ملف تبادل الأسرى خارج مساومات العدو
اليوم، يدرك قادة الاحتلال بأنّ حماس لا يمكن أن تساوم على ملف الأسرى، وهي قادرةٌ على المناورة في أوراقٍ أخرى، كما جرى خلال المرحلة الماضية.
ما إن انتهت زيارة وفد المخابرات المصرية إلى قطاع غزة قبل بضعة أيام، حتى تحدّثت العديد من الوسائل الإعلامية العربية والعبرية عن تقدّمٍ في ملف تبادل الأسرى بين حركة المقاومة الإسلامية حماس، والعدو الصهيوني، وقد تناقل الإعلام عروضاً نُقلت من الحكومة الصهيونية بواسطة وفد المخابرات المصرية، ترتبط بإمكانية الإفراج عن أسرى والمساعدة في مواجهة جائحة كورونا، وإمكانية تطوير مشاريع بنيةٍ تحتيّة.
جلّ المعلومات المتناقلة هي من المصادر العبرية، ولم يتم التعليق عليها من قِبل حركة حماس وجناحها العسكري كتائب الشهيد عز الدين القسّام، مما يعني بأنّنا أمام احتمالين؛ الأوّل: أنه لا يوجد عرضٌ من قِبل الحكومة الإسرائيلية، وكل ما يُروَّج في الإعلام العبري هو محاولةٌ لجسّ نبض حماس، والإصرار على تبهيت ما لديها من أوراق قوةٍ في هذا الملف.
أما الاحتمال الثاني، فهو بأنّ ما طُرِح من عرضٍ صهيوني عبر الوسيط المصري قد تمّ رفض نقاشه من الأصل، وإن كنتُ أميل للاحتمال الأوّل؛ بأنّه لا جديدَ في الأفق فيما يتعلّق بتقدّمٍ في صفقة التبادل، وأنّ هدف العدو هو العمل على تدمير الروح المعنوية للأسرى المتعقلين حالياً، في محاولةٍ للترسيخ في أذهانهم بأنّ الصفقة لن تُفرِج عن أصحاب الأحكام العالية الذين قاموا بقتل جنودٍ صهاينة خلال عملياتهم العسكرية، كما يهدف صنّاع القرار الصهيوني إلى إرسال رسالةٍ مهمّة لعوائل الجنود الأسرى بأنهم يبذلون جهداً كبيراً من أجل إنهاء هذا الملف.
ثمّة محاولاتٍ صهيونيةٍ دائمة نحو الدفع إلى ربط المساعدات الإنسانية بضرورة إنهاء ملف الأسرى لدى كتائب القسام، وقد عَمَد الاحتلال منذ انتهاء عدوان 2014 على قطاع غزة إلى التأكيد أنّ تخفيف الحصار عن غزة لن يتمّ إلاّ بإنجاز صفقة تبادلٍ على المقاس الصهيوني، وهذا ما كان محلّ رفضٍ من قِبل حركة حماس وفريقها المفاوض، فقد وضعت الحركة محدّداً بأنّ إنهاء ملف الأسرى لدى القسام، لن يتمَّ إلا بتبادل الأسرى، وأنّ أية خيارات أخرى مرتبطةٌ بالتخفيف أو التسهيل أو حتى بمواجهة جائحة كوورنا، لا يمكن أن تخضع للمساومة مقابل الجنود.
يعي الجانب الصهيوني محدّدَ حماس، وقد عاش معها تجربةً استمرّت لسنوات في ملف شاليط، فشل خلاله في تحييد المطالب الفلسطينية، وأُجبِر في النهاية على تنفيذ مطالب المقاومة.
اليوم، يدرك قادة الاحتلال بأنّ حماس لا يمكن أن تساوم على ملف الأسرى، وهي قادرةٌ على المناورة في أوراقٍ أخرى، كما جرى خلال المرحلة الماضية، لكنّ الاحتلال ما زال يناور حتى في ظلّ الأزمة السياسية غير المستقرّة منذ عامين.
فرصةٌ قد أضاعها الكيان الصهيوني لإنهاء الملف، وتحقيق مطالب المقاومة الفلسطينية، عند تشكيل حكومته الحالية قبل أن تشهد حالةً من التفسّخ، فعلى نتنياهو وغاتنس مسؤوليةٌ أدبيّة أخلاقيّة بإنهاء الملف أمام المجتمع الإسرائيلي؛ كونهما كانا في موقع المسؤولية الرسمية عند حادثتي الأسر، كما أنّ التعويل على الأجهزة الأمنية والاستخباريّة لم يُحدِث أيّ اختراق، والآن، بات من الصعب في ظلّ الواقع الحكومي غير المستقر والأزمة السياسية أن يُنجَزَ ما لم تنجزه الأوضاع المستقرة سابقاً.
في النهاية، لا جديدَ في ملفّ تبادل الأسرى بين حماس والعدو الصهيوني. إنّ الملفّ لن يخضع للمساوامات الإنسانية والظروف الصحيّة للقطاع، وما زال مشوار التّبادل يحتاج إلى استقرارٍ صهيوني داخلي، غير متوفّرٍ في الوقت الراهن. وإن ما لم تغيّره السنوات الماضية، لن تغيّره المرحلة الراهنة.