مهام خفيّة في معركة إدلب.. من يحرّك إرهابيي فرنسا؟
تمّ طيّ ملفّ محاكمة بيرلين غيلدو في برلين، وهو رجل سويدي متهم بالإرهاب في سوريا، بعدما بات واضحاً أنَّ المخابرات البريطانية كانت تسلّح المجموعات نفسها التي اتُّهم الرجل بدعمها.
منذ بداية الحرب على سوريا، ساهم عدد من الدول العربية والغربية بإرسال مجموعات إرهابية متطرفة من كل أنحاء العالم إليها. ومنذ اليوم الأول، خرجت تسريبات وفضائح عن دور أجهزة الاستخبارات الغربية وتأثيرها في الحرب على سوريا، وإرسالها هؤلاء المتطرفين، وكيفية تجنيدهم وتسليحهم قبل إرسالهم إليها.
الإعلامي وسيم نصر في قناة "فرانس 24"، وهو متخصّص في الشبكات "الجهادية"، استضاف مؤخراً عبر "سكايب" الإرهابي الفرنسي عمر أومسن، رئيس المجموعة الجهادية التي تحمل اسم "فرقة الغرابة"، وهي إحدى الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة الإرهابي في إدلب.
والجدير بالذكر أنّ العديد من الإرهابيين الفرنسيين في إدلب اليوم يقاتلون لإقامة "دولة إسلامية" في قطعة صغيرة من سوريا العلمانية، وحلمهم هو إقامة "دولة سنّية" على الحدود التركية، إذ يمكنهم الحصول على الدعم الكامل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يرأس حزب العدالة والتنمية، وهو حزب الإخوان المسلمين الذي يسيطر على تركيا منذ حوالى 20 عاماً.
ويمنحهم التواجد على الحدود التركية رفاهية إطعامهم وتغذيتهم من خلال وكالات الإغاثة الدولية، مثل برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، وغيره من الجماعات الإنسانية التي توزّع الإمدادات على المدنيين وأبنائهم أو إخوتهم أو زوجاتهم أو آبائهم، وتدرجهم على جدول الرواتب الذي تموّله قطر وبعض دول الخليج العربي.
تعمل المجموعات الإنسانية، بما في ذلك الأمم المتحدة، كعامل تمكين، ما يطيل معاناة الأبرياء، من خلال مواصلة الإمدادات. وإذا تم قطع الاحتياجات اليومية لعائلات الإرهابيين، فسيضطرون إلى الفرار إلى تركيا، وفي نهاية المطاف إلى أوروبا، للحصول على المزيد من المزايا المجانية التي تقدمها "الأم ميركل"، في إشارة إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
تم تجنيد الإرهابيين الفرنسيين في فرنسا، وليس عبر الإنترنت. تعمل شبكة "سيفران"، وهي شبكة لتجنيد الإرهابيين، في سيفران، قرب باريس، في قاعة صلاة غير رسمية، لأنها تستهدف الشباب بمزيج متطور من التكتيكات النفسية. ووفقاً للبعض، هي تكتيكات التنويم المغناطيسي التي اكتسبتها القاعدة خلال عقود في أفغانستان، وهي معروفة جيداً بمهارات التنويم المغنطيسي التي كانت موجودة قبل عملاء CIA الميدانيين، ولكنها كانت تستخدم من قبل وكالة المخابرات المركزية في برنامج الجهاد لمواجهة الوجود السوفياتي هناك.
قام مجنِّد الجهاديين الفرنسيين، عمر أومسن، بتزييف وفاته في آب/أغسطس 2015، ولم يظهر إلا بعد أشهر في مقابلة تلفزيونية. ومن غير المعروف عدد الإرهابيين الذين زوّروا وفاتهم لمسح هُويتهم وإعادة خلق أنفسهم في وقت لاحق في أوروبا أو الولايات المتحدة.
بدأت الحكومة الفرنسية بدعم الإرهابيين في سوريا ابتداء من العام 2011، عندما افتتحت وكالة المخابرات المركزية مكتبها الأول في مدينة أضنة التركية قريباً من إدلب. وقد تابع الرؤساء الفرنسيون، من ساركوزي إلى هولاند وماكرون، مشروع "تغيير النظام" الذي أمرت به الولايات المتحدة في سوريا.
في العام 2017، أغلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب برنامج وكالة المخابرات المركزية لدعم القاعدة في سوريا. وعلى الرغم من ذلك، تعمل القاعدة بشكل كامل في إدلب، وتقدم دعماً واضحاً للغاية على أعلى المستويات، مثل الأسلحة والذخيرة والصواريخ المضادة للطائرات والطائرات من دون طيار والشيكات.
الرئيس الأسد ينتقد
في أيلول/سبتمبر 2015، ألقى الرئيس السوري بشار الأسد اللوم في أزمة اللاجئين في أوروبا على دعم الغرب للإرهابيين. وفي إشارة إلى الصورة الفيروسية المنتشرة على شبكة الإنترنت لطفل سوري على شاطئ تركي، قال: "كيف يمكنك أن تشعر بالحزن لوفاة طفل في البحر، وأن لا تشعر بالحزن تجاه الآلاف من الأطفال الذين قتلوا على أيدي الإرهابيين في سوريا، وكذلك كبار السن، والمرأة والرجل؟ هذه المعايير الأوروبية المزدوجة لم تعد مقبولة".
وأضاف: "الغرب يدعم الإرهابيين منذ بداية هذه الأزمة، عندما زعم إنها كانت انتفاضة سلمية، كما أطلق عليها. وقالوا لاحقاً إنها معارضة معتدلة، والآن يقولون إن هؤلاء (الإرهابيين) مثل النصرة وداعش".
في يونيو/حزيران 2015، تمّ طيّ ملفّ محاكمة بيرلين غيلدو في برلين، وهو رجل سويدي متهم بالإرهاب في سوريا، بعد أن أصبح من الواضح أنَّ المخابرات البريطانية كانت تسلّح المجموعات نفسها التي اتُّهم الرجل بدعمها. تخلّى الادعاء عن القضية على ما يبدو لتجنّب إحراج أجهزة المخابرات. وكان عملاء المخابرات الفرنسية يعملون جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في سوريا.
وتعود عادة الغرب في اللعب مع الجماعات الجهادية التي أعادت بعد ذلك لدغه، إلى حرب الثمانينيات ضد الاتحاد السوفياتي في أفغانستان على الأقل، والتي عزّزت القاعدة الأصلية تحت وصاية وكالة الاستخبارات المركزية.
اتفاقية سوتشي 2018
طلب الاتفاق من تركيا طرد الإرهابيين، مثل جبهة النصرة، وسمح لها بإنشاء 12 مركز مراقبة في إدلب، لفصل الإرهابيين عن المدنيين العزل. وعلى الرغم من ذلك، بعد ما يقارب عامين على إبرام الصفقة، فشلت تركيا في الوفاء بالتزاماتها، واتهمتها موسكو صراحة بمساعدة الإرهابيين.
أدى ذلك إلى هجوم الجيش العربي السوري في إدلب، والذي بدأ في كانون الأول/ديسمبر 2019، لتحرير المدنيين وإخلاء جميع الإرهابيين. هذه العملية العسكرية لا زالت مستمرة. وقد حقّق السوريون، بمساعدة سلاح الجوّ الروسي، تطورات هائلة.
فرنسا ترفض إعادة أهلها إلى المنزل
في يناير/كانون الثاني 2020، نظرت محكمة باريس في قضايا مرفوعة ضدّ الإرهابيين الفرنسيين في سوريا، إلا أنَّ غالبية المدَّعى عليهم ماتوا. وقد وصفت وسائل الإعلام الفرنسية الحدث بأنه "محاكمة أشباح".
وقال أحد محامي الدفاع أنطوان أوري: "في فرنسا، في العام 2020، نرفض إعادة الأحياء، لكنَّنا نحاكم الموتى". لدى فرنسا سياسة تتمثل في عدم استرجاع إرهابييها، على الرغم من وجود الآلاف منهم في سوريا.
فرنسا أعطت تركيا جزءاً من سوريا
إنَّ الحدود بين سوريا وتركيا خطّ مستقيم نسبياً من الشرق إلى الغرب حتى يصل إلى نهر العاصي، ثم ينخفض فجأة ويتّجه جنوباً لنحو 80 ميلاً. أعطت فرنسا هذه القطعة المفقودة الواضحة من الأراضي السورية لتركيا في العام 1939، لتضمن أن الأخيرة ستقاتل من أجل فرنسا ضدّ ألمانيا هتلر في الحرب العالمية الثانية.
تُسمى المنطقة "لواء إسكندرون" بالنسبة إلى السوريين، ومقاطعة "هاتاي" بالنسبة إلى تركيا، وهي تضم مدينتي أنطاكيا وإسكندرون، اللتين كانتا تعرفان سابقاً باسم أنطاكية وألكساندريتا. وتقع هذه المنطقة على الجانب التركي من إدلب.
كانت المنطقة في العام 1939 عبارة عن مزيج من الجنسيات، من الأتراك والتركمان والعرب السنّة والعلويين والأرمن واليونانيين، ولا زال أحفادهم إلى اليوم يتحدثون اللغة العربية، على عكس بقية تركيا التي تتحدَّث التركية فقط.
وقبل العام 2011، كان للرئيس التركي والرئيس السوري علاقة وثيقة للغاية، وتم التوقيع على اتفاقية لبناء سد صداقة سوري-تركي بقيمة 28 مليون دولار على نهر العاصي.
تحوّلت هاتاي إلى ساحة انطلاق للإرهابيين الدوليين، بمن فيهم الفرنسيون، الّذين تدفّقوا إلى سوريا للمشاركة في الهجوم الأميركي- الأطلسي على سوريا من أجل "تغيير النظام". واليوم، يراقب العالم إمكانية إعلان الحرب المفتوحة المحتملة.