حلب تُنهي المشروع العثمانيّ التّركي الجديد
مع استكمال تأمين مدينة محافظة حلب تنتهي أحلام الرئيس التّركي المحتلّ لسوريا، وأوهامه وتخيّلاته إلى أبدِ الآبدين.
شهدت محافظة حلب "الشهباء"، كما يحبّ السوريون والعاشقون أن يسمّوها، الأحد 16 شباط/فبراير 2020، تاريخاً لن يُنسى ما حيينا. هو تاريخ نصر وتحرير أتى بعد سنين من المقاومة والصّبر والصمود والتّضحية بكلّ غالٍ ونفيس، وانتصار عظيم وتاريخي له تداعيات كبرى وغير مسبوقة في تاريخ العدوان العالميّ على سوريا الذي قاده ما يزيد على 89 دولة.
في شهر تشرين الأوّل/أكتوبر من العام 2019، كتبتُ في مدوّنتي ضمن "الميادين نت" أنّ "مشروع السّلطنة في سوريا بات حُلُم إبليس بالجنّة"، لكنّني اليوم أقول بكلّ فخر ويقين إنّ هذا المشروع بات في خبر كان على أرض الواقع، وإن رأس نظام العدوان التّركي نفسه، رجب طيب إردوغان، لا يحقّ له أن يحلم بعد اليوم بإقامة هذه السلطنة، بل لا يحق له التّوهّم أيضاً بذلك، بعد أن أصبح مُحرّماً عليه.
بدأ إردوغان بالتّمهيد لمشروع السّلطنة الجديدة في شمال سوريا منذ سنوات، تمهيداً لقبول السوريين شمالاً بـ"وجود تركي طويل الأمد"، كان يُراد منه أن يبقى لسنواتٍ كثيرة.
ولتعزيز مشروع الاحتلال التّركي العثماني الجديد، بدأ النظام التّركي بإدخال المناهج التعليمية التّركية في أنظمة التّدريس والحياة الطبيعية للسوريين الأسرى لدى الجماعات الإرهابية المسلّحة، وأبرزها "جبهة النّصرة". كان هذا المشروع يستهدف الفئة اليافعة والشباب على وجه الخصوص، لبناء سلطنة تعلن الولاء للسلطان العثماني الجديد.
لم يقف العدوان التّركي عند هذا الحدّ، بل فعَّل مرتزقته الإرهابيين على الأرض، وبدأ بالتّهجير القسري للعائلات السورية من أجل التّغيير الديموغرافي، كما جرى في عفرين المحتلّة وغيرها من المناطق المحتلّة شمالاً، إضافةً إلى رفع الأعلام التّركية في المناطق الّتي يتم احتلالها، واعتبار اللغة التّركية لغة رسمية، والتّعامل بالعملة التّركية في التجارة.
وكانت حلقة "المشهدية" التي عُرِضَت على شاشة الميادين بتاريخ 10 تشرين الأول/نوفمبر 2019 قد تحدّثت عن المطامع الحقيقية لتركيا في سوريا بشكل وافٍ.
اليوم، وبعد تحرير مدينة حلب بالكامل، انهار هذا المشروع كليّاً إلى غير رجعة. وهذا التحرير العظيم والنصر المبين هو ما وعد به القائد المُنتصِر بشّار حافظ الأسد في 7 كانون الأول/ديسمبر 2016 بقوله: "حلب ستغيّر مجرى المعركة كلياً في كلّ سوريا، وتحريرها يعني فشل المشروع الإقليمي والغربي. مع تحرير كامل حلب، لن يبقى من أوراق الغرب والإرهابيين أوراق حقيقية. تركيا وضعت كلّ ثقلها في المعارك التي دارت في حلب، والرئيس التركي رجب طيب إردوغان وضع كل رهانه على ما جرى هناك".
مع هذا التحرير، وفشل كلّ رهانات الدول الـ89 التي حاربت سوريا على امتداد نحو 9 سنوات بكلّ الأشكال وعلى كلّ المستويات، سيستكمل الجيش العربي السوري وحلفاؤه تحرير ما تبقّى من تراب الجمهورية العربية السورية الطّاهر، وخصوصاً معركة إدلب الاستراتيجية، البؤرة الإرهابية الكُبرى، وعاصمة الإرهاب التركية في سوريا، والتي وصفها الرئيس الأسد في شهر تشرين الأول/نوفمبر من العام الماضي بأنّها "المخفر المُتقدّم".
اليوم، ومع استكمال تأمين مدينة محافظة حلب الشهباء، انتهت أحلام الرئيس التّركي، المحتلّ لسوريا، وأوهامه وتخيّلاته إلى أبدِ الآبدين، ومهما صرَّح إردوغان وتوعَّد، فذلك لن يُجدي نفعاً.
وليشهد التاريخ أنّ دماء شهداء سوريا وجراح جرحاها، وخصوصاً الذين استهدفهم الاحتلال التركي، ستكون حتماً أساساً في قلب موازين القوى في الشرق الأوسط، وخصوصاً المشاريع التركية العثمانية.
هذا الانتصار والتحرير لا يمكن أن يُهدَى إلا لروح القائدين قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس، فهما مَن قادا ميدانياً، مع قادة سوريا ومحور المقاومة، هذه المسيرة العظيمة.
والخير في ما حصل أنّ هذا الحدث المبارك جاء في ذكرى أربعينيّتهم وذكرى القادة الشهداء لمحور المقاومة، ليكون النصر نصرين، والمسير واحداً لا تراجع عنه: "نهج المقاومة.. صبر ساعة.. نصر أو استشهاد".