استثمار خليجي في الأندية الأوروبية.. قوة ناعمة على المدرجات
بهذه الطريقة، تتسلَّل السياسة إلى الملاعب عبر طريق التفافي؛ طريق مراوغ يتجاوز قوانين الفيفا التي تمنع اللاعبين والمدربين من ارتداء أي دلالات سياسية.
انشغلت الصحافة الرياضية مؤخراً بصفقة الاستحواذ على نادي "نيوكاسل" الإنكليزي. صفقة طرفها صندوق الاستثمار السعودي الذي يرأس مجلس إدارته ولي العهد محمد بن سلمان. صحيفة "ذا كرونيكيل" الخاصة بالنادي أعلنت، الخميس الماضي، أن عملية بيع أسهمه اقتربت من الانتهاء.
شبكة "سكاي سبورتس" أشارت إلى أن الصفقة كانت ستكلّف صندوق الاستثمار السعودي 350 مليون جنيه إسترليني، لكن جائحة فيروس كورونا ساهمت في خفض المبلغ بشكل كبير.
هل هي إذاً فرصة استثمارية سانحة في زمن كورونا تقف وراء القرار السعودي أم هناك أهداف أخرى مستترة؟
مسؤول سعودي كبير يؤكد لصحيفة "فاينانشيال تايمز" الاحتمال الأول. يقول إن المملكة شكلت فريقاً للنظر في المدى الزمني المتوسط وطويل المدى للأزمة العالمية، في حين أن صندوق الاستثمار السعودي اتبع استراتيجية كانت "مزيجاً من الاستراتيجية والانتهازية".
كان هذا التوضيح ليوفر فهماً منطقياً انطلاقاً من دوافع استثمارية لو أن مفاوضات الاستحواذ بدأت بعد تفشي كورونا، لكن العودة إلى الصحف تكشف عن تسريبات منذ أوائل العام الحالي على الأقل حول مفاوضات "معقدة" لإتمام الصفقة مع صاحب النادي الإنكليزي.
لا يلغي هذا الأمر قيام الصندوق السعودي بسلسلة من الاستثمارات الضخمة في الأسابيع القليلة الماضية، منها شراء أسهم في مجموعات نفطية، مثل "رويال داتش شل" و"توتال" و"ريبسول" و"إيكوينور" و"إيني"، لكن مرة جديدة هل الدافع استثماري ربحي أم عملية إنقاذ ومنافع متبادلة؟ يحتاج الجواب إلى تدقيق.
لكن ما هو مؤكد ولا يحتاج إلى تدقيق، أن سعي السعودية إلى شراء أندية رياضية أوروبية لم يبدأ مع نادي "نيوكاسل". سبق أن جرت مفاوضات مع مالكي نادي "مانشيستر يونايتد" العام الماضي من أجل الاستحواذ على النادي، لكنّ الصفقة فشلت في النهاية. ما معنى ذلك؟
هذا يعني أن رغبة الاستحواذ على نواد أوروبية سبقت تفشي كورونا. يعني أيضاً أن دوافع الاستحواذ على النوادي الأوروبية العريقة لا تحددها المنافع المادية فقط. لا ينحصر هذا الأمر بالسعودية، بقدر ما يشمل دولاً خليجية أخرى، مثل الإمارات وقطر. دخلت الرياض هذا المضمار على خطى شقيقاتها مؤخراً، بعدما بلغها على ما يبدو المردود التسويقي لهذه المشاريع بين أوساط جماهير الأندية ومتابعي كرة القدم عموماً.
بعض الباحثين يدرج ذلك ضمن إطار القوة الناعمة لدول الخليج. هذه الاستراتيجية لطالما شكّلت، بحسب كريستوفر ديفدسون، جزءاً رئيسياً من صناديق الثروات السيادية للمالك الخليجية، فإضافةً إلى استثمارات هذه الصناديق في الشركات المتعددة الجنسيات والشركات الممتازة والعقارات المدروسة، تم إجراء المزيد من الاستثمارات والرعايات المرتبطة بها، وهي استثمارات تجتذب العناوين الأساسية، وقد لا تدرّ أرباحاً بالضرورة.
في معظم الحالات حصلت هذه الاستثمارات، التي تركز على العلامة التجارية، في البلدان التي تمتلك تاريخاً في دعم المملك الخليجية عبر تقديم الحماية أو الضمانات الأمنية، أو في تلك التي يمكن توقع تقديم المساعدة من جانبها في حالات الطوارئ في المستقبل.
وقد سبقت الإمارات وقطر السعودية إلى الاستثمار في المضمار الرياضي. ففي العام 2011، وقعت قطر على صفقة رعاية مع نادي برشلونة الإسباني، وهو إحدى أكبر العلامات التجارية في كرة القدم الدولية.
وفي حين خصَّصت الدوحة صندوقاً للاستثمار الرياضي، فإنها استطاعت من خلاله الحصول على حصة مسيطرة في نادي "باريس سان جيرمان" في العام 2011، وعيّنت على رأسه شخصاً قطرياً، ليكون أول رئيس غير فرنسي في تاريخ النادي.
ولا يخفى اندفاع قطر وطموحها الرياضي منذ لحظة إعدادها ملف التأهل للفوز بتنظيم نهائيات كأس العالم على أراضيها عام 2022. هذا الأمر لوحده كفيل، إذا سمح كورونا، بأن يجعل قطر تحتل العناوين الرئيسية المرتبطة بكرة القدم حتى موعد تنظيمها.
الإمارات لم تقتصر استثماراتها في هذا المجال على كرة القدم. في العام 2005 اشترت حصة في شركة فيراري، تبعتها رعاية لفريق فيراري للفورمولا 1. أما في كرة القدم، فربما المثال الأبرز هو شراؤها نادي "ماشستر سيتي" في العام 2008، وتعيين أحد مساعدي ولي العهد رئيساً له. وغالباً ما يكون رؤساء الأندية موضوعاً متكرراً في الأخبار الرياضية للصحف الأوروبية. وبعد شرائه من الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء الإماراتي، حصد "مانشستر سيتي" عدداً من الألقاب المحلية.
بهذه الطريقة، تتسلّل السياسة إلى الملاعب عبر طريق التفافي؛ طريق مراوغ يتجاوز قوانين الفيفا التي تمنع اللاعبين والمدربين من ارتداء أي دلالات سياسية، لكن يكفي أن تظهر شعارات الدولة ورموزها على قمصان اللاعبين وعلى شريط الإعلانات حول الملعب لتحقيق الهدف، أو أن يتم التداول بها في الصحف وعلى لسان الجماهير.
من هذا المنطلق، يعدّ شراء "نيوكاسل" استثماراً مساعداً في إعادة تسويق المملكة، بعدما باتت مرتبطة إلى حد واسع في الغرب بصورة ابن سلمان إثر مقتل جمال خاشقجي.
لنتذكّر أن هذه الجريمة دفعت شركات ومؤسسات عالمية إلى مقاطعة مؤتمر "دافوس" في السعودية العام الماضي، حيث كان من المفترض أن تتم مناقشة عملية نقل ملكية "مانشستر يونايتد" من آل غلايزر إلى العائلة السعودية الحاكمة قبل أن ينسحب أصحاب النادي من المؤتمر.
وفي حال إتمام الصفقة مع "نيوكاسل" رسمياً، فإن ولي العهد السعودي سيرث نادياً ساخطاً على مالكه الحالي بسبب استثماره الضئيل. سخط عزّزه سقوط النادي مرتين من درجة المحترفين إلى الدرجة الرديفة خلال الأعوام التسعة المنصرمة. ولا شكَّ في أن أموال ابن سلمان السخية ستكون مغريةً لجماهير النادي الذي لم يفز بأي لقب بعد العام 1969، وخصوصاً في فترة تعاني فيها الأندية مالياً جراء أزمة تفشي كورونا.
والجدير ذكره أن بعض الأندية الأوروبية تدور حولها علامات استفهام بسبب تجاوز قواعد اللعب المالي النظيف.