"حماس" امتحان للعلاقة القطرية - الأميركية، وانتزاع الحقوق الفلسطينية.. لو من "تحت شجرة"؟
الضغط الأميركي على قطر يتسارع ويتصاعد، وحركة حماس ليست في وارد التنازل عن شروطها. هي معركة عض أصابع.
إشكالية وجود القيادة السياسية لحركة حماس في قطر تعود إلى التفاعل مرة جديدة. فكباش الدوحة مع الإدارة الأميركية يستمر إلى حين الوصول إلى نقطة اللاعودة.
فإما الاعتذار إلى حماس، وهو ما "لن يُفسد في الأمر قضية"، وإما تفهم الجانب الأميركي لقطر والمحافظة على دورها المتوازن بين احتضانها أكبر قاعدة عسكرية لأميركا في الشرق الأوسط، واحتضانها من جانب آخر للقضية الفلسطينية عبر استضافتها جزءاً أساسياً مهماً من فصائلها، ممثّلةً بحماس، مع الأخذ في الحسبان موضوع حالة الإخوان المسلمين الوجودية – التي حماس جزء منها - والتي لأميركا علاقات ومصالح معها، تبدأ بتركيا الإردوغانية، وربما لا تنتهي بالدوحة.
حتى الساعة يؤكد مصدر رفيع المستوى في حركة حماس أن لا شيء رسمي قطري. فالحركة لم تتبلغ أي قرار من الدوحة. هناك ضغوط كبيرة تمارَس على حركة حماس من جانب المجتمع الدولي وبعض الدول العربية، للتنازل بشأن ورقة المفاوضات، التي تشكّل قطر محوراً أساسياً فيها.
لكن حماس، قيادة سياسية وقيادة عسكرية، أبلغت الجميع أنها غير قابلة للضغوط، وأنها مستعدة لأن تخرج إلى العراء و"تسكن بين الأشجار" ولا تعطي العدو الاسرائيلي أي ورقة رابحة. فمن قام بعملية السابع من أكتوبر لا يمكن أن يتنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني ودمائه، ولا أن يُفرط بصمود المقاومين وبإنجازاتهم التي غيرت معادلة، مفادها أن "إسرائيل" كيان متماسك بقوة جيشه ومستوطنيه.
الضغوط ستستمر على الجميع، والثابت في نتائجها هو عدم تخلي حماس عن ثلاثة شروط: وقف إطلاق النار الفوري والشامل، وانسحاب العدو من المناطق التي تقدم إليها، وإطلاق عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال وفق ورقة الحركة والأسماء التي طرحتها، وليس وفق اختيار الإسرائيلي.
فهناك معتقلون قارب اعتقالهم أربعين عاما. لا شك في أن نيات "إسرائيل" واضحة، وهي إتمام صفقة تبادل الأسرى لتستعيد التعاطف الداخلي وتستأنف الحرب. وهي تجربة كانت قائمة، وأثبتت ذلك في شهر شباط/فبراير الماضي حين أطلقت حماس 124 إسرائيليا وأجنبيا.
من هنا، الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات فيما يخص القرار القطري، ولو أن وجود قيادة حماس في الدوحة، وفق حسابات القطريين، له عدة إيجابيات على دور قطر في المنطقة، بالإضافة إلى عدم وجود مصلحة سياسية للولايات المتحدة في إضعاف قطر سياسياً.
في الحسابات السياسية الأميركية ثمة وقائع سياسية ودبلوماسية في العلاقة بقطر، كانت هناك تجربة سابقة لها في أفغانستان. حارب الأميركيون طالبان مدة عشرين عاماً ثم حدثت المفاوضات في قطر، ونجح الدور القطري في ترتيب النهاية التي أرضت الأميركي الذي خرج من أفغانستان. وما جرى سابقاً بين إيران والولايات المتحدة وفنزويلا، بالإضافة إلى ما حقّقته خلال الحرب الأوكرانية – الروسية من تبادل للأسرى ومن تسهيل فتح ممرات إنسانية.
الدوحة هي الحليف الخليجي الأبرز لكل الإدارات الأميركية، جمهورية كانت أم ديموقراطية، وهي قدّمت نفسها، منذ عهد الأمير السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وصولاً إلى عهد الأمير الحالي الشيخ تميم بن حمد، وسيطاً في ملفات إقليمية ودولية متعددة، وهي سهلت اتفاقيات وحلت مشكلات امنية وسياسية لعدة دول بغطاء أميركي، كلبنان والعراق والصومال ودول أفريقية وآسيوية.
في خضم كل هذا المشهد، برز الدخول التركي على خط الموقف المساند لحركة حماس، واستقبال الرئيس رجب طيب إردوغان لقيادتها، والموقف السياسي العالي ضد "إسرائيل" وجرائمها، الأمر الذي أكد للبعض أن أنقرة تستعد لنقل الضيافة من الدوحة إلى ديارها، غير أن أكثر من تقاطع فلسطيني وقطري وتركي أكد أن تركيا دخلت لاعباً مسانداً لقطر في المفاوضات، وهي تتمسك بوساطة الدوحة.
واستبعد إردوغان نقل قطر مقر القيادة السياسية لحركة حماس إلى خارجها، بينما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية "إنه ما دام وجودهم إيجابياً ومفيداً لجهود الوساطة فإنهم سيبقون هنا".
الخلاصة تكمن في أن الضغط الأميركي على قطر يتسارع ويتصاعد، وحركة حماس ليست في وارد التنازل عن شروطها. هي معركة عض أصابع.
حماس باقية وصامدة وتحقق المفاجآت اليومية في غزة. أما قطر فلعلها أمّنت على حماس عند الحليف التركي في حال أنهكتها الضغوطات، لكنها تعلم تماماً بأنها قد تخسر في هذه الخطوة "المجبَرة" عليها كثيراً من الامتيازات والحصانات، لعل أهمها يتعلق بوجودها القوي والمركزي في الخليج في مقابل المملكة العربية السعودية. في الجهة المقابلة، يبقى السؤال: هل تضحي الولايات المتحدة بعلاقتها المتينة بالقطريين من أجل أهداف مرحلية تنتهي مع انتهاء حرب غزة؟