معركة سراقب وتجدد الهواجس الإسرائيلية.. هل تخرج إيران من سوريا؟
راقب المسؤولون الإسرائيليون العملية العسكرية في هذه المنطقة بدقة، نظراً إلى اختلافها عن باقي معارك محور المقاومة في سوريا.
قبل شهرين، في صباح يوم الثلاثاء 3 آذار/مارس 2020، ضجّ الإعلام الإسرائيلي بخبر تحرير حزب الله وقوات سورية عاملة مع حرس الثورة الإسلامية الإيراني، مدينة سراقب الواقعة شرق مدينة إدلب شمال سوريا.
أعاد تحريرُ سراقب الإسرائيليَ إلى هاجس اجتياح الجليل من قبل حزب الله. راقب المسؤولون الإسرائيليون العملية العسكرية في هذه المنطقة بدقة، نظراً إلى اختلافها عن باقي معارك محور المقاومة في سوريا، فالمعركة هنا دخلت فيها الطائرات التركية على خط المعركة بشكل مباشر، ما أجبر غرفة عمليات المقاومة على أن تلجأ إلى اتباع سياسة جديدة لتنفيذ عملياتها العسكرية، فاستغلَّت عامل الليل والتحرك عبر مجموعات صغيرة، مع استخدام أسلحة ليليلة تمكّنها من إنهاء العمل العسكري قبل طلوع الفجر.
هنا كانت الصدمة. أيقنت تل أبيب أن طائرات الاستطلاع والقصف الجوي لن يشكلا عوائق تمنع حزب الله ومن معه من فصائل المقاومة من تنفيذ أي عمل عسكري بري إذا ما تقرر.
أمام هذا المشهد، كان لا بد لـ"إسرائيل" من أن تفكر في آلية جديدة تنهي قلقها المتزايد من الوجود الإيراني في سوريا، والذي وسع جبهة المواجهة في أي حرب محتملة، لتمتد من جنوب لبنان وغزة، وتصل إلى جنوب سوريا وشمالها وشرقها، إضافة إلى العراق، إذا تطلّب الأمر، فضلاً عن عشرات الآلاف من القوات المدربة على خوض أعتى المعارك البرية.
راهنت "إسرائيل" على دور يمكن أن تمارسه روسيا للضغط على دمشق لإخراج حزب الله وفصائل المقاومة التابعة للمركز الاستشاري الإيراني من هذا البلد، لكن الرهان فشل، كما سقطت توقعاتها في أن يؤدي اغتيال الشهيد الفريق قاسم سليماني إلى إنهاء الدور الإيراني في سوريا والعراق، وأن يكون عاملاً يخفف من الزخم الإيراني الداعم لفصائل المقاومة، وخصوصاً في غزة ولبنان.
شكل حضور قائد قوة القدس الجنرال إسماعيل قآني في جبهات حلب خلال معارك تحرير ريفها الغربي والجنوبي صدمة للكثير من المراهنين على أن دور قوة القدس سيضعف. وهنا، كان لا بد للإسرائيلي من التفكير في العودة إلى سياسته القديمة القائمة على اعتداءات جوية تستهدف نقاطاً عسكرية يعتقد أنها تشكل عاملاً يمكن أن ينهي دور إيران في سوريا؛ اعتداءات ارتفعت وتيرتها في الأسبوعين الأخيرين.
يوم الأحد 26 نيسان/أبريل 2020، أطلق وزير الدفاع الإسرائيلي نفتالي بنيت تصريحاً حمل في طياته إعلاناً لعودة عدوان تل أبيب على نقاط في سوريا، وركز فيه على دور إيران في سوريا، قائلاً: "ضعوا السماعات على آذانكم وانتظروا. ستسمعون وسترون أشياء، فنحن لا نواصل لجم نشاطات التموضع الإيراني في سوريا فحسب، بل انتقلنا بشكل حاد من اللجم إلى الطرد. أقصد طرد إيران من سوريا".
بعد يوم واحد، سجلت دمشق أول عدوان إسرائيلي، وذلك يوم الإثنين 27/4/2020. القصف استهدف نقاطاً في محيط العاصمة دمشق وجنوبها. بعد 3 أيام، أعلنت دمشق عن تنفيذ مروحيات إسرائيلية عدواناً بالرشاشات الثقيلة استهدف الأراضي السورية انطلاقاً من الجولان السوري المحتل، ولم يؤدِ إلى وقوع أضرار. العدوان الإسرائيلي أُتبع بآخر، إذ قصفت طائرات إسرائيلية نقاطاً تابعة للجيش السوري في منطقة معامل الدفاع قرب منطقة السفيرة جنوب مدينة حلب شمال شرق البلاد.
القصف على حلب تبعته حملة إعلامية ضخمة بدأت بتصريح نقلته وسائل إعلام إسرائيلية عن مصدر أمني وصفته بالكبير، تحدث عن بدء إيران بتفكيك معسكرات لها في سوريا، وقال المصدر: "إيران تباشر الانسحاب من سوريا بعد الضغط الذي مارسه الجيش الإسرائيلي، من خلال القصف المستمر. وتم تفكيك عدد من القواعد والمعسكرات التابعة للمجموعات المسلحة التابعة للحرس الثوري في بعض مناطق سوريا".
وقد ترافق ذلك مع تصريح لوزير الأمن تحدث فيه عن استمرار "إسرائيل" في قصفها مواقع يعتقد أنها تابعة لإيران في سوريا، لإجبار طهران على الخروج منها. وهنا لا بد من أن نذكر أن القصف الإسرائيلي لم يتمكن إلى اليوم من تغيير المعادلة في سوريا، فالمقرات التي تعرضت للقصف غالباً ما كانت مقرات عسكرية قديمة استخدمت لفترات في الحرب ضد الجماعات التكفيرية وداعش، لتتحول لاحقاً إلى نقاط دعم ثانوية، وخصوصاً أنها باتت بعيدة جداً من خط المعارك، ما يجعل إمكانية الاستفادة منها غير ممكنة، نظراً إلى طبيعة المعارك في سوريا.
كما تؤكد المعلومات أن المركز الاستشاري العسكري الإيراني في سوريا لم يعد يعتمد على مراكز عسكرية ثابتة في منطقة معينة، إضافة إلى اعتماده بشكل رئيس على فصائل تضم قوات سورية من أبناء العشائر والمدن السورية، ما يخفف من الحاجة إلى تواجد القوات في مراكز عسكرية مكشوفة، في حين يتبع السرية المطلقة في ما يتعلق بنقل العتاد والذخيرة أو معسكرات التدريب.
وتؤكد المعلومات أن غرف القيادة والتحكم لم تعد مكشوفة، كما كانت في السنوات الأولى للحرب السورية، فاتساع الجغرافيا المحررة وتنوعها أتاحا للقوات مجال مناورة واسعاً يمكّنها من تنويع نقاط تمركزها، ويجعل من السهل عليها تغيير مقراتها بشكل مستمر ودوري، ما يجعل من المعلومة الإسرائيلية اليوم معلومة فاقدة للأهمية، وهذا ما حدث فعلاً في قصفها العام الماضي، وقبل أيام، لمقرات قالت تل أبيب إنها تابعة لإيران في شمال سوريا، حيث تبين أن المقرات التي قصفت في آذار/مارس 2019 كانت قد أخليت قبل فترة ليست قريبة. وكذلك الأمر في ما يتعلق بالقصف الذي استهدف المقر في منطقة السفيرة ليل الثلاثاء 4 أيار/مايو 2020.
إضافة إلى ما سبق، لا بد من أن نشير إلى أن ما تروج له "إسرائيل" حول خروج إيران من سوريا يفتقد إلى المصداقية، بل إن المعطيات الميدانية تؤكد أن حزب الله وسع من وجود قواته في سوريا في الفترة الماضية، وخصوصاً مع عدم التزام هيئة تحرير الشام والفصائل المسلحة المصنفة إرهابية باتفاق موسكو بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان حول طريق حلب اللاذقية المعروف بـM4، ما يعني أن فصائل المقاومة، وبطلب من دمشق، ستؤدي دوراً محورياً إلى جانب الجيش السوري، في حال فشل تركيا في إقناع المسلحين بالانسحاب وفقاً للاتفاق، وهذا ما يتنافى بالمطلق مع التصريحات والأحلام الإسرائيلية بخروج إيران وفصائل المقاومة من سوريا.