سيناريوهات نجاح "استراتيجيَّة التجويع" في لبنان
لا يخفى على أيِّ مراقب أنَّ هناك من يدفع الأمور نحو التوتر، بهدف استدراج مشاكل أمنيّة داخليّة لجرّ حزب الله إلى الشارع.
تزداد حدّة الأزمة الاقتصاديَّة في لبنان، وتزداد بالتوازي حدّة السجالات السياسية الداخلية والتوترات الأمنية التي تشي بوجود صاعق، يُخشى أن ينفجر في أيِّ وقت من الأوقات.
ولا يخفى على أيِّ مراقب أنَّ هناك من يدفع الأمور دفعاً نحو التوتر، بهدف استدراج مشاكل أمنيّة داخليّة أو تكرار سيناريو 7 أيار/مايو، لجرّ حزب الله إلى الشارع، أو دفعه إلى استخدام قوته في الداخل. وما إغلاق طريق الجنوب يوم الجمعة الماضي لمدة 7 ساعات، ورشق سيارات المارّة بالحجارة، والكرّ والفرّ مع الجيش اللبناني، سوى نموذج عن محاولات بعض الأطراف إشعال فتنة مذهبية في لبنان.
وفي خضمّ سياسات التصعيد المتبادل، يمكن القول إنَّ سياسة "الضّغوط القصوى" التي تمارسها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على لبنان، والتي قضت على "الستاتيكو" السابق (القائم على تقاسم نفوذ أميركي- إيراني واقعي)، تبدو سياسة محفوفة بالمخاطر العالية، ويمكن أن تؤدي إلى أحد السيناريوهات التالية:
1- السيناريو الأول: تقديم تنازلات
أن تنجح تلك الاستراتيجية في دفع لبنان إلى تقديم التنازلات التي حدَّدها مساعد وزير الخارجية الأميركي شينكر ووزير الخارجية الأميركي بومبيو في تصريحاتهما، ومنها القبول بالتصوّر الأميركي لترسيم الحدود البحرية بين لبنان و"إسرائيل"، والسير بقانون "قيصر"، والمساهمة في الضغط على سوريا، وتشكيل حكومة من دون حزب الله، وغيرها، وهو أمر صعب التحقّق، فالشروط تعجيزيّة، ولن يقبل أي مسؤول لبناني بالتخلي عن الغاز في المتوسط لـ"إسرائيل". والمساهمة في حصار سوريا تعني حصار لبنان، ولن يقبل حزب الله بحكومة من دونه، وخصوصاً أنّها شرط أميركيّ معلن...
2-السيناريو الثاني: فشل تلك الاستراتيجيَّة
إنَّ الضّغط على لبنان للوصول إلى حدّ تجويع اللبنانيين وانهيار الوضع الاقتصاديّ اللبنانيّ، سيدفع اللبنانيين، واللاجئين السوريين والفلسطينيين أيضاً، إلى مستويات أدنى من خطّ الفقر بكثير، وهو ما قد يؤدّي إلى انفلات الوضع الأمنيّ، نتيجة خسارة الاستقرار الاقتصادي والأمن الغذائيّ والاجتماعيّ.
وهنا تكون الخشية من أن يقوم الأميركيون بالتسبّب في انهيار لبنان، ثم ينفضون يدهم منه، ويتركونه لمصيره، كما جرت العادة في حالات مماثلة في بلدان أخرى.
هذا الوضع سيسبّب أزمات كبرى قد تدفع الأمور إلى وضع لا تستطيع معه السّلطات اللبنانيّة إيقاف الراغبين في الهجرة إلى أوروبا، أو ستدفع الأمور إلى فتنة داخلية (يتم التحريض عليها)، وسيضطرّ معها حزب الله إلى النزول إلى الشارع كما أعلن أمينه العام. وعندها، سيتغيّر ميزان القوى لغير صالح الأميركيين والخليجيين وحلفائهم في لبنان.
وسيرتدّ ذلك سلباً على النفوذ الخليجي في لبنان، في ظلِّ إعلان السعوديين عن عدم اهتمامهم به، وأنه أصبح في آخر سلم أولوياتهم، الأمر الذي سيدفع قوى إقليمية أخرى إلى سدّ هذا الفراغ الذي سيتركه انسحاب الخليجيين من الساحة، لصالح كلّ من تركيا وإيران. واليوم، نشهد دخولاً تركياً قوياً إلى الساحة السنّية في العديد من المناطق اللبنانية، وهذا النفود سوف يأتي على حساب النفوذ السعودي التقليدي في تلك الساحات.
هذه الضّغوط الأميركيَّة القصوى، ومنع "العالم" من مساعدة لبنان إذا لم تتحقّق الشروط الأميركية (كما أعلن بومبيو)، سيؤدي إلى دخول كل من روسيا والصّين على خطّ المواجهة. وبالتالي، قد لا يجد اللبناني مفراً من التوجّه شرقاً، حين لا يكون أمامه سوى الجوع أو الشّرق. وحينها، تكون السياسة الأميركيّة نفسها هي التي أدخلت شركاء دوليين لها إلى لبنان.
3- السيناريو الثالث: التسوية
أن تصل الأمور إلى نقطة ما قبل الانفجار، فتحصل تسويةٌ ما تعيد خلط الأوراق، وتعيد ترتيب الأوراق الإقليمية وخريطة النفوذ في لبنان. العقدة هنا أنَّ من يمتلك رفاهية الوقت والصَّبر يربح، ومن لا يمتلك القدرة الكافية على الصمود ويستمرّ في سياسة عضّ الأصابع، سيكون الخاسر الأكبر في هذا السيناريو.