من قبل أهاليهم.
في المؤسسات المذكورة، عادة ما تكون الحياة صعبة. تجيز القوانين الإسكندنافية لمؤسسة حكومية خاصة أخذ أي طفل يتعرض للضرب 3 مرات من قبل والديه وتقديمه لعائلة أخرى. بعد ذلك، لا يحقّ لعائلته السابقة أن تراه مدى الحياة. هذا القانون وحده تسبب بمشاكل لعائلات مهاجرة كثيرة ليست مسلمة وعربية فقط، بل حتى عائلات أوروبية شرقية وآسوية وأفريقية وغيرها. يمكنني القول إنه قانون لا إنساني، رغم أنه وجد لمعالجة مشاكل الإنسان.
في ما بعد، انخرط شاعرنا في العالم السفلي. هو نفسه اعترف بارتكاب 42 جريمة منوعة، من مخدرات وسرقات... عاش على هاشم حياة صراع بين عادات العائلة المسلمة المهاجرة والثقافة الجديدة للأطفال والمواليد الجدد في بلاد اللجوء والهجرة القسرية. انخرط في خلافات عاصفة مع الأهل والتقاليد التي لا يمكن المحافظة عليها كاملة في بلد مثل الدنمارك.
انعدام وجود حلول وسط بين الأطفال والأهل، ثم ثقافة الغرب التي تستوعب المهاجرين لتنال من الأطفال، غير عابئة بالموروث الثقافي والديني للعائلات اللاجئة والمهاجرة.
نحن الذين نعيش في الغرب، نعرف صعوباتها ومآسيها، ونعلم أن يحيى موجود في كل مكان فيه عائلات مسلمة، لاجئة أو مهاجرة في الغرب عموماً.
سيرته ملهمة لكي تكون عبرة للآخرين، ولكي تتم دراستها ومراجعتها من قبل المعنيين. هي الآن برسم الحكومة الدنماركية ومؤسسات التعدد الثقافي، والجمعيات العربية والإسلامية، ودائرة المهاجرين واللاجئين.
من دون عمل مشترك وحد أدنى من التفاهم والتسامح وقبول ثقافة الآخر، لا يمكن صناعة تعدد ثقافي يغني العالم.
عندما انتقد يحيى بعض العادات الإسلامية في الدنمارك، وقفت الدنمارك كلّها إلى جانبه، وخصوصاً اليمين الدنماركي المعادي للمسلمين، لكنهم وقفوا ضده وتخلوا عنه عندما أخذ ينتقد بعض سلبيات المجتمع الدنماركي.
شارك مع آخرين في تأسيس حزب جديد، وترشّح إلى الانتخابات، لكنه فشل في الوصول إلى البرلمان الذي تسيطر عليه هذه الأيام الأحزاب اليمينية، ومنها العنصرية، حيث العداء للمسلمين واضح وعلني، كان آخره عاصفة عنصرية مفتعلة ضد نائب مسلم يدعى مالك إسكندر صدّيق، افتتح كلمته بالتهاني بحلول شهر رمضان المبارك.
اعتبرت كلماته من قبل العنصريين إهانة للمجتمع الدنماركي، بحجة أن تلك التحية غير مقبولة في مجتمع مسيحي مثل المجتمع الدنماركي. هذا المجتمع المسيحي المزعوم موجود في بلد يعتبر بلداً علمانياً.
في آخر مقاطعه المصورة المنشورة، ظهر يحيى مؤكداً أنه لم يتخلّ عن الإسلام، وإن كان يُفكّر بطريقة مختلفة: "ولدت مسلماً، وأريد أن أموت مسلماً، لكن الإنسان يمكن ألا يفكّر مثل معظم الناس". ويبدو أنه رد منه على محاولة اليمين المتطرف في الدنمارك استخدام شعره ضد المسلمين واللاجئين.
في العام 2014 وبعده، أكد أنه ليس ضد دين أبويه. وأوضح دائماً أنه فلسطيني التاريخ والثقافة، على الرغم من أنه ولد في الدنمارك. وأضاف: "لا أستطيع أن أتحول إلى دنماركي، ولكن لا أحمل أي رفض للدنمارك، فتاريخي ليس التاريخ الأوروبي".
لم يخفِ إعجابه بالعادات الغربية ورفضه بعض العادات العربية، وفزعه وانزعاجه من النظرة العامة إلى صورة العالم الإسلامي، ومن "النفاق" في ما يخص القضية الفلسطينية.
لفهم قصته جيداً، نحتاج إلى فهم وضع المسلمين في الدنمارك، وفي الغرب عموماً، إذ إن يحيى كان ضحية لكل شيء، وقبل كل شيء لسلوك الوالدين وللتشريعات القانونية الدنماركية، التي لا تراعي خصوصية اللاجئين وديانتهم، وخصوصاً المسلمين منهم.
العديد من الأطفال والشباب من أصل أجنبي ليس لديهم هُوية. لا يعرفون من هم، ولا يعاملهم الدنماركيون على أنهم دنماركيون، ولا يرى آباؤهم فيهم ما يريدون ويودّون رؤيته في أبنائهم.
هذه المشكلة معقّدة للغاية، والجميع مذنب وبريء، فيما الأطفال هم الضحايا؛ ضحايا اللجوء والخريطة والتعدد الثقافي المفقود.