الإنتخابات الرابعة تطرق أبواب "إسرائيل"
هل تمتلك قوى المعارضة داخل كيان الاحتلال القدرة على تشكيل جبهة مناوئة منسجمة تُطيح بنتنياهو؟
تعيش دولة العدو الصّهيوني أزمةً سياسيّةً على إثر التحضير لسنّ قانونٍ يقضي بحلّ الكنيست، حظي قبل أيامٍ على موافقة 61 عضواً، مما يمهّد الطريق نحو إجراء الإنتخابات الرابعة خلال عامين، في وقتٍ تعيش فيه دولة الإحتلال أزمة جائحة كورونا وانعكاساتها الإقتصادية، مما يفاقم المشهد الداخلي الصّهيوني، علماً أنّ الأزمة السياسيّة ناتجةٌ بالأساس عن الخلاف المحوري بين بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة وحليفه بيني غانتس.
الخلاف بين نتنياهو وغانتس يرتبط بصورةٍ أساسيّةٍ بإقرار الميزانيّة، وقد نشب قبل أشهرٍ خلافٌ بينهما، كاد أن يعصف بالائتلاف الحاكم، لولا تدخّل بعض شركاء الحكومة وتأجيل الخلاف حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول، فغانتس يتّهم نتنياهو بأنه يرفض إقرار الميزانية، وهو مطلبه الوحيد من أجل عدم التصويت على حلّ الكنيست؛ أمّا نتنياهو فقد كان يرغب في ألاّ تتفاقم الأزمة السياسيّة حالياً، نتيجة أزمة كورونا وتبعاتها، وحسب تقديري، فإنّ الوقت المفضّل لنتنياهو من أجل إجراء الإنتخابات هو شهر مايو/أيار المقبل، حيث يُتوقّع وصول لقاح كورونا لدولة الكيان.
غير أن ثمّة سؤالٍ يطرح نفسه: لماذا يرغب نتنياهو في تأجيل المصادقة على الميزانيّة والخروج من هذا المأزق السّياسي؟ بالنسبة لنتنياهو فإن إقرار الميزانيّة يعني استقرار الائتلاف الحاكم لفترةٍ أطول، مما يعني أيضاً إمكانية تحقيق التّناوب مع غانتس في المدّة المحدّدة، وهو ما يتهرّب منه رئيس الحكومة الحالي الذي يتمترس في منصب رئاسة الحكومة لاعتقاده بأنه الأجدر على قيادة "إسرائيل"، وأن منصبه يحميه قدر الإمكان من ملاحقته بقضايا الفساد.
مما لا شكّ فيه أنّ المشهد السّياسي الإسرائيلي معقّدٌ، وخيارَ الانتخاباتِ ليس الخيار المفضّل لكلّ الأحزاب الصهيونية وعلى رأسها حزب "أزرق أبيض" بزعامة غانتس، حيث يواجه تحدّيين؛ الأوّل يتمحور حول استطلاعات الرأي التي لا تمنحه عدد مقاعد كما حصل في الإنتخابات السابقة، والثاني يشير إلى أنّ أحزاب الوسط واليسار لن تقبل به زعيماً لها في الإنتخابات كما جرى خلال الانتخابات الماضية، بعد أن غدر بها وتحالف مع نتنياهو في تشكيل الحكومة.
أما بالنسبة لنتنياهو وحزب الليكود، فهو ما زال يتصدّر استطلاعات الرأي، وما زالت النّسبة الأكبر في "إسرائيل" تراه الأنسب لقيادة البلاد، وترى أنّ تكتّل اليمين ما زال يحظى بالنسبة الأعلى، مما يمكّنه من تشكيل الحكومة الإسرائيلية.
صحيحٌ أن حزب اليمين بزعامة وزير الحرب الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت على خلافٍ مع نتنياهو، وكان هذا الأخير قد رفض الإنضمام إلى الحكومة الحالية، إلاّ أنه ليس من السّهل أن يدخل في تحالفاتٍ ضد أحزاب اليمين ما لم يكن على رأس الحكومة، وهذه نقطةٌ ليست سهلةً على أحزاب اليسار والوسط، فبينيت مع خيار الإنتخابات وبشدّة، والاستطلاعات تمنحه عدد مقاعد كبيرٍ مقارنةً بالانتخابات السابقة.
الإنتخابات لا تشكّل تهديداً ولا فرصةً لعددٍ من الأحزاب الإسرائيلية، فعدد مقاعدها كان ثابتاً في الإنتخابات الثلاثة الماضية كحزبي يهودا هتوراة وشاس، وكلاهما من تكتّل اليمين الداعم لنتنياهو، أما على صعيد ليبرمان وحزبه فالإنتخابات تمنحه فرصةً رابعةً للإطاحة بنتنياهو على الرغم من عدم تقدّمه في استطلاعات الرأي.
يبقى التّحدي الأكبر أمام القائمة العربية المشتركة التي تعاني من حالةٍ من التفسّخ قد يجعلها تخوض الإنتخابات مفكّكة، أي هناك تراجعٌ في عدد مقاعدها، كذلك حال حزب العمل الذي يخشى أن يندثر في الإنتخابات القادمة.
أما أحزاب المعارضة، فإنها ترى في الإنتخابات فرصةً جديدةً للتّخلص من نتنياهو بالرغم من فشلها في المرّات الثلاثة الماضية، إلا أنها تعتبر أن الإنتخابات قد تشكّل خارطةً سياسيّةً جديدةً بدون نتنياهو، مع إمكانية دخول أحزابٍ جديدةٍ مُنافسةٍ في الإنتخابات، خاصةً في ظلّ الحديث عن إمكانيّة دخول رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق إيزنكوت المنافسة السياسيّة.
ويبقى السؤال أمام كتلة المعارضة: هل تمتلك هذه القوى القدرة على تشكيل جبهة مناوئة منسجمة تُطيح بنتنياهو؟ بتقديري، ذلك ليس بالسّهل تحقيقه، فقد فشلت هذه الجبهة بزعامة غانتس في تشكيل الحكومة، رغم ما حصل عليه غانتس من تفويضٍ، لكنّ عدم الانسجام بينهما حال دون إمكانية التشكيل.
الظروف الحالية ليست الأنسب بالنسبة لنتنياهو لخوض انتخابات رابعة، غير أنها لا تشكّل تهديداً له، وما لم ينجح خلال اليومين القادمين في تجاوز الأزمة السياسيّة عبر تشكيل تحالفٍ جديدٍ للحكومة، فإنّ خيار الإنتخابات الرابعة سيكون الخيار الأقوى في المشهد الإسرائيلي.