"لسنا كورونا".. الميديا الغربية أداة للعنصرية ضد الصينيين؟
أن تتحوّل مأساة شعب إلى نكتة هو أمر مستغرب، بالأخص عندما ينتقدهم عدد ممن يناصرون الحملات الحقوقية وحملات الرفق بالحيوان، فقد رأينا أناساً يبكون على حيوانات أوستراليا على إثر الحرائق أكثر من تأثرهم بموت المئات في الصين.
أمام كلّ حدث إعلامي، تتحول الرقعة الافتراضية إلى ساحة لإدلاء الآراء، فارضة على روّاد مواقع التواصل تحديد موقفهم من هذا الحدث. فترغّبهم المشاركات الجماعيّة بأن يدلوا بآرائهم ومواقفهم منه. قد يبدو ذلك روتينياً، لكن هذه الآراء هي جزء من حملة أو "جوقة" افتراضية تحمل خلفيات فكريّة معيّنة.
أقرب مثال على ذلك هو ما يحدث اليوم في الصين، البلد الذي تحوّل إلى "ترند" عالمي بسبب تفشّي فايروس "كورونا"، الذي لم ينل فقط من الأمن الصحي الصيني بل ضرب اقتصاده أيضاً.
إذا أردنا وصف ردّ فعل بعض النّاشطين العرب مما يحدث في الصين، فنجده صدىً للبروباغندا الغربيّة. بداية من طريقة التعاطي مع الصينيين وانتشارهم حول العالم. منذ أيام، نشرت وسائل إعلام لبنانية عن وجود إصابات بالكورونا على متن سفينة تحمل على متنها صينيين، ومتجة نحو لبنان، وشكلت هلعاً في لبنان استدعى تطمينات من وزير الصحة، سرعان ما اتضح أن من أطلق الخبر المغلوط معروف بتوجهاته العدائية للسياسات الصينيّة.
ينتهج عدد من وسائل الإعلام الغربية اليوم حملات تحمل أدبيات لشيطنة الصين واستغلال أزمتها. نجد مثلاً ما نشرته مجلة "ديرشبيغل" الألمانية بعنوان "فيروس كورونا: صنع في الصين". وأيضاً التوجه في الكثير من البلدان لتفادي الاحتكاك مع أصحاب البشرة الصفراء حتى لو كانوا من السكان المقيمين، إلى درجة دفعت ببعض الصينيين إلى إطلاق حملات بعنوان "لسنا كورونا"!
أن تتحوّل مأساة شعب إلى نكتة هو أمر مستغرب، بالأخص عندما ينتقدهم عدد ممن يناصرون الحملات الحقوقية وحملات الرفق بالحيوان، فقد رأينا أناساً يبكون على حيوانات أوستراليا على إثر الحرائق أكثر من تأثرهم بموت المئات في الصين.
وأيضاً هناك من اعتمد الحياد السلبي، هذا الأداء الذي يفرغ منتهجه من أي هدف ومضمون فعّال للتغيير، ليصبح فعل التضامن غير ذي فاعليّة. هذه الممارسات لا تبني شعوباً ذات مبادئ ولا شعوراً إنسانياً، فالإنسانية ليست فعلاً انتقائياً يتحرك بحسب أهوائنا، بل هي محرك ضروري لأي بناء مجتمعي متين، ويجب أن يمثل رافعة لتكوين الهوية الفكرية والثقافية الحقيقية التي تضع الإصبع على الجرح، والتي تمقت الحياد المغطّى بلبوس الإنسانية.
وكون الصين بلد خارج عن منظومة الهيمنة ومناوئ لها، فلا يمكن أخذ مآسيه بتلك الجدية والحس المرهفين، هكذا انعكس أداء عدد من رواد مواقع التواصل في طريقة التعاطي مع إصابة المئات بـ"كورونا". أوبئة الصين القاتلة تبدو مادة غنية للتنكيت العنصري، فربما خبر وفاة أكثر من 500 صيني من أصل 1.5 مليار نسمة يبدو تافهاً وغير مثير.
ربما نجحت الميديا الغربية في تسليع المآسي وجعل الناشط العربي معتاداً على فكرة الموت. لم يعد يعنيه "من يقتلنا" ولا تهمه أسباب هذا الموت ولماذا هو مقدر له، فالموت هنا لا يقال عنه "صنع في إسرائيل" أو في الولايات المتحدة.
في المقابل، إن النموذج الصيني الصاعد في طريقة احتوائه للأزمة التي يمرّ بها هو مثال على استقلالية إعلامية واقتصادية لا مثيل لها، فسرعة بنائهم لمستشفى علاج "كورونا" كانت أسرع من انتشار الفيروس نفسه، وبدت الكمامات التي يرتدونها كأنها رمز يعزلهم عن موجات السخرية والبروباغندا المشبوهة التي تملأ العالم.
الصين اليوم يثبت أن ما يتهدده هو خطر عالمي وأن صورته الاقتصادية التي بناها خلال عقود لن ينال منها وباء عابر. نبقى نحن العرب، نستورد سلعنا من الصين وأفكارنا وعواطفنا من الغرب، لا نملك لأنفسنا شيئاً سوى التبعية والإستهلاك. إن أكثر ما يجب أن يثير سخريتنا هو واقعنا.