10 سنوات على مبادرة "الحزام والطريق"...هل استفادت دول الشرق الأوسط منها؟
الشرق الأوسط مقبل على تنافس صيني أميركي محتدم، فهل تنجح دول المنطقة في تحقيق التوازن في علاقاتها بين الشرق والغرب لتحقيق مصالحها؟
تصادف هذا العام الذكرى العاشرة لإطلاق الصين مبادرة "الحزام والطريق"، التي لاقت ترحيباً حاداً من عدد كبير من دول العالم، إذ وقعت بكين أكثر من 200 وثيقة تعاون ضمن المبادرة مع 152 دولة و32 منظمة دولية، بما يغطي 83% من الدول التي تقيم معها الصين علاقات دبلوماسية.
وللاحتفال بهذه المناسبة، ستعقد الصين منتدى التعاون الدولي الثالث "للحزام والطريق" خلال الشهر المقبل مع تأكيد أكثر من 130 دولة حضورها، فضلاً عن العديد من المنظمات الدولية. ومن بين الدول المشاركة ممثلون من منطقة الشرق الأوسط التي تربطها بالصين علاقات استراتيجية تطورت خلال السنوات الأخيرة مع توسع نفوذ بكين فيها.
تُعد منطقة الشرق الأوسط أو غرب آسيا وشمال أفريقيا، كما تسميها الصين، من أكثر مناطق العالم أهمية، نظراً إلى ما تتمتع به من توفر مصادر الطاقة ومقومات اقتصادية وموقع استراتيجي مهم يربط آسيا بأوروبا وأفريقيا.
وبسبب هذه المقومات، أثارت المنطقة انتباه الصين التي سعت، مع نمو اقتصادها، إلى التقرب منها، إذ ازداد التعاون بين الجانبين على مختلف المستويات، ولم يعد اهتمام بكين مؤخراً منصباً على الجانب الاقتصادي فحسب، بل بدأت تتدخل أيضاً لحلّ الأزمات في المنطقة لحماية مصالحها وتوسيع نفوذها.
ومع إطلاق الصين مبادرة "الحزام والطريق" عام 2013، حظيت المبادرة بترحيب كبير من جانب دول الشرق الأوسط التي وجدت فيها الطريق الذي يمكّنها من تعزيز مكانتها التجارية عالمياً وتحقيق التنمية فيها.
ونظراً إلى المكاسب التي تجنيها بلدان الشرق الأوسط من مبادرة "الحزام والطريق"، انضمت إليها أغلب دول المنطقة، وأخذت تعمل على مواءمة استراتيجياتها وخططها الوطنية التنموية لتتوافق مع رؤى المبادرة وأهدافها واستراتيجياتها، ومن ذلك مثلاً رؤية المملكة 2030 في السعودية، ورؤية عُمان 2040، ورؤية مصر 2030، ورؤية الكويت 2035.
إنجازات "الحزام والطريق" في الشرق الأوسط
أدَّت مبادرة "الحزام والطريق" إلى ارتفاع حجم التبادل التجاري بين الصين ودول الشرق الأوسط. على مدى السنوات الخمس الماضية، ارتفع حجم التبادل التجاري بين الجانبين من 262.5 مليار دولار أميركي إلى 507.2 مليارات دولار أميركي، وأدت المبادرة إلى ازدياد المشاريع الصينية في المنطقة.
وحالياً، تنفذ المشاريع الصينية ضمن مبادرة "الحزام والطريق" في 15 دولة في المنطقة، وتشمل مشاريع البنية التحتية والرقمية في الأرض والجو. هذه المشاريع ما زال يخطط لها أو هي قيد التنفيذ أو اكتملت أو توقفت أو ألغيت. وفي هذا الإطار، توضح بيانات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في الصين أن الأخيرة تستثمر بكثافة في المنطقة، إذ إن هناك 266 مشروعاً ضمن مبادرة "الحزام والطريق" بين عامي 2005-2022، معظمها إما قيد التنفيذ وإما تم الانتهاء منه، وعدد قليل جداً تم إيقافه أو إلغاؤه.
وإذا كانت الاستثمارات الصينية في المنطقة قد انخفضت بسبب تفشي فيروس كورونا وسياسة الإغلاق التي اتبعت، إلا أنها عادت لترتفع عام 2022، إذ حصلت المنطقة على 23% من المشاركة الصينية في مبادرة "الحزام والطريق" بعدما كانت 16.5% العام الماضي.
تنفّذ الصين في إطار مبادرة "الحزام والطريق" العديد من المشاريع في مجال البنية التحتية وإنشاء وتطوير المرافئ والحاويات، منها ميناء الحمدانية في الجزائر، وأبو قير في مصر، وكومبرت في تركيا، والدقم في عُمان، ومبارك الكبير في الكويت، وميناء خليفة في أبو ظبي، كما استثمرت في محطة بوابة البحر الأحمر، وهي مشروع مشترك بين موانئ الشحن الصينية كوسكو وصندوق الاستثمارات العامة في السعودية لتطوير محطة حاويات في ميناء جدة الإسلامي وتشغيلها.
من ناحية أخرى، نشطت الشركات الصينية في بناء المناطق الاقتصادية الخاصة لإقامة مشروعات مرتبطة بالمبادرة، منها مثلاً منطقة تيدا الصينية الصناعية في العين السخنة في مصر، والمدينة الصناعية الصينية العمانية في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم على ساحل بحر العرب، ومنطقة جازان الواقعة على الساحل الجنوبي للبحر الأحمر، ومشروعا الحرير والجزر الخمس في الكويت.
وبالنسبة إلى الطرق البرية، فقد شهد العام 2016 انطلاق أول رحلة قطار بضائع بين الصين وإيران مروراً بكازاخستان وتركمنستان، ولم يستغرق سوى أسبوعين فقط. وفي كانون الأول/ديسمبر 2020، انطلق أول قطار شحن بضائع من تركيا إلى الصين عبر خط باكو- تبليسي- قارص، وانطلق عام 2022 أول خط ملاحي مباشر من الصين إلى ميناء تشابهار في إيران، الذي قلل وقت تسليم البضائع من 45 يوماً إلى أسبوعين.
ومع التحول الرقمي، أطلقت الصين طريق "الحرير الرقمي". وبناء عليه، عملت بكين وبلدان الشرق الأوسط على تعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا النانو وبناء المدن الذكية والحوسبة السحابية وغير ذلك.
وتُظهر بيانات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في الصين أن بكين تستثمر بكثرة في البنية التحتية الرقمية في منطقة الشرق الأوسط، إذ تستثمر في 202 مشروع ضمن طريق الحرير الرقمي، بينها 29 مشروعاً في طور التخطيط، و49 مشروعاً يجري تنفيذه، و122 مشروعاً تم الانتهاء منه، ومشروعان توقف العمل بهما.
وساهمت مبادرة "الحزام والطريق" في التقارب بين الشعب الصيني وشعوب بلدان الشرق الأوسط، إذ تزايدت وتيرة التعاون الثقافي والتعليمي بينهم، ونظم العديد من الفعاليات الثقافية للتعريف بثقافة وحضارة الجانبين، إضافة إلى تبادل الطلبة.
أدى التعاون بين الصين وبلدان الشرق الأوسط في إطار مبادرة" الحزام والطريق" إلى تحقيق التنمية الاقتصادية لبعض دول المنطقة التي تحولت إلى مراكز اقتصادية عالمية من خلال تطوير البنية التحتية وتعزيز التنويع الاقتصادي وتطوير السياسات المالية. كما ساهمت المبادرة في توفير فرص العمل ورفع مستوى المعيشة لدول المنطقة، فضلاً عن الاستفادة من الخبرات الصينية في مجالات كثيرة، ولا سيما التكنولوجيا وتعزيز الروابط بين شعبي الصين والشرق الأوسط.
التحديات التي تواجه مبادرة "الحزام والطريق"
قد يعترض تنفيذ مبادرة "الحزام والطريق" في الشرق الأوسط بعض الصعوبات:
1. تحديات جيو اقتصادية: تعاني بعض دول المنطقة أوضاعاً اقتصادية صعبة تجعل من الصعب إنشاء أو تطوير البنية التحتية فيها، ما يؤدي إلى إلغاء بعض المشاريع أو تأخيرها لكلفتها الكبيرة. وقد تعتمد بعض الدول على تمويل مشاريع البنية التحتية من خلال الاقتراض من الصين، ما يجعل بكين تتحمل أعباء أكبر في المستقبل لتغطية النقص الحاصل.
من ناحية أخرى، أدى تفشي فيروس كورونا وسياسة الإغلاق التي اتبعتها الصين لثلاث سنوات والقيود الأميركية، فضلاً عن الحرب الروسية الأوكرانية، إلى تراجع النمو في الاقتصاد الصيني والاقتصاد العالمي بشكل عام، ما يجعل الصين ودول المنطقة تتردد في تنفيذ بعض المشاريع ذات التكلفة العالية.
2. تحديات جيو سياسية: تتمثل بالمنافسة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية التي تحاول إحباط أي نجاح صيني. لذلك، عملت والدول الغربية خلال السنوات الأخيرة على إطلاق مجموعة من المبادرات لمنافسة مشروع "الحزام والطريق"، منها مثلاً مبادرة "البوابة العالمية" التي أطلقها الاتحاد الأوروبي عام 2021، ومبادرة "إعادة بناء عالم أفضل" التي أطلقتها مجموعة السبع، "والممر الاقتصادي الهندي الأوروبي" الذي أطلق مؤخراً في قمة مجموعة العشرين، والذي يمر عبر الشرق الأوسط. إضافة إلى ذلك، تحاول واشنطن الضغط على دول المنطقة للانسحاب من المبادرة، عبر بث الإشاعات التي تعتبر أن الصين تتبع سياسة "فخ الديون".
3. الأوضاع السياسية والأمنية غير مستقرة في بعض دول المنطقة، ما يؤخر عملية البدء بالمشاريع.
4. إذا كانت للصين علاقات جيدة مع كل دول المنطقة، إلا أن الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط وعلاقات دول المنطقة غير المستقرة ببعضها البعض قد تؤثر في تنفيذ المبادرة.
5. العقوبات الأميركية المفروضة على بعض دول الشرق الأوسط، ما يجعل الشركات الصينية تتردد بعض الشيء في البدء بتنفيذ مشروعاتها، خشية أن تطالها العقوبات الأميركية.
إذا كانت مبادرة "الحزام والطريق"، بعد 10 سنوات على إطلاقها، قد ساهمت في تحقيق النمو الاقتصادي لبلدان الشرق الأوسط التي نُفذت فيها المشاريع الصينية، ولا تزال، إلا أن الطريق ليس معبداً بالورود، وسيواجه عقبات كثيرة، ويبدو أن الشرق الأوسط مقبل على تنافس صيني أميركي محتدم، فهل تنجح دول المنطقة في تحقيق التوازن في علاقاتها بين الشرق والغرب لتحقيق مصالحها؟