درعا.. هل حان وقت مراجعة التسويات؟
شكّلت تجربة مواجهة مسلّحي مدينة الصنمين في ريف درعا الشمالي درساً مهماً في إجبار رافضي التسوية على مغادرة المدينة.
يخبرني أحد وجهاء محافظة درعا، جنوب سوريا، تعليقاً على استخدامي مصطلح "الخلايا النائمة" في أحد التقارير التلفزيونية، أن الأمر لم يعد يتعلَّق بخلايا نائمة، لأن المسلّحين الذين يستهدفون مؤسسات الدولة وحواجز الجيش ومسؤولين محليين معروفون، وهم من المسلّحين السابقين المنضوين حالياً ضمن التسويات.
ويضيف أنهم يتجوَّلون علناً بسلاحهم، وتحت شعارات فصائلهم السابقة، في مناطق عديدة من المحافظة: حي درعا البلد داخل المدينة، ومدينة طفس شمالها، وبلدات مزيريب ونوى، وغيرها .
يبدو الكلام صادماً للوهلة الأولى بعد 21 شهراً من إعلان محافظة درعا آمنة، إثر عملية عسكرية للجيش السوري، تبعتها تسويات كبيرة في جغرافيا تحمل رمزية كبيرة، باعتبارها منطلق الأحداث التي مرت بسوريا منذ آذار/مارس 2011 وحتى اليوم، ونظراً إلى موقعها الجغرافي الحسّاس قرب الجولان المحتل وعلى الحدود مع الأردن، ما أعطى التدخلات الإقليمية دوراً مضاعفاً في الأحداث التي شهدتها المحافظة.
لكنَّ وقائع الأرض تشير فعلياً إلى خلل جدي في تلك التسويات، تدل عليه هجمات شبه يومية تشهدها درعا، وتتضمن تفجير عبوات ناسفة وألغام وآليات مفخخة ومحاولات اغتيال تتنقّل بين الريفين الغربي والشرقي للمحافظة على السواء.
وكان لافتاً على وجه الخصوص اغتيال ضابطين رفيعي المستوى من اللواء 52 على أطراف بلدة الحراك، من قبل مسلّحَين ملثمَين أطلقا النار عليهما قبل أن يلوذا بالفرار يوم 18 نيسان/أبريل الجاري، وسبقه اغتيال مسؤول حزب البعث في مدينة نوى في 7 نيسان/أبريل، يوم الاحتفال بذكرى تأسيس البعث الـ73، ما شكل رسالة مدوية على وجود خلل عميق لطالما اشتكى منه أهالي المحافظة، ويضاف إلى عشرات الاستهدافات المتنقلة التي طالت خصوصاً ضباطاً وجنوداً من الوحدات العسكرية العاملة في المنطقة الجنوبية أو الحواجز الأمنية في تلك المنطقة، وحتى موظفين وعاملين في التسويات.
وبحسب تقديرات غير رسمية، تجاوزت تلك الهجمات 350 هجوماً متنوعاً خلال الفترة التي تتراوح بين حزيران/يونيو 2019 ونيسان/أبريل الجاري.
كثير من تلك الاعتداءات لا يأتي الإعلام الرسمي على ذكره، فيما يميل بعض الوجهاء ونواب المحافظة في مجلس الشّعب إلى الإشارة إلى وجود ثغرات كبيرة طالت بعض المصالحات، مع احتفاظ كثير من المصالحين بسلاحهم حتى اللحظة، رغم مضي كل ذلك الوقت على انتهاء المعارك، وهو السلاح ذاته الذي يرجّح استخدامه في الهجمات شبه اليومية على مؤسَّسات الدولة والعاملين فيها.
إن هشاشة المصالحات التي كانت مبررة ربما في حينها، حقناً للدماء، وتسهيلاً لجهود المجتمع المحلي بالضغط على عناصر حملت السلاح بوجه الدولة للعودة إلى خيار السلم، وقد نجحت بعض تلك الجهود بالفعل في انضمام آلاف الشباب من أبناء المحافظة لأداء خدمتهم العسكرية أو حتى الانضمام إلى مجموعات قاتلت إلى جانب الجيش السوري في معارك الشمال، تبدو اليوم على المحك مع ارتفاع وتيرة التصعيد ضد الجيش السوري في أكثر من قرية وبلدة تتبع المحافظة، وتهديد كل ما تم بناؤه لإعادة دورة الحياة إلى حوران.
عامل آخر لا يقل خطورة وراء تسعير الموقف في درعا، يشير إلى أجندات خارجية لا يمكن إخفاؤها في تحريك عناصر كانت تتبع حتى القريب العاجل لفصائل مرتبطة تسليحاً وتوجيهاً وتدريباً بأجهزة استخبارات إقليمية، كانت تشكل أحد مكوّنات غرفة "الموك" في عمان.
الأخطر، ربما، يكمن في ارتباط كثير من المسلّحين بالإسرائيلي، وخصوصاً أن المئات منهم تلقّوا خلال الفترة الممتدة بين الأعوام 2014 و2018 علاجاً مباشراً في نقاط الاحتلال الإسرائيلي الطبيّة قرب الشريط الشائك في الجولان، ضمن مشروع " الجور الطيب"، وهي أرقام أعلنها الإسرائيليون ولم ينكرها المسلّحون.
وفي الحالتين، بات الوضع يضغط باتجاه علاج جدي، بالتعاون مع الحليف الروسي المشرف على جزء رئيسي من تلك المصالحات، عنوانه الرئيسي إعادة الحياة الطبيعية الخالية من المظاهر المسلّحة إلى كل أرجاء المحافظة.
ورغم الانتقادات التي توجّه إلى عمل لجان المصالحة، فلا يزال هناك الكثير مما يمكنها عمله تجنباً لخيار القوة في فرض منطق الدولة على كامل أرجاء المحافظة، ما يشجع أعداداً كبيرة من العائلات النازحة عن بلداتها وأحيائها على العودة إلى بيوتها، بعد زوال عوامل الخوف ومحاولات إشاعة مناخ الفلتان الأمني.
وقد شكّلت تجربة مواجهة العشرات من مسلّحي مدينة الصنمين في ريف درعا الشمالي، في شباط/فبراير الماضي، درساً مهماً في إجبار رافضي التسوية على مغادرة المدينة، وبلغ عددهم 21 مسلحاً.