الديمقراطية في تونس والخوف من الاغتيال

المرشح قيس سعيّد شخصية قد تبدو غامضة عند البعض لكنها شخصية صارمة في الواقع حسبما يبدو، تتمتع بمواصفات الرجل المثقف الواعي بما يجري حوله، له نظرة خاصة للحكم بعيداً عن التجاذبات السياسية الحزبية في تونس.

المرشح قيس سعيّد يبقى في مقدمة المرشحين المحبوبين عند التونسيين

لا تستهوي المرشح قيس سعيد الأحزاب أيّاً كان نوعها بيسارها ويمينها وإسلامها، لا يرى تونس إلا من زاوية واحدة وهي الزاوية التي رسمها في ذهنه ويريد تطبيقها بعيدا عن الضجيج الإعلامي المعروف، قد تكون غامضة كما قلتُ عند البعض لأن حملته الانتخابية اتسمت بالبساطة غير المعهودة في العالم، ولم يسع إلى من يموله ماديا وماليا وإعلاميا، وإنما ترك ذلك للشعب التونسي أن يختار بكامل حريته من يريد، واختار فعلا ذلك الرجل المتواضع في حملته والذي لم يظهر كثيرا في الإعلام التونسي الذي روّج أكثر ما روّج لمترشحين نافذين في الدولة كعبد الكريم الزبيدي ويوسف الشاهد وعبد الفتاح مورو وغيرهم ممن لم يحصلوا على أصوات كافية رغم ظهورهم المتكرر في الإعلام المقروء والمسموع والمكتوب.

ولم يكن مفاجئاً أن تخسر النهضة هذه المرة كرسي الرئاسة مبكراً رغم ترشيحها أهم شخصية فيها، وذلك لأن الشعب التونسي قد سئم المساومات السياسية وملّ من الوعود النهضوية ولم يعد يثق بهذا الحزب الذي ظل يناور طوال تسع سنوات من أجل بقائه في الحكم ومقاومته التيار اليساري الذي يملك أدوات الإعلام، وبالتالي حبست النهضة أنفاسها عندما رأت أن الشعب التونسي قد عاقبها هذه المرة وما عليها إلا أن تغير سياستها وتظهر بالشكل الذي يريده الشعب منها وليس كما تريده هي، وتخضع لإرادة الشعب الذي انتخبها بقوة في عام 2012م وحققت مفاجأة من العيار الثقيل، لكنها اليوم بدأت تدريجيا تذوب، وأخاف أن تضمحلّ يوماً أو تُحلّ إذا بقيت على منهجها وأبقت على سياسة المهادنة التي اتبعتها إبان الاتفاق مع الباجي القايد السبسي، وغيره.

وأمام هذا الإعصار السياسي الذي هزّ تونس أخيراً، يبقى المرشح قيس سعيّد في مقدمة المرشحين المحبوبين عند التونسيين لأنه يتميز بالروح الثورية على الفساد والمفسدين والمدافعة عن حقوق المواطن التونسي البسيط، وعن ثروات تونس المنهوبة من كل الجهات من الداخل والخارج.

هذه هي الحقيقة التي يحاول الآخرون طمسها سواء في الداخل ويمثلهم الطامعون والجشعون وأصحاب رؤوس الأموال وبعض التيارات السياسية، وفي الخارج ويمثلهم السارقون لثروات تونس كفرنسا وإيطاليا وبريطانيا وحتى أميركا، فهؤلاء سخّروا إعلامهم بكافة قنواته للطعن في شخصية قيس سعيد وبدأوا يبحثون عن نقاط ينفذون منها لتعرية الوجه السيىء فيه، فبدأوا يتحدثون عن قيس المحافظ والميّال لحركة النهضة والصارم الذي لا يبتسم، ومهاجم الأحزاب والإعلام.

يريدون أن يقولوا إنه شخصية دينية متطرفة لا يصلح أن يكون رئيساً، وكيف يكون رئيساً لا ينتمي إلى حزب ولا يتعامل مع أي حزب، والحال أن البرلمان التونسي مكوّن من أحزاب، وسيحكم تونس في المستقبل رجل يكون من الأغلبية من البرلمانية ووزراء من أحزاب متعددة؟

كل ذلك حصل وما زال يحصل، لاغتياله سياسياً، في وقت كان فيه الإعلام "القروي" يروج للمرشح الثاني القابع في السجن بتهمة تبييض أموال ويعتبره مظلوماً وعلى الحكومة التونسية ووزارة العدل الإفراج عنه حتى يحصل على حقه في الترويج لحملته الانتخابية ومنافسة قيس سعيد. وفي الحقيقة هم يريدون التشويش على حملة سعيد حتى تهتز من الداخل، ويخسر  عدداً من معجبيه ومؤيديه ومريديه، لكن قد تتغير المعادلة تماماً في الأيام المقبلة وقد نشهد تطورات قد تكون خطيرة، ولا أتشاءم كثيراً وإنما أقول ربما يحدث ما لا تحمد عقباه عند صمود قيس سعيد في سباق الرئاسة، وتبدو سيناريوهات الحكم القادم في تونس غامضة، فقد تُقدم المافيا أو اليد الحمراء على اغتياله جسدياً بمباركة أجنبية كما فعلت بالشهيد فرحات حشاد والشهيد صالح بن يوسف الثوريين المعروفين على السارقين والناهبين، وقد يُجمّد سياسيّاً، بأن تتحد بعض الكتل السياسية وتشكّل الحكومة المقبلة وتحدّ حركته طوال 5 سنوات وتعارض سياساته وقراراته وتحبطها وقد تسعى إلى إقالته تحت أية ذريعة من الذرائع.