"الركن الشديد 4".. رسائل من نار في ذكرى الاندحار

باتت صواريخ المقاومة التي تمتلكها الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة والقادرة على ضرب كل بقعة على الأرض الفلسطينية المحتلة تشكل تحدياً آخر، وتهديداً كبيراً لأهداف استراتيجية في "دولة" الاحتلال.

  • حاكت مناورة
    حاكت مناورة "الركن الشديد" عمليات أسر جنود وإطلاق وابل كبير من الصواريخ.

أجرت غرفة العمليات المشتركة التي تضم 12 فصيلاً فلسطينياً مقاوماً مناورتها العسكرية، "الركن الشديد 4" في ظروف أمنية معقدة شكلت تحدياً كبيراً للاحتلال مع ارتفاع وتيرة التهديدات الإسرائيلية مرة بالعدوان وأخرى بالاغتيالات، ولفحص جهوزية المقاومة والإبقاء على حال الاستعداد العالي للقتال والتطوير والمراكمة للفعل الفلسطيني المقاوم ورفع مستوى الردع ضد الاحتلال الإسرائيلي.

حاكت مناورة "الركن الشديد" عمليات أسر جنود وإطلاق وابل كبير من الصواريخ وغير ذلك من التدريبات والعمليات الميدانية المشتركة، واللافت في هذه المناورة التي تجري للمرة الرابعة بالطريقة ذاتها، أنها جاءت تزامناً مع الذكرى الـ 18 لتحرير كامل قطاع غزة من الاحتلال، في صورة جرَّت فيها "إسرائيل" أذيال الخيبة والهزيمة بعدما باتت غزة تشكل لها جحيماً لا يطاق، لتبرهن المقاومة في هذه المناورة وحدة الكلمة والسلاح في ظل بيئة مقاومة رسّختها منذ سنوات طويلة استطاعت تحرير جزء من الأرض المحتلة، وهي مستمرة في الإعداد والتطوير ومراكمة القوة استعداداً واستكمالاً لمشروع المقاومة والتحرير في الضفة الغربية والقدس وكل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ثمة رسائل أخرى سجلتها غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية في ختام مناورات "الركن الشديد 4" ونجحت في إرسالها إلى الاحتلال الإسرائيلي، أبرزها:

-  قدرة المقاومة على الانتظام وتنفيذ مناورات "الركن الشديد" للعام الرابع على التوالي تشكل دلالة على متانة العمل المقاوم المشترك وديمومته، والحرص الدائم على رفع كفاءة المقاتلين وجهوزيتهم، والعنوان الأساس لهذه المرحلة هو وحدة الساحات في مواجهة الاحتلال وتدفيعه ثمن احتلاله وجرائمه وبطشه بالفلسطينيين.

- وجهت المقاومة الفلسطينية في مناورتها رسالة ربط الساحات ووحدتها، وكانت الضفة الغربية حاضرة بقوة معنوياً وعملياً، إذ حملت المواقع التي تمت مهاجمتها خلال المناورة أسماء مواقع عسكرية تابعة للاحتلال الإسرائيلي ومحاذية لمدن الضفة الغربية والألوية الإقليمية العاملة في الضفة الغربية، وحاكت مهاجمة مواقع عسكرية إسرائيلية في الضفة الغربية، كموقع "شاكيد" التابع لكتيبة "حرمش" المناطقية الإسرائيلية غرب مدينة جنين، وموقع "حورش يارون" المعروف بلواء بنيامين، وموقع "ترقوميا" في لواء يهودا غرب الخليل، وموقع "موشيه زرعين" التابع للواء شمرون، في المناطق المحاذية لنابلس.

وهذه رسالة شديدة تبعث بها المقاومة إلى الاحتلال، تقول فيها إن مصير هذه المستوطنات في الضفة الغربية إلى زوال، كما أزيلت 25 مستوطنة كانت جاثمة على الأراضي الفلسطينية في قطاع غزة بفعل ضربات المقاومة المركزة التي أجبرتها على الهروب بعد فقدان الأمن الشخصي للمستوطنين وارتفاع تكلفة وجودهم في مستوطنات قطاع غزة.

- أكدت مناورة "الركن الشديد"، أهمية إبقاء روح المشاغلة والتحدي للاحتلال قائمة، رغم التعقيدات في المشهد والإقليم، والحفاظ على القوة العسكرية والعمل على تطويرها لجميع فصائل المقاومة بالمراكمة والحفاظ على منجزاتها خلال المرحلة المقبلة للرد على أي عدوان إسرائيلي محتمل.

- كشفت المناورة بشكلها الموحد الذي يضم 12 فصيلاً فلسطينياً مقاوماً، صورة القوة والوحدة في الميدان والكلمة والسلاح، وعلى الجهة المقابلة حال الصراعات والانقسام التي تمر بها "دولة" الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يعكس التشرذم الذي ضرب التركيبة البنيوية لـ"إسرائيل"، وهذا مؤشر كبير على بداية تصدع حقيقي لمشروع "دولة" الاحتلال التي تعيش منذ فترة طويلة حالاً من اللااستقرار السياسي وهذا ما يكشف أحد أهم نقاط ضعفها.

يحتفل الشعب الفلسطيني في عيد المقاومة والتحرير، وينفذ مناورة في وضح النهار، وما يزال الجدل داخل "إسرائيل" يتصاعد حول خطأ الانسحاب من قطاع غزة، لكن ومع مرور الذكرى الـ 18 للاندحار الإسرائيلي، باتت تتكشف الاعترافات الإسرائيلية بأن الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة بحسب مسؤولين إسرائيليين أمنيين كان تحت ضغط الخسائر الأمنية التي تكبدها "جيش" الاحتلال والمستوطنون من ضربات المقاومة بالدرجة الأولى.

ويعترف رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في "جيش" الاحتلال حينها زئيفي فركش لقناة "كان 11" الإسرائيلية الرسمية، بأن الانسحاب جاء في ظل صعوبة حماية 8 آلاف مستوطن في القطاع، وتكليف فرقة عسكرية بأكملها بهذه المهمة، فيما تحولت المستوطنات إلى بؤر للعمليات الفلسطينية، في حين يعترف مستشار الأمن القومي حينها يعكوف عميدرور بأن الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005 أثبت للفلسطينيين أن الانسحاب كان تحت الضغط الأمني وعدم قدرة "إسرائيل" على حماية مستوطناتها على طول القطاع.

18 عاماً على الاندحار الإسرائيلي من قطاع غزة وما زالت المقاومة تتطور استعداداً للمواجهة الحاسمة في وقت بات الشعب الفلسطيني يدرك أنه أمام مرحلة فاصلة يواجه فيها مصيره على أرضه، أما الاحتلال المهزوم والمأزوم فلم ينجح في كل محاولاته للهروب من حالة الموت والاستنزاف الأمني المتواصل أمام ضربات المقاومة، بل بات يعيش واقعاً أكثر تعقيداً بعدما باتت عمليات الضفة تؤرقه وتشكل له معضلة أمنية عجز عن إيجاد حل له.

فيما باتت صواريخ المقاومة التي تمتلكها الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة والقادرة على ضرب كل بقعة على الأرض الفلسطينية المحتلة تشكل تحدياً آخر، وتهديداً كبيراً لأهداف استراتيجية في "دولة" الاحتلال، وأصبحت أكثر قلقاً من استهدافها حال جرت مواجهة عسكرية.

سجلت مناورة "الركن الشديد" أن المقاومة الموحدة صاحبة القول والفصل في عيد تحرير قطاع غزة، تبعث برسالة إلى مقاومة الضفة الغربية، مفادها أن خيار المقاومة الذي سجل قبل 18 عاماً إنجازات وانتصارات كبيرة جعلت الاحتلال يهرب تحت وطأة نار المقاومة وسلسلة طويلة من عملياتها الممتدة.

هو سيناريو سيتكرر أمام استمرار العمليات ضد المستوطنين وسيدفع الاحتلال ثمن عدوانه وجرائمه على الأرض والمقدسات، وهذا ما سيفتح أفقاً كبيراً لطرد الاحتلال من مستوطنات الضفة كما طرد من ذي قبل عن كامل مستوطنات قطاع غزة.