مصير الاتفاق النووي بعد الانتخابات الإيرانية

من جهة الولايات المتحدة قد يكون من الأفضل للإدارة الجديدة أن تصل إلى اتفاق خلال الأسابيع المقبلة، قبل تسلّم رئيسي السلطة.

  • من المؤكد أنّ ما لم تستطع أن تحصل عليه الولايات المتحدة من حكومة روحاني لن تستطيع أن تحصل عليه من حكومة يشكّلها المحافظون.
    من المؤكد أنّ ما لم تستطع أن تحصل عليه الولايات المتحدة من حكومة روحاني لن تستطيع أن تحصل عليه من حكومة يشكّلها المحافظون.

نجحت إيران في تخطّي الانتخابات الرئاسية التي كانت، تقريباً، معروفة النتائج، إذ توقّع الجميع أن يفوز السيد إبراهيم رئيسي فيها بفارق كبير، بالإضافة إلى أن نسبة المشاركة، وهي الأدنى في تاريخ الجمهورية الإسلامية، كانت متوقَّعة أيضاً، نتيجة عدّة أسباب، منها عدم وجود مرشَّحِين جِدّيين يستطيعون التأثير في وصول رئيسي إلى السلطة، واعتقاد الإيرانيين أن أصواتهم لن تكون ذات تأثير في النتائج.

وفي ظل وصول مُحافِظ إلى السلطة في إيران، تُطرح مسألة العودة إلى الاتفاق النووي، والتفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية. وهنا يُطرح على بساط البحث سيناريوهان:

السيناريو الأول: الوصول إلى اتفاق بين إيران والولايات المتحدة قبل تسلُّم رئيسي السلطة رسمياً، في شهر آب/أغسطس المقبل.

في هذا السيناريو الأول، والذي قد يرغب فيه الأميركيون وحكومة روحاني، على حدّ سواء، يعني أن يقوم المفاوضون الإيرانيون، ومعهم الدول المشاركة في مفاوضات فيينا، بتسريع الاتفاق على رفع العقوبات الأميركية، في مقابل عودة إيران إلى التزام كل مندرجات الاتفاق النووي، والاتفاق على آلية لذلك. 

ويهدف هذا السيناريو إلى التخلُّص من الإشكاليات المرتبطة بتغيير الوفد المفاوض، والمقاربة الإيرانية "المُحافِظة" والجديدة، والتي ستكون أكثر تشدُّداً في قبول الشروط الأميركية. وذلك سيؤدي إلى إطالة أمد المفاوضات، والدخول في مراوحة، من الأفضل تجنُّبُها.

من جهة الولايات المتحدة الأميركية، قد يكون من الأفضل للإدارة الجديدة أن تصل إلى اتفاق خلال الأسابيع المقبلة، قبل تسلّم رئيسي السلطة، والمجيء بوفد تفاوضي جديد، الأمر الذي يُعَقِّد مسألة التفاوض، كأنها سوف تبدأ من نقطة البداية، مع ما يعني هذا من تأجيل وتفاوض بشروط مضادّة جديدة، هي في غنىً عنها. 

تحتاج الإدارة الأميركية الجديدة إلى أن تحقِّق اتفاقاً مع إيران، وتُقِيم ترتيبات مفترَضة في الشرق الأوسط، لتتفرَّغ لبرنامجها الهادف إلى احتواء الصين. وهذا يعني أن تُعَطِّل على الصين إمكان المنافسة في منطقة حيوية جديدة. ولقد بات تحقيق الاستقرار النسبيّ في الشرق الاوسط أكثر إمكاناً، في ظل خروج نتنياهو من السلطة في "إسرائيل".

السيناريو الثاني: عدم الوصول إلى اتّفاق، واستكمال التفاوض بعد تسلُّم رئيسي السلطة.

هذا السيناريو يبقى مطروحاً، ولا يعني عدم القدرة على الوصول إلى اتفاق بعد شهر آب/أغسطس المقبل، موعد تسلّم رئيسي السلطة قانونياً.

وبالرغم من أنّ السيد رئيسي وضع نُصبَ عينيه حلَّ المسألة الاقتصادية الداخلية، والوصول إلى الاقتدار الداخلي والاكتفاء، فإن تحقيق هذا الهدف يرتبط، إلى حدٍّ بعيد، بإعادة إحياء الاتفاق النووي، والتخلُّص من العقوبات المفروضة على إيران. كما أن نجاحه في الداخل، وتحقيق الاستقرار والرفاه الاقتصادي، سيعزِّزان فرصه في أن يكون الوريث الفعلي للسيد علي خامنئي، في منصب المرشد الإيراني.

علماً بأن السيد إبراهيم رئيسي، أو أي رئيس آخر، لم يعد يستطيع التراجع عن الاتفاق النووي، إذ إن السياسة الخارجية، وفقاً للدستور، عادة ما ترتبط بالقائد الأعلى في النظام، فلا يمكن لوزارة الخارجية، أو الحكومة، أن تسير في معاهدة لا تحصل على رضا المرشد الأعلى. وعليه، لا يمكن لأيّ رئيس أن يُبْطِل الاتفاق النووي، ما دام هذا الاتفاق وتطبيقه يحظَيان بموافقة المرشد ومباركته.

وكان رئيسي أعلن، خلال الحملة الانتخابية، أن "الاتفاق النووي، في بنوده التسعة التي نالت موافقة القيادة العليا في إيران كغيره من المعاهدات، يجب الالتزام به، لكنّ تطبيق الاتفاق يحتاج إلى حكومة قوية في الداخل. فالاقتدار الخارجي ينبع من الاقتدار الداخلي". وهذا يعني أن حكومة رئيسي المقبلة لن تتخلّى عن الاتفاق، أو عن المسار التفاوضي، لكنها ستستخدم آليات – تُعتبر في رأيه – أكثر فعاليةً وقوة وصلابة، في التعامل مع "الأعداء". وهو ما قد يُطِيل أمد المفاوضات ويُعَقّدها قبل الوصول إلى اتفاق نهائي مع الولايات المتحدة الأميركية.

بين هذين السيناريوهين، يبقى الأمر رهن الموقف الأميركي، بحيث هناك اتِّجاه جِدّي لدى الدول المفاوِضة، عَبَّر عن كلٌّ من الروس والأميركيين والألمان، ويميل إلى التخلص من التعقيدات التفاوضية مع وفد مفاوض جديد، والمسارعة إلى عقد اتفاق مع الحكومة الإيرانية الحالية، خلال الشهرين المقبلين، لأن إطالة أمد التفاوض لن تُفيد أحداً، وستُعقّد الأمور. فلِمَ لا يتم التوصل إلى اتفاق خلال الأسابيع المقبلة، ما دام أن أيّ اتفاق يتم عقده مع الحكومة الإيرانية الحالية، سيتم الالتزام به من جانب الحكومة الإيرانية المقبلة، عملاً بمبدأ استمرارية السلطة.

وهناك اتجاه آخر، عكسته تصريحات رافائيل غروسي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، والذي اعتبر أن الجميع يدرك أنه يجب انتظار الحكومة الجديدة في إيران. 

بالنتيجة، من المؤكد أنّ ما لم تستطع أن تحصل عليه الولايات المتحدة من حكومة روحاني، المعروفة بتمسّكها بالخِيار التفاوضي والدبلوماسية، لن تستطيع أن تحصل عليه من حكومة يشكّلها المحافظون. فالأفضل أن يتم التوصل إلى اتفاق خلال الأسابيع المقبلة قبل آب/أغسطس المقبل، علماً بأن الانتظار سوف يخلق مشكلات إضافية للولايات المتحدة، متعلّقة بالعقوبات على رئيسي نفسه. لذا، من الأفضل الوصول إلى اتفاق يسمح للإدارة بإزالة العقوبات التي فرضها ترامب على الشخصيات والكيانات الإيرانية، وذلك قبل التعامل مع الحكومة الإيرانية الجديدة لتجنّب الإحراج الداخلي في الولايات المتحدة الأميركية، وخصوصاً مع الجمهوريين في الكونغرس، وفي الإعلام. وهكذا، فإن الوصول إلى اتفاق مع حكومة روحاني يبقى الخيار الأمثل، إلاّ إذا دخل الشيطان في التفاصيل.

استحقاق انتخابي وسياسي مهم تعيشه إيران، مع الانتخابات الرئاسية بتاريخ 18 حزيران/يونيو 2021، والتي ستحدد الرئيس القادم وطبيعة الحراك السياسي في السنوات القادمة داخل إيران وفي علاقاتها الإقليمية والدولية.