القضيّة الفلسطينيّة لا تندثر ولا تموت.. تداعيات هبّة القدس المباركة
أعادت هبّة القدس القضية الفلسطينية إلى الحياة مرة أخرى، على الرغم من جميع المحاولات لوأدها واجتثاثها.
بدأت بشائر الخير تظهر إلى العلن. وما كان همساً تتناقله الدائرة الضيّقة لصناع القرار في المقاومة الفلسطينية المباركة، أصبح أهازيج تتغنّى بها الجماهير على طول فلسطين التاريخية، وفي كلّ أصقاع المعمورة. هذا هو الشعب الفلسطيني الأبي الّذي لا يفرح إلا لسماع أصوات صواريخ المقاومة، وهي تدكّ الأهداف الصهيونية، وتقضّ سكينتها، وتحيلها رعباً وهلعاً، وتنبئها بألا أمان لقطعان المستوطنين والصهاينة في أراضي فلسطين التاريخية.
وعد أشاوس المقاومة وأبطالها وصدقوا الله والناس، وأرهبوا أعداء الله وأعداء الإنسانية، وأعادوا الحياة والمياه إلى مجراها الطبيعي، كما أعادوا القضية الفلسطينية إلى مرحلة المقاومة والكفاح المسلَّح الذي لا يقبل كلّ أبناء الفلسطيني سواها.
ومما لا شكّ فيه أنّ منطقة الشرق الأوسط قبل هبّة القدس المباركة لن تكون نفسها بعدها، فهبة القدس المباركة، هذه المرة، لها تداعيات تختلف في مضامينها عن سابقاتها، ويمكن تلخيصها بالنقاط التالية:
أولاً: أثبتت هبّة القدس المباركة أنَّ عموم الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل، وفي غزة والضفة والشتات، يؤيدون خيار المقاومة. وقد شاهد العالم أجمع مدى فرحة الجماهير عند سماعها صفارات الإنذار في القدس الشريف والمناطق المجاورة له.
ثانياً: أعادت هبّة القدس القضية الفلسطينية إلى الحياة مرة أخرى، على الرغم من جميع المحاولات لوأدها واجتثاثها. لقد عادت هذه القضية القضية المركزية في منطقة الشرق الأوسط.
ثالثاً: جاءت هبّة أبناء شعبنا الأبي في فلسطين المحتلة العام 1948 ومناصرتهم مختلفة عن سابقاتها في حجمها وزخمها وتأييدها، إذ إنها في السابق كانت تقتصر على عدد محدود من الجماهير، وعلى بعض المدن دون غيرها، لكن هذه المرة شهدنا انتفاضة جميع مدن أراضي الداخل المحتل وقراها، لتوجّه رسالة واضحة إلى الإدارة الصهيونية بأن فلسطينيي 1948 سيظلّون جزءاً أصيلاً ومكوناً رئيسياً من مكونات الشعب الفلسطيني. ربما هذه النقطة تعد من أهم تداعيات هبة القدس المباركة.
رابعاً: من المؤكّد أنَّ الإدارات الصهيونية المتعاقبة ستعمد إلى تغيير سياساتها بحق أبناء الشعب الفلسطيني المرابط في الأراضي المحتلة العام 1948، وذلك بعد أن أيقنت بفشل جميع سياساتها في تهوديهم وإلغاء هُويتهم الوطنية. ومن المؤكد أنها ستزيد الإجراءات التعسّفية بحقهم، لتمرّدهم وانتفاضتهم وتأييدهم أشقاءهم في القدس الشريف ومؤازرتهم لهم.
خامساً: لم يعد هناك مجال للحديث عن "صفقة القرن" التي تم وأدها واجتثاثها في مهدها، ومن جذورها، ودخلت مع جميع مؤيديها وجميع الأيادي التي كانت تعمل في الخفاء لإنجاحها إلى مزبلة التاريخ من أوسع أبوابها.
سادساً: وحّدت هبّة القدس المباركة جميع أطياف الشعب الفلسطيني تحت راية المقاومة، وأثبتت أنَّ جميع مكونات الشعب الفلسطيني متمسّك بخيار الكفاح المسلّح وبثوابته التاريخية، ولن يتنازل عن جميع حقوقه، بما فيها حق تحرير جميع أراضيه وحق عودة اللاجئين إلى وطنهم المسلوب.
سابعاً: زادت هبّة القدس المباركة رفض الجماهير الفلسطينية لسياسات السلطة المتخاذلة وتنسيقها الأمني والتطبيعي مع الكيان الصهيوني. ونتيجة لتداعيات الهبّة المباركة، زادت عزلة السلطة الفلسطينيّة التي لم تعد في نهاية المطاف تلقَ أيّ نوع من الاحترام أو الاعتراف من عموم الشعب الفلسطيني.
ثامناً: بعد اختراق الصاروخ السوري القبة الحديدية الصهيونية، شكَّك البعض في قدراتها، وتحدثوا عن عجزها وفشلها. لقد أثبتت صواريخ المقاومة الفلسطينية المباركة، باختراقها القبة الحديدية، بما لا شكّ فيه، فشل نظام الدفاع الصهيوني وعدم نجاعته، لتندثر بذلك أسطورة هذه القبة التي كلّفت الكيان الصهيوني والغرب مئات المليارات من الدولارات.
تاسعاً: وفاء المقاومة الفلسطينية بوعودها وتوجيهها مئات الصواريخ التي طالت العمق الصهيوني، أثبتا جهوزية الأذرع المقاومة، وأظهرا مدى قدرتها على تطوير الأسلحة العسكرية. وبذلك، أضحت قوةً لا يستهان بها، ويحسب لها الكيان الصهيوني ألف حساب.
عاشراً: الحرب سجال وكرٌّ وفر، ويدلّ أداء جموع المصلين الغفيرة اليوم صلاة الصبح في المسجد الأقصى وباحاتها، بعد دحر الجنود الصهاينة وإخلائهم مواقعهم وتقهقر قطعان المستوطنين، على أنَّ الشعب الفلسطيني كسب المرحلة الأهم في الحرب الشعواء الدائرة هناك.
الحادي عشر: الصمود التاريخي لأبطال القدس الشريف أربك جميع الحسابات وخلط جميع الأوراق، وخصوصاً حسابات الأنظمة العربية المطبعة، التي ستجد في نهاية المطاف أنها راهنت على الحصان الخاسر، واتخذت القرار الخاطئ في هرولتها إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني.
الثاني عشر: لن نبكِ شهداءنا وجراحنا، فموعدهم، بمشيئة الحقّ، إحدى الحسنيين؛ إما النصر وإما الجنة. وفي الوقت نفسه، سنلعن ونخاصم أمام الحقّ عز وجل أولئك الذين يحرموننا حق الجهاد والرباط، أسوة بإخواننا في القدس وغزة والضفة.
الثالث عشر: قد يفلح الصّهيوني نتنياهو في إطالة مستقبله السياسي والإفلات لبعض الوقت من شبح السجن الذي ينتظره، جراء تهم الفساد والرشاوى وسوء استخدام السلطات. وقد يفلح في خلط الأوراق في الكيان الصهيوني وتفويت الفرصة على خصومه السياسيين في تشكيل الحكومة، ولكن مما لا شكَّ فيه أنه جلب، بتصعيده العسكري، الويلات للرأي العام الصهيوني، الذي لن تفلح استشاراته الأطباء النفسيين في تخفيف حالات الهلع والرعب التي ستلازمه طول الحياة جراء صواريخ المقاومة.
ختاماً، القضية الفلسطينية، مثل طائر العنقاء، لا تندثر، ولا تموت، وتُبعث من الرماد إلى الحياة المرة تلو الأخرى. وقد جاءت هبّة القدس المباركة لتؤكّد ذلك، ولتبعث رسائل واضحة ملخَّصها أن الشعب الفلسطيني بجميع أطيافه، وفي جميع المناطق التي يتواجد بها، توّاق إلى الشهادة، ويؤيّد خيار المقاومة، ويتمسّك بحقوقه التاريخية، ويرفض سلطة الاحتلال الصهيوني، وسيبقى كذلك حتى يستطيع دحر الغزاة وتحرير جميع أراضيه المحتلة.