روسيا ولبنان: مقاربة أكثر واقعيّة من الأميركيّ والفرنسيّ والمصريّ

عبر المواعيد اللبنانية في موسكو تقول الأخيرة للعالم إنها قوة عظمى تتواصل مع جميع الأفرقاء في لبنان إلا أنَّ المطّلعين يؤكّدون أنّ اهتمامات روسيا تتجاوز هذه الصورة.

  • المطّلعون يؤكّدون أنّ اهتمامات موسكو تتوزع في 5 اتجاهات لبنانية.
    المطّلعون يؤكّدون أنّ اهتمامات موسكو تتوزع في 5 اتجاهات لبنانية.

بعد "حزب الله" أولاً، ورئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري ثانياً، أتى دور رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل ثالثاً في تحديد موسكو موعداً له لزيارتها قبل عيد الفصح الأرثوذكسيّ الكبير. وإذا كانت الدبلوماسية الروسية لا تؤمن بالبراءة، فإنَّ ترتيب الزائرين يعكس المقاربة الروسية للملف اللبناني. 

البداية من الطرف المحليّ والإقليمي الأقوى، وهو "حزب الله"، إذ لا يكتفي الروسي بالاستماع إلى وجهة نظره، إنما يتابع التنسيق الدوريّ معه، مدركاً، بخلاف الفرنسي والأميركي والمصري، أن فرض أمر واقع عليه مستحيل، وكذلك "التشاطر" عليه أو محاولة الالتفاف عليه أو تطويقه.

وبعد الحزب، يأتي كلّ من سعد الحريري وجبران باسيل، بوصفهما القوتين السياسيتين الثانية والثالثة في البلد، واللتين لا يمكن تغييبهما أو تهميشهما أو استضعافهما في أيّ مقاربة جدية للأزمة اللبنانية، مع حرص روسيّ على عدم الحديث عن أية مبادرة متسرّعة ومتهورة وخفيفة، على غرار أولئك الّذين يصطفون مع فريق ضد فريق، ثم يتحدثون عن مبادرات ووساطات. 

وإذا كان الفرنسيّ قد أضاع مبادرته في العبارات الفضفاضة والمواقف الملتبسة التي تسمح لكلّ فريق بأن يفسرها على ذوقه، فإن الخارجية الروسية حرصت على قطع الطريق بسرعة على محاولات جرّها إلى مكان لا تنوي الذهاب إليه، عبر بيان واضح في ربطه بين تشكيل الحريري لحكومته وموافقة الأفرقاء السياسيين والطائفيين الأساسيين، في ظل ثابتة روسية تحثّ على التعاون مع كلّ من لا يمكنك إلغاؤه.

عبر المواعيد اللبنانية في موسكو، تقول الخارجية الروسيّة للعالم إنها إحدى القوى العظمى القليلة التي تتواصل مع جميع الأفرقاء الأساسيين في لبنان، إلا أنَّ المطّلعين يؤكّدون أنّ اهتمامات موسكو تتجاوز هذه الصورة وتتوزع في 5 اتجاهات لبنانية:

1-  اهتمام أمنيّ، بحكم اعتقاد الروسي الراسخ بأنَّ لبنان خاصرة سوريا التي يحاول أن يوطّد فيها استقراراً طويل الأمد، وهو يعتقد في هذا السياق بأن أي اهتزاز أمني كبير فيه، جراء الأزمة المعيشية – السياسية، يمكن أن تكون له مضاعفات خطيرة في سوريا.

2-  "حزب الله"، إذ يفترض الروسي أنّ هناك 4 ملفات رئيسية تعنيه مباشرة، ويؤدي الحزب دوراً فيها، هي لبنان طبعاً و"إسرائيل" وسوريا وتركيا، وللأخيرة مكانة مركزية لدى روسيا، رغم التوترات التكتيكية الدائمة، إذ تفترض موسكو أنَّ التفاهم السوري - التركي أولوية، وأنَّ الحزب يمكن أن يؤدي دوراً كبيراً في هذا الشأن.

3-  اهتمام استثماريّ، إذ زارت لبنان، وستزوره، عدة شركات روسيّة، بتوجيه مباشر من القيادة الروسية، للاستثمار مالياً في قطاعي النقل والخدمات، ذلك أنّ الروسي يعتقد أنَّ لبنان يجب أن يكون المنصة الرئيسية لإعادة إعمار سوريا، مع العلم أنَّ رئيس الجمهورية ميشال عون كان قد طلب من الروس استحداث مصرف في البلاد لضخّ 5 أو 6 مليارات دولار. وقد راجعوا حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بشأن الترخيص، إلا أنّ الأخير تذرّع بصعوبة التعاون معهم في ظلّ سيف العقوبات الأميركية المسلّط، فأبلغوا الرئيس بأنّ حاكم مصرف لبنان لا يريد ذلك، وليس روسيا.

4-  اهتمام نفطيّ، إذ وقّعت إحدى أكبر شركات النفط الروسية في العالم اتفاقاً مع وزارة الطاقة اللبنانية مثّل استفزازاً كبيراً للأميركيين، لتجهيز خزانات الغاز في الشمال اللبناني وتوسيعها واستئجارها. وقد تسبَّبت الإقفالات المتتالية بسبب كورونا وصرف وزارة الطاقة المبالغ المالية المخصصة لتأهيل الخزانات وبناء أخرى جديدة في تأخير المشروع، إلا أنّ الطّرف الروسيّ دخل أخيراً على خطّ المتابعة الجدية لهذا الملفّ وملاحقته.

5-  مرفأ بيروت، إذ يوجد طرح روسيّ جدّي جداً بهذا الشأن، مع متابعة مباشرة من مكتب نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف، مع الأخذ بالاعتبار دائماً أن المقاربة الروسية تختلف عن المقاربتين الأميركية والفرنسية، وحتى الصينية، في توقفها عند البعد الإنساني - الطائفي للأفرقاء في المنطقة، لا الاقتصادي - السياسي - العسكري فقط، كما تفعل الدول الكبرى الأخرى، وهو ما يعطي الروسي القدرة على فهم واحترام اعتبارات كثيرة لا يدرك أهميتها الأفرقاء الآخرون.