انتفاضة الأقصى بعد عشرين عاماً

النتيجة اليوم بعد 15 عاماً على قمع المقاومة في الضفة: توسع في الاستيطان، ورفض أي تعامل مع السلطة الفلسطينية على قاعدة المفاوضات.

  • انتفاضة الأقصى بعد عشرين عاماً
    الواقع اليوم يفرض على الكلّ الفلسطيني الاتحاد والعمل لمقاومة العدو الصّهيونيّ

في شتاء العام 1998، نظمت حركة المقاومة الإسلامية حماس في قطاع غزة مسيرة جماهيرية ضد الاعتقال السياسي، ورفضاً لسلوك السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية في قمع المقاومة الفلسطينية واعتقال كوادرها الفاعلة ضد العدو الصهيوني. حينها، خطب الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي في الحشد الجماهيري، وتلخّصت كلمته بأن أعطوا المقاومة 5 سنوات لمواجهة العدو الصهيوني، وسترغمه على الاندحار من قطاع غزة.

ما تحدث به الرنتيسي كان قناعة لدى قيادة حركة حماس في ذلك الوقت، وهي خلاصة تجربة العمل المقاوم بكل أدواته إبان انتفاضة الحجارة التي استمرّت ما يقارب 5 سنوات، وأرغمت العدو على السعي إلى التخلص من مساحات من قطاع غزة والضفة الغربية، فخذلت منظمة التحرير المنتفضين بتوقيع اتفاق أوسلو.

لم توقف المقاومة الفلسطينية - وعلى رأسها كتائب القسام والجهاد الإسلامي - العمل الجاد على مواجهة العدو، والسعي الدؤوب إلى تنفيذ عمليات عسكرية، عبر استهداف جنود الاحتلال، إما بالقتل وإما بالتخطيط لعمليات خطف جنود لمبادلة الأسرى والمعتقلين بهم، بعد أن فشل اتفاق أوسلو في الإفراج عن كل المعتقلين، وخصوصاً أصحاب الأحكام المؤبّدة، ولعلّ أبرزهم ما يعرف باسم "خلية الطيبة" التي استشهد 5 منها إبان الاستعداد لتنفيذ عمليات نوعية في آذار/مارس 2000.

ومع تصاعد حدة التوتر بين السلطة الفلسطينية والعدو الصهيوني بعد فشل مباحثات كامب ديفيد، كان صدى ما حقَّقه حزب الله من انتصار على الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن أجبره على الاندحار من جنوب لبنان في أيار/مايو 2000، فقد سيطر ما أُنجز في لبنان على يد المقاومة الإسلامية على جلسات النقاش الفلسطيني، وباتت قناعة الكثيرين بأنّ "إسرائيل" لن تمنح للراحل ياسر عرفات أكثر مما أخذ. 

كل ما سبق من إرهاصات ساهم بصورة كبيرة في اشتعال انتفاضة الأقصى، بعد أن دنس شارون المسجد الأقصى، وفجّر الغضب الشعبي الذي سرعان ما تحول إلى انتفاضة مسلحة في وجه آلة البطش الصهيونية، والتي تعمَّدت إزهاق أرواح الشباب الفلسطيني الثائر بالعشرات في اليوم الواحد، ما أدى إلى رفع وتيرة العمليات الاستشهادية ضد الصهاينة. 

لقد نجحت انتفاضة الأقصى في تحقيق مقولة الدكتور الشهيد الرنتيسي، فبعد 5 أعوام، وتحت وطأة ضربات المقاومة الفلسطينية النوعية، والتي كان أبرزها تدمير دبابات الميركافا أكثر من مرة، وعمليات الأنفاق، كعملية براكين الغضب، والاستنزاف الأمني عبر قذائف الهاون على المغتصبات، دُحر العدو، وأضحى قطاع غزة اليوم قاعدة مقاومة مركزية في مواجهة الصهاينة. 

أما في الضفة الغربية، فللأسف لجأ الرئيس عباس إلى العودة إلى مربع ما قبل الانتفاضة، بل على شكل أكثر صرامة، ولم يفرق بين سلاح الفوضى والفلتان وسلاح المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني الذي اجتاح الضفة الغربية بعد عامين من انطلاق الانتفاضة، وعمد إلى العودة للتنسيق الأمني ومهادنة العدو. والنتيجة اليوم بعد 15 عاماً على قمع المقاومة في الضفة: توسع في الاستيطان، ورفض أي تعامل مع السلطة الفلسطينية على قاعدة المفاوضات.

واقعنا الفلسطينيّ ما زال يعيش خيبات اتفاق أوسلو الَّذي يعمل البعض على المحافظة عليه كمكسب، إلا أنَّ الواقع يجزم بأنّ سبب التراجع الواضح في فاعليّة قضية فلسطين، وجزءٌ من تمادي البعض العربي في الهرولة نحو التطبيع، هو نتيجة لمخرجات أوسلو وما تبعه من تجريم وملاحقة للمقاومة. 

إنّ الواقع اليوم يفرض على الكلّ الفلسطيني الاتحاد والعمل لمقاومة العدو الصّهيونيّ بكلّ الأدوات والأساليب المتاحة في المرحلة الراهنة، كما يقع اليوم على عاتق أحرار العرب وداعمي المقاومة تسخير كل طاقاتهم لإمداد المقاومة داخل فلسطين، فتحرير فلسطين هو بوابة تحرير المنطقة وشعوبها من العدوان والعدو.

ومن الضروري توجيه الصراعات الداخلية والاستنزاف البشري والمادي الذي يحصل في بعض المناطق العربية، نحو العدو الأول للأمة العربية والإسلامية "إسرائيل". وعلى شباب المنطقة الثائر والمتحمس أن يتحول إلى خطر يهدد كل المصالح الإسرائيلية العسكرية والأمنية في المنطقة العربية، ما يساهم في تغيير الخارطة وموازين القوى لصالح شعوب المنطقة. 

إن قوى اليوم مطالبة بأن تضع رؤيتها الاستراتيجية وعملية التوعية الشعبية لأبناء شعوب المنطقة، حتى يتمّ الانتصار على منهج التطبيع العربي الصهيوني.