من ينزل السّلطة في البحرين عن الشَّجرة؟

رغم أنّ الإدارة الأميركية لم تعبّر بشكل واضح حتى الآن عن موقفها من استمرار الأزمة السياسية والحقوقية في البحرين، فإنَّ السلطة عملت منذ وصول بايدن على تحضير نفسها للقادم.

  • تبدو السّلطة مدركةً أنّ المرحلة المقبلة لن تكون بعيدة من الضغوط.
    تبدو السّلطة مدركةً أنّ المرحلة المقبلة لن تكون بعيدة من الضغوط.

هل ستصرّ السّلطة في البحرين على البقاء على الشجرة، وتنكر الخلل الحاصل في البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد نتيجة استمرار الأزمة؟!

سؤال يُطرح في أوساط المعارضة، كما تُطرح أسئلة أخرى عن حجم الضّغوط الأميركية، وإمكانية إحداث ثغرة في جدار الأزمة وفتح أبواب للحوار أو التفاوض، وإمكانيّة إنزال السّلطة من الشّجرة على الأرض، للتعاطي مع العباد بعيداً من منطق المنتصر الَّذي استطاع القضاء على الاحتجاجات وإلغاء الحياة السّياسيّة وفرض قيود على المجتمع المدنيّ وتطويق العمل الحقوقيّ.

في الحقيقة، تبدو السّلطة مدركةً أنّ المرحلة المقبلة لن تكون بعيدة من الضغوط. ورغم أنّ الإدارة الأميركية لم تعبّر بشكل واضح وصريح حتى الآن عن موقفها من استمرار الأزمة السياسية والحقوقية، فإنَّ السلطة عملت منذ وصول بايدن على تحضير نفسها للقادم.

وليّ العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة كان قد أجرى لقاءً مطولاً مع رؤساء تحرير الصّحف المحليّة، رسم خلاله بوضوح عنوان المرحلة المقبلة "الإصلاح الحقوقي"، بدءاً من التوسّع في برنامج العقوبات البديلة، وصولاً إلى تبنّي فكرة السجون المفتوحة وتجاوز أسلوب الاعتماد على الاعتراف أمام المحكمة، والاعتماد بدلاً من ذلك على الأدلة المادية القاطعة. بمعنى أدق، منع انتزاع الاعترافات تحت التعذيب، ولكن ماذا يوجد بين هذه العناوين؟

بحسب المعلومات، تأتي هذه الإصلاحات تمهيداً لإطلاق سراح المزيد من السجناء ضمن برنامج العقوبات البديلة، ولكن ماذا يوجد أيضاً خلف تبنّي خيار السجون المفتوحة؟

يقول مصدر مقرّب من صنّاع القرار إنَّ السلطة تضع في الحسبان الضّغوط التي قد تمارس عليها بشأن استمرار سجن القيادات السياسية، وإنَّ السّجون المفتوحة قد تكون مخرجاً للإفراج عنهم، ولكن كلّ ذلك يعتمد على حجم الضّغوط.

في الحقيقة، هذا الخيار حمّال أوجه. أحد أشكاله تحسين الأوضاع الحقوقية للسجناء وتسويقه في المجتمع الدولي. وفي وجهه الآخر، تأكيد على مسألة التعامل مع القيادات كمدانين لا سجناء رأي، ما يسمح باستبعادهم من أيّ حلّ سياسيّ إذا ما فرضت الظروف ذلك، والبحث عن شخصيّات خارج ما تُسمّيه السّلطة بوجوه الأزمة.

وفي هذا السّياق، نُقل عن أحد المسؤولين، خلال الحديث عن تمسّك المعارضة بسقفها، قوله إنَّ الدولة ليست في عجلة من أمرها بشأن الحل السياسي، في ظلّ القدرة على ضبط إيقاع الداخل، ولا توجد متغيرات من شأنها دفع السلطة إلى تبني خيار آخر، مستبعداً أي توجه نحو حلّ سياسيّ يشبه في شكله ما جرى في العام 2002، واصفاً ذلك بالوهم، مشيراً إلى أنَّ هذا الشكل من الانفتاح يعني اعترافاً علنياً بهزيمة السّلطة وانتصاراً للمعارضة، وهو ما لن يحدث، بحسب تعبيره.

ونُقل عنه أيضاً قوله إنَّ "التغيرات ستكون ربما في شكل برامج حكومية ضمن أطر الدولة وقوانينها". واللافت تأكيده أنَّ السلطة لن تسمح بعودة "الوفاق" بهيكليتها السابقة مؤسَّسة سياسية بمرجعية دينية، و"إن كلَّف الأمر 10 سنوات إضافيّة".

هذا الكلام يفتح نافذة لقراءة ما يجري على الأرض من مساعٍ لتحجيم كلّ مؤسَّسات المجتمع المدني ذات الامتداد التاريخي، والتي تعدّ في غالبها مؤسَّسات ذات جذور يساريّة، وليس "الوفاق" وحدها، وإن كانت على رأس أولويات الهرم، لما كانت تشكّله من ثقل أشبه بسلطة موازية، بحكم حجم تأثير مرجعيتها الدينية، إذ تبدو الرّغبة جامحة لإعادة تشكيل المؤسَّسات أو تطويعها بما يتناغم مع مشروع السّلطة، من دون معارضة حقيقية قادرة على الحشد والتفعيل.

باختصار، يبدو أنّ إحداث إصلاح جوهري على المستوى السياسي يفضي إلى شراكة حقيقية في صناعة القرار ما زال بعيداً بالنسبة إلى السلطة، في مقابل طرح سلَّة من الحلول الحقوقية. وفي ذلك محاولة لفصل الملفّ السياسيّ عن الحقوقي، ما من شأنه أن يشكّل خلافاً جوهرياً بين السلطة والمعارضة، إذ تعتبر الأخيرة الملفّين متصلين يؤدي أحدهما إلى الآخر. 

في المقلب الآخر، يبدو أنّ هناك تعويلاً أوروبياً على وليّ العهد، رئيس الوزراء، بإحداث تغيير ما، غير أنّ الرجل في الواقع مقيّد بتوازنات لها علاقة بالإقليم أولاً، وبموقعه في العائلة الحاكمة ثانياً، كما أنَّ قرار الانفتاح السياسي بطبيعة الحال ليس في مجلس الوزراء، وإنما في القصر الملكي. هذا ما يقوله مصدر مقرّب جداً من الرجل، مضيفاً: "ولي العهد رجل مؤمن بالإصلاح، ولكن هناك توازنات أكبر منه، كما أنَّه يعمل من موقعه لتهدئة الأجواء، عبر برامج حكومية تحسّن الأوضاع الحقوقيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، لكنّه لا يملك القرار السياسيّ".

هذا الأمر يُنبئ بضيق الخيارات واستمرار استحواذ السّلطة على المشهد، بدلاً من توحيد الجبهة الداخليَّة وحمايتها، وترتيب الأوراق الداخليّة، وتضميد الجراح، وتأسيس عقد اجتماعي يتساوى فيه الجميع أمام القانون والدولة، واحتواء أبناء الوطن عوضاً عن مواجهتهم، وإشراكهم بشكل حقيقي وفاعل في عملية التنمية، وإطلاق مؤسسات المجتمع المدني والحريات، أنَّ السّلطة تفضّل البقاء على الشّجرة، وتتجاهل وجود مشكلة سياسيّة حقيقيّة عميقة ومتشعّبة، يتمثل حلّها بالمصالحة والمصارحة، لا التجاهل والمناورة والتحدي.