الفاسِد سيَّد الغباء والإرهابي الأول
مَن يعلّق قنديله خارج المنزل لسوف يرى اللصوص ومن يكتف بقنديل داخلي فقط سوف يحمي اللصوص ويوكل لأجنحة الليل بوصولهم إليه وسرقته.
لن أذهب إلى الصراع مع عدو فرضه الجهل العربي والخبث الغربي من دون مواجهة عقلية شاملة غير مُجتزِئة. هناك مَن تستنفر المشكلة انفعالاته ويقتحمها وهو معصوب العينين فتزداد المشكلة إشكالاً وتعقيداً لأنه وقع أسير المشكلة لا مُحرّراً وفاتحاً لها.
إنني على يقين بأن الكاتب هو طبيب الفكر واسمه الحقيقي ومهنته الحقيقية "طبيب الفكر"، ولهذا لا تستلّ قلمك سيفاً بل شمساً، فنحن في إقليم تقبض عليه الظلمة وتحتله التناقضات العميقة وتستبيحه الجهالة وتحارب أمجاده أباطرة الخبث وجيوش الضياع.
نحن لسنا وحدنا بل نسير مع العميان ومع أولئك المُقيّدة أرواحهم والمخطوفة عقولهم.
لو أن في الحرب على سوريا جبهة واحدة لما استطالت الحرب كل هذا الزمن، ولهذا سوف نبحث عن جبهة يرابط عليها السوريون في مواجهة عدو أشدّ خطراً وإرهاباً من الإرهاب الدموي نفسه، حيث أننا سوف نعرف هذا الإرهاب ونفسّر تأثيره في إشتباك ضوئي يظهر لنا جزءاً من حقيقة ما يُسمّى الفساد.
ففي هذه الحرب جبهات عدّة تبدأ من الجبهة العسكرية وتنتهي على الجبهة الذاتية التي يحارب فيها الإنسان السوري السوي الإرهاب القومي (الفساد)، ومن السطحية أن ننظر إلى أن الأمن القومي مقترن بتحوّلات وأحداث أمنية خارجية وداخلية فقط، بل هو يبدأ من الفكر الذي يعتنقه العنصر الواحد أو الكل، ولهذا سوف أتحدّث عن الرديف الخفّي للإرهاب الدموي وهو الإرهاب الفكري الوظيفي ويدعى الفساد، وهو مُسمّى مختصر لظاهر الفعل القذر وليس باطنه الذي يمارسه الجاهل في فَهْم وجود الدولة، فهو يتمثل بداية في حال من الغباء تستفحل في عقله الموبوء بالظلمة، وقبل أن ننعت المُستغلّ لوظيفته بالسارِق أو الفاسِد، نعرّفه على أنه عنصر في منظومة الإرهاب الفكري الوجودي، لأنه المؤذي الأكبر لوجود الأمّة كما أنه اليوم يمثل العدو الأخطر والأول والحقيقي للمُحارِب السوري المقاوِم في مواقعه المدنية والعسكرية، وهما الشقان اللذان أبقيا على سوريا موجودة على الخارطة على عكس مَن يستميتون في محوها وهم مَن لا يعرفون اليوم لماذا يحارب هؤلاء الفرسان ويظنون بأنهم يردّون اعتداء الإرهاب العالمي الرسمي وغير الرسمي فقط، بل إنهم يقومون بمحاربة إرث الفساد المنظّم من قِبَل مردة الفشل الأخلاقي والعقلي، والدليل وجود عبدالحليم خدام ومناف طلاس وأمثالهما في مقدّمة ما يدعى زوراً معارضة سورية.
الفاسِد شخص غبّي مهما حصل على شهادات الدراسات العليا. نحن في مواجهة مع الأغبياء اجتماعياً ووجودياً، أي قومياً. والوعي العقلي الوجودي غير متعلّق بالتحصيل العلمي فقط بل هو يؤسَّس على الفطرة السليمة في أغلب الأحيان ولهذا قد يكون "الداعشي" حاصلاً على دكتوراه وكذلك السوري المقاوِم، ولكن الفارِق هو العقل التقي والفطرة النقيّة.
هناك مَن يطمس الموقع بالواسطة فيقدّم محدود القدرات الإبداعية على العقل المُبدِع، وهو بهذا منظّم للفساد وهذه أقصى درجات الغباء في فَهْم إدارة الدولة وحماية الأمّة. فهو يقضي على مسافات الأمان التي سيعبر من خلالها إلى المستقبل القريب والبعيد. مَن لا يستطيع فَهْم ارتباط الوجود القومي بذاته الوظيفية بعيداً عن الشعارات هو عنصر غارِق في الشهوات لا يستطيع أن يكون أكثر من كائن يشبه الإنسان ولكنه ليس إنساناً، بل هو عنصر أساسي في جيش الدمار الداخلي الذي يفسح المجال لجيوش الخارج بالولوج إلى موطنه بعيداً عن نوايا العدو وما يريده. هناك جيش في الداخل يقترن مع جيوش أعداء سوريا وأعداء الفكر المقاوِم للذلّ والعار.
إن تحرير الأمَّة من الإحتلال المعروف "فساداً" واجب كل سوري، وبداية فأنت مثلاً محرَّر من الفساد عندما تلتزم بعدم رمي أعقاب السجائر وفوارِغ المشروبات على أطراف الشوارع والأرصفة. من تلك النقاط الضئيلة تستعر روح التحرير.
إن تحرير الدولة من الفساد يحتاج إلى جيش من الوعي الجماهيري لأجل إغلاق كل ثغرة يتسلّل منها الفاسِد. الشعب مشارك في جعل الفساد آلية واقعية أو جعلها منظومة إدارية نهائية في مؤسَّسات الدولة. كلمة السر لدى الشعب.
في الحالات الإسعافية القصوى لم ينتظر الرئيس بشار الأسد إسعافات الحكومة تجاه جرحى وشهداء المؤسّسة العسكرية، فقدّم خمسين بالمئة من الوظائف في الدولة لذوي الشهداء والجرحى، وهناك الكثير من القرارات الرئاسية التي صنعتها عقلية الأسد الإجتماعية الإدارية رغم انشغاله في إدارة حرب لم تشهدها البشرية من ذي قبل.
نحن لسنا بحاجة لمَن ينتظر القرارات وإلى أن نصفّق لمُحرّرها من قادة الفساد، بل يجب أن نكون مع المحرّر، أن نطبّق على أنفسنا ما نودّ رؤيته لدى الآخر. هنا فقط تكون الإرادة العميقة محقّقة لما نتمنّاه. الفساد لا يحارَب بالشتائم والنحيب والنقد، إنما يحارَب الفساد أولاً عبر معرفته ولماذا تتعاظم قُدرته. السبب ليس فقط تغييب القوانين بل في تغييب أسبابه العميقة التي نظنّها لدى الحكومات فقط إنما هي لدينا عندما نظنّ بأن الفساد ينمو هناك فقط حيث الحكومة.
الحلول لن تنبت من الأرض ولن تنزل من العلياء. الحلول في أنفسنا ومنها. إن الفرسان الذين ضحّوا بدمائهم وأرواحهم لم يذهبوا إلى مواجهة الحرب دفاعاً عن تعاظم مملكة الفساد التي بنت حجارتها أنانية الإنسان وشهواته الضارية ونظرته التي لا تستطيع أن تفارق العجز وتجتاز الإنتماء الضيّق إلى الإنتماء الأعظم إلى الأمّة، بل ذهبوا إلى تعظيم الأمّة كي يدافعوا عن عَظَمة أمّتهم وعظمائها لا عن الأغبياء الذين يعتقدون بأن الوطن مبنى تجاري.
إن بحث الإنسان عن ذاته مادياً خوفاً عليها من الذلّ هو الذلّ بعينه. هناك مَن يظّن بأن تحصين طائفته أو إنتمائه العرقي يكمن في التحصين المباشر على حساب الأمّة إلا أنه العامل الأول لضرب وجوده، إذ أن حدود أمان وجودك ترتبط مع الأبعاد لا بالتطويق والإنحسار والإبعاد، إنما هي مسافات الأمان التي ترسمها أفكار العقلاء على الأرض وتجعلك تدرك بأنه لا قوّة لك إلا بقوّة الأمّة وقوّة الدولة، لأن الضمور بالمساحة الضيّقة جغرافياً أو فكرياً هو سعي نحو الفناء. فمَن يعلّق قنديله خارج المنزل لسوف يرى اللصوص ومن يكتف بقنديل داخلي فقط سوف يحمي اللصوص ويوكل لأجنحة الليل بوصولهم إليه وسرقته وهنا تكمن الفكرة لمَن عقل الوجود ومعنى قيامة الأمّة.