في عِلم نفس الجمهور: كلهم سليماني ولا أحد منهم ترامب!

ردود فعل الجمهور على اغتيال الفريق قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس اختلفت ما بين جمهور محور المقاومة والشعب الأميركي على وسائل التواصل الإجتماعية، ورصد هذا الإختلاف يعكس ما يدور في لاوعي الجمهورين، وبحسب الطبيب والفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه "سيكولوجية الجماهير" فإن ردود الفعل هذه تتأثر بالعقائد والقوانين.

  • في عِلم نفس الجمهور: كلهم سليماني ولا أحد منهم ترامب!
    حادثة الاغتيال أظهرت أن إيران في لاوعي الشعب الأميركي دولة قوية قادرة على مُجابهة أميركا عسكرياً

لا شك أن اغتيال القائدين الفريق قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس من قِبَل الولايات المتحدة الأميركية شكّل صدمة لجمهور المقاومة في مختلف الدول. لكن الواقع أن استشهاد شخصية بموقع قائد "قوّة القدس" ودوره ليس مفاجئاً، فبعيداً عن الناحية الروحية والعقائدية، الفريق سليماني كان دائماً عُرضة للإصابة أو الشهادة لأنه كان رجلاً ميدانياً يسير أمام المجموعات والفِرَق ويجوب في ما بينها، لم يكن مُتخفّياً إنما كان دائماً في المناطق التي يكسوها الضوء نهاراً، إضافة إلى أنه كان يسافر بصفته الدبلوماسية من دون أيّ تردّد، لذلك فإنه من الطبيعي سيرحل يوماً، ولكن الذي شكّل الصدمة هي الطريقة التي نُفِّذت فيها جريمة الاغتيال.

ردود أفعال الجماهير عبر وسائل التواصُل الإجتماعي توضَّح مدى تأثّرها بهذا الاغتيال، حيث تركت هذه الحادثة أثراً معنوياً عاطفياً لدى نسبة عالية من جمهور المقاومة، ولم تتأخَّر المنشورات والتغريدات التي تظهر الحزن على رحيل سليماني، في الوقت نفسه تحوَّل هذا الحزن إلى قوَّة تجدّد الطاقة تجاه القضية التي عاش من أجلها الفريق سليماني. انتشرت الوسوم مثل #قاسم سليماني شهيد #الرد الحتمي و#انتقاميسخت وغيرها، وكثر الحديث عن أن الرد على اغتيال سيلماني سيكون تحرير القدس وهي القضية الأبرز في حياة سليماني العسكرية. 

في الجهة المقابلة، انتشر في الولايات المتحدة الأميركية وَسْم "WWIII" والذي يشير إلى الحرب العالمية "الثالثة" حيث كان من بين أكثر الوسوم رواجاً لدى الشعب الأميركي، الذي ربما لم يكن أو لم يسمع جزءٌ منه بقاسم سليماني، إنما جلّ ما عرفوه أن رئيسهم اتخذ قراراً باغتيال شخص مهم بالنسبة إلى إيران.

حادثة الاغتيال أظهرت أن إيران في لاوعي الشعب الأميركي دولة قوية قادرة على مُجابهة أميركا عسكرياً، فمعظم المنشورات تحت هذا الوَسْم كانت ساخِرة تشير إلى الهرب من التجنيد الإجباري وتفادي الحرب والخوف من وقوعها، أما في منطقة غرب آسيا فإن فئة كبيرة من المؤيّدين لمحور المقاومة في العراق، فلسطين، إيران ، لبنان وسوريا ظهروا على أنهم آلاف مُجنَّدة فداء لقضية سليماني وقادة المواجهة مع واشنطن.

يتحدّث الطبيب، المؤرِّخ والفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه "سيكولوجية الجماهير" أي عِلم نفس الجماهير عن تأثير العقائد والقوانين التي تعيشها مجموعة معيّنة لمدّة طويلة، وهذا الأمر ما يُفسِّر اختلاف ردّة الفعل ما بين جمهور المقاومة والجمهور الأميركي، حيث تربّى جمهور المقاومة منذ صِغره على مبادئ منها المقاومة لأن طبيعة المنطقة التاريخية معروفة بالمقاومة، إضافة إلى أن فئة كبيرة من هذا الجمهور تُعيد تاريخها إلى 1400 سنة تحديداً إلى الحسين بن علي وقصته في المُضيّ نحو كربلاء، بينما يعود تاريخ أميركا إلى ثلاثة قرون فقط حيث تم تأسيسها عام 1783، أي أن تاريخ الجمهور الأول مع الحروب والمقاومة من أجل البقاء والاستمرار والتحرّر أطول من تاريخ الجمهور الأميركي. يقول لوبون في كتابه إنه لا يمكن التّأثير على الشعب الغربي بنفس الطريقة الّتي يتمّ التّأثير بها على الشعب العربي، وهي نقطة مهمّة تشرح فشل عدّة محاولة لتطبيق الطريقة الغربية على العرب في مجالات عدّة. 

هناك عدّة خصائص لدى الجمهور بحسب لوبون ومنها تلاشي شخصية الفرد والتحوّل من الذات فردية إلى الذات جماعية،  فالفرد حينما يصبح جزءاً من جمهور يتحمَّس لأفكارٍ بسيطة نتيجة التحريض من خلال الفعل الجماعي والعدوى للعواطف والأفكار، وقد يفعل أموراً لا يمكن أن يفعلها إن كان وحيداً، كالتضحية في سبيل الهدف من دون خوف من الموت، وهذا هو الفرق بين جمهور المقاومة والجمهور الأميركي، فبعد اغتيال سليماني تحوَّل كل شخص في جمهور المقاومة إلى سليماني، أما الجمهور الأميركي فإنه لم يقف في صفّ ترامب واعتبر أن ترامب يأخذه إلى الهاوية حتى لو كان التعبير عن طريق السُخرية، أما الجمهور المؤيّد للمقاومة فاعتبر أن القرار بأخذ قائده يمسّه فردياً وجماعياً. 
العقائد الدينية ليست فقط دينية أي أنها تخصّ ديناً معيناً، ففي كتاب "عِلم نفس الجماهير" تحدَّث لوبون عما سمَّاه "العاطفة الدينية"، والدين بالنسبة إليه قد يكون بطلاً أو فكرةً سياسية تسيطر على الجماهير. بهذا المعنى "الدين" بالنسبة إلى جمهور المقاومة بات يعني اليوم سليماني وقادة هذا المحور، وهم مقتنعون تماماً بكل الحجج والبراهين التي تدفعهم إلى السير خلف قادتهم. أما عن الجمهور الأميركي فإن ترامب يفرض عليهم خيارات هم لا يريدونها بحسب ما ظهر على وسائل التواصل الإجتماعي من ردود فعل، من دون تقديم أية حجج أو إثباتات على كلامه مثل أن سليماني قتلَ العديد من الأميركيين. ويكمل لوبون في هذا الخصوص إن هذه العاطفة تمتلك قوّةً مُخيفة تجعل الجماهير تخضع لها، فتمضي بعزمٍ لحماية تلك العاطفة كما تعتبر كل مَن يرفضها عدواً، من هنا يرفض جمهور المقاومة أميركا. 
  
تحوَّلت وسائل التواصل إلى مساحة تخوّل علماء النفس وغيرهم من المُختصّين بدراسة المجتمعات والإعلام إلى البحث عن العيّنات التي يريدونها، ومازالوا حتى اليوم يعتمدون كثيراً على النظريات التي قدَّمها لوبون في كتابه، وإذا أردنا اختصار الواقع حالياً، فإن الجمهور كله سليماني ولا أحد منهم ترامب.

الولايات المتحدة تغتال قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ونائب هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، وتأكيدات من إيران والعراق ومحور المقاومة بأن الرد حتمي.