حكومة إيطالية جديدة من دون اليمين المُتطرّف

بالرغم من أنّ الأحزاب اليمينية بدأت بإعداد تجمّعات على هيئة حملات انتخابية في كل المدن الإيطالية، فإنّ صورة ماتيو سالفيني رأس اليمينية الإيطالية، قد تضعضعت كثيراً أمام الرأي العام بعد هذه الأزمة المُفتعلة.

رئيس الوزراء الايطالي جوزيبي كونتي في مؤتمر صحفي مع الرئيس الفرنسي ايموانيل ماكرون أمس / أ.ف.ب

بعد مرور شهر تقريباً على بدء الأزمة الحكومية في إيطاليا، استطاعت الحكومة الجديدة نَيْل ثقة مجلسيّ النواب والشيوخ يوميّ 9 و10 أيلول سبتمبر 2019، بعد عرض برنامجها على المجلسين والاستماع إلى تعليقات النواب الموجودين، التي كانت حامية جداً لشدّة التباعُد بين جميع الأحزاب، في داخل القاعة وخارجها.

الحكومة الجديدة التي يترأّسها جوزبي كونتي للمرة الثانية على التوالي مُرشّحاً هذه المرة من قِبَل رئيس الجمهورية سيرجيو متاريلا، جاءت بالتوافق داخلياً بين أحزاب التحالف الجديد الذي يتكوّن من حراك خمسة نجوم والحزب الديمقراطي (اليساري الوسطي) والحزب الجديد (أحرار ومتساوون). أما خارجياً فكان للتعاون الأوروبي ولتغريدة ترامب أثر على تحديد الشخصية. هذا الأمر لم يكن في حسبان الأحزاب اليمينية المُتطرّفة التي كانت تسعى إلى انتخاباتٍ عاجلةٍ وخصوصاً مُفتعِل الأزمة في الحكومة السابقة، وهو رئيس حزب الرابطة ماتيو سالفيني، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الحكومة ووزير الداخلية معاً.

ترامب على الخط

شكّلت قمّة الـ G7 التي عُقِدَت من 24 إلى 26 من شهر أغسطس آب الماضي في فرنسا، أي بعد تقديم استقالة رئيس الحكومة بأيامٍ قليلة، فرصة ذهبية لرئيس الحكومة جوزبي كونتي المدعوم والمُرشّح من قِبَل الحراك، للقاء الأطراف الأوروبية الأساس في الاتحاد، كفرنسا وألمانيا. والأهم هو لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي سارع إلى نشر تغريدة له على تويتر بعد انعقاد القمّة، يمدح ويشجّع فيها على إبقاء جوزبي كونتي في رئاسة الحكومة المقبلة.

حتى لو أنّ الرئيس الأميركي لم يكتب إسم رئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي بالشكل الصحيح في تغريدته والتي أعاد وصحّحها، ولكن الرسالة وصلت سريعاً إلى أصحابها في إيطاليا، وخصوصاً إلى الذي كان يُعدّ نفسه حليفاً مُميّزاً لأميركا، ماتيو سالفيني، الذي كان يعوّل على صداقته بالرئيس ترامب شخصياً.

على الأرجح أن جوزيبي كونتي رئيس الحكومة الإيطالية أطلع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على مدى علاقة ماتيو سالفيني وحزبه مع الدولة الروسية وعلى الملفات المالية المتعلّقة بهذا الأمر. هذه القضية أثارت مؤخّراً ضجّة إعلامية في إيطاليا.

وذكر موقع سبوتنيك (Sputnik) نقلاً عن وزير الخارجية الروسي، أنه وفي 30 آب أغسطس 2019 تمّ توقيف واعتقال مدير تطوير الأعمال في شركة (United Engine Corporation) UEC، الروسي ألكسندر كورشونوف بناءً على طلب اعتقال صادر من الولايات المتحدة الأميركية، وقد تمّ توقيفه في مطار نابولي في جنوب إيطاليا.

تشكيلة الحكومة الجديدة

تضمّ هذه الحكومة 21 وزيراً ووزيرة، بينهم 7 سيّدات. 10 وزراء للحزب الديمقراطي من بينهم وزير عن حزب (أحرار ومتساوون) وهو أحد أهم المُنشقّين عن الحزب الديمقراطي والمؤسّسين لحزب أحرار ومتساوون. وكون الحزب الديمقراطي هو الأقرب إلى الاتحاد الأوروبي فكانت من حصّته وزارة الاقتصاد، والشؤون الأوروبية والدفاع. الوزارات ال 10 الباقية كانت من حصّة حراك خمسة نجوم وأهمّها وزارة الخارجية والتعاون الدولي، القضاء والعمل.

أمّا الوزير الواحد والعشرون فتمّ اختياره كوزيرٍ تقني لشغل منصب وزير الداخلية مكان ماتيو سالفيني، هي السيّدة لوشّانا لامورغيزي، (محامية شغلت منصب محافظ مدينة ميلان في العام 2017، وشغلت منصب كمستشارة للدولة وكانت على رئاسة المجالس الوزارية المُصغّرة مع وزراء سابقين)، والتي ستكون في واجهة قضية الزوارق القادمة من البحر، ومسألة فتح المرافق الإيطالية للسفن التابعة لمنظمات (ONG) غير الحكومية.

الحزب الديمقراطي بتحالفه مع حراك خمسة نجوم أمكنه سحب الأكثرية النيابية من حزب الرابطة لماتيو سالفيني، أي فعلياً عزل اليمين المُتطرّف عن الحُكم. ومن جهةٍ أخرى كون شعبيته كانت في تراجعٍ شديد، قد رحم نفسه بعدم الذهاب إلى انتخاباتٍ مُبكرةٍ تُخسِره مقاعد أكثر. حتى أنه اكتسب مقعد مفوض الشؤون الأوروبية، التي أتت تسميته من قِبَل الحزب الديمقراطي.

في ما يخصّ حراك خمسة نجوم، في حال حصول انتخابات مُبكِرة لم يكن ليكون في أفضل أحواله، خصوصاً بعد تراجع شعبيته على إثر التحالف الأول مع حزب الرابطة المُتطرّف. فلذلك قام بإجراء تصويت عاجل للمُنتمين إليه عبر منصّته الالكترونية، طارحاً خيار شخصية وقرار جوزبي كونتي. هذا التصويب السريع، حصل على 80.000 مصوّت، بينهم 20% قالوا كلا، و80% نعم، ومع صدور هذه النتائج تمّ القبول نهائياً بالتحالف الجديد.

بالرغم من أنّ الأحزاب اليمينية بدأت بإعداد تجمّعات على هيئة حملات انتخابية في كل المدن الإيطالية، فإنّ صورة ماتيو سالفيني رأس اليمينية الإيطالية، قد تضعضعت كثيراً أمام الرأي العام بعد هذه الأزمة المُفتعلة.

الآن ومع هذه الحكومة الجديدة التي لا يعوّل عليها كثيراً خصوصاً على استمراريتها، وذلك لتباعُد وجهات النظر بين الطرفين الرئيسين، سيعمل كل منهما جاهداً لكي يتمكّن من إعطاء صورة مُغايرة للحُكم أمام الرأي العام الإيطالي، وذلك تحسّباً من وقوع خلافٍ بينهما والعودة إلى انتخاباتٍ مُبكرة، ستمهّد في حال حصلت لسيطرة الأحزاب اليمينية المُتطرّفة بشكلٍ أوسع هذه المرة ومع نيّة عَزْل الأحزاب المُنافسة لها.