هل يريد بايدن أن يطول أمد الحرب في غزة؟
لا يبدو أن إطالة أمد الحرب ستخدم بايدن الذي فتح أكثر من جبهة في كلّ من أوكرانيا وغزة، فيما يحاول تهدئة جبهة الصين الجنوبية التي ما زالت على لائحة الانتظار.
أتت قرارات القمة العربية الإسلامية من دون لحاظ أي آليات عمل تثبت جدّيتها وتؤمن الضغوط على الإسرائيلي لوقف إطلاق النار. فشلت الجهود الجماعية عن طريق جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي في اتخاذ أي خطوات تضغط باتجاه إيقاف الحرب، ما أتاح لنتنياهو الجهر بتحديد ملامح الحكم الذي يريده في قطاع غزة، عبر منظومة خاضعة كلياً للرؤية الأمنية لـ"إسرائيل".
طالت تصريحاته الواقع الفلسطيني برمته في الضفة الغربية والقدس، ورفض إعطاء أي دور للسلطة الفلسطينية ما بعد حماس. وقد أغلق من خلال هذه التصريحات الباب كلياً أمام فكرة "حلّ الدولتين"، مستنداً إلى أهمية حربه على قطاع غزة، ومعتقداً أنه يخدم الاستراتيجية الأميركية في المنطقة.
"إسرائيل" تعتمد سياسة القتل الممنهج وأميركا تبرّر
في بيانٍ صدر في 28 تشرين الأول/أكتوبر، طلب نتنياهو من الجنود الذين كانوا يستعدون لدخول غزة أن يتذكّروا ما فعله العماليق بهم (العماليق أمة موصوفة في الكتاب المقدس العبري بأنها عدو قوي لبني إسرائيل).
استحضار فقرةٍ من الكتاب المقدس تأمر بالانتقام لليهود العُزَّل في الصحراء، فهمه المستمعون على أنّه: لا تعفوا عن أحد، بل اقتلوا الرجال والنساء، الأطفال والرضّع، البقر والغنم والجِمال والحمير، وهذا ما تولاه القصف الوحشي والقتل المجاني وما تبنته "إسرائيل" عبر مستوطينها في سياستها التي تمارسها على الضفة.
يستند نتنياهو إلى التعاضد الإسرائيلي الأميركي في غزة. وفي رأيه، هذا التعاضد يشكل درساً لكل الدول والقوى التي تعدها واشنطن متمردةً على هيمنتها، متوقعاً أن أمد الوجود العسكري الأميركي في شرق المتوسط لن يكون قصيراً، وهو يحمل رسائل ذات دلالات واضحة وتداعيات على عدة دول وأطراف.
من نافل القول إن الأميركي لا يريد إيقاف آلة الحرب الإسرائيلية قبل تسجيل انتصارات على حماس، فيما تساند قوة دلتا الأميركية "إسرائيل" تحت مسمى البحث عن الأسرى الأميركيين.
انخرطت الولايات المتحدة في حرب "إسرائيل" عسكرياً وسياسياً، كذلك فعل الغرب في تماهٍ معها، وفي تبرير المجازر وحرب التطهير العرقي. سقط الغرب في المقتلة اليومية وفي لجة التدمير، على الرغم من أن لا ضمانات حول ما ستتمخض عنه الحرب من توازنات إقليمية ودولية. تبنى "هدنات إنسانية" في أمكنة وأزمنة محددة من دون وقف لإطلاق النار قبل أن تتمكن "إسرائيل" من تحقيق هدفها المعلن بالقضاء على حماس.
وفي سابقة لم يشهدها العالم، يجري قصف محيط المشافي حيث يعالج المرضى والجرحى، فيما اقتحمت القوات العسكرية الإسرائيلية مستشفى الشفاء في قطاع غزة، ولم تجد ما تبحث عنه بعدما كانت الحكومة الإسرائيلية قد روّجت في إطار عملها الاستخباري والعسكري لوجود قيادات حماس في المستشفى، مشددة على أنهم يتخذونه مركزاً للعمليات.
تم الاقتحام بعد ساعات من إعلان البنتاغون أن لديه هو أيضاً معلومات استخباراتية مستقلة تؤكد أن حماس والجهاد الإسلامي يستخدمان المنشأة الطبية كنقطة انطلاق للأنشطة العسكرية، من دون أن يلتفت البنتاغون إلى استنكارات المؤسسات الدولية، ولم يراعِ أيّ قوانين إنسانية أو دولية.
هل ضاق الوقت على "إسرائيل" وهي الباحثة عن انتصار عسكري، متجاهلة تدهور الوضع في مستشفيات غزة وتفاقم الأزمة الإنسانية؟ تبدو "إسرائيل" وحلفاؤها غير آبهين بالخسائر العسكرية، فالهدف الأساسي هو إعادة الهيبة إلى الاحتلال مهما كان الثمن. لذا، تتم إشاعة تمدد الحرب 6 أشهر وتحويل أسلحةٍ وصواريخَ كانت مخصصة لأوكرانيا إليها سرّاً.
هل يطول أمد الحرب؟
المخطط الأسوأ هو إفراغ قطاع غزة وضمّه إلى الكيان الصهيوني. تبدو جميع السيناريوهات التي يحاول الكيان إشاعتها غير قابلة للتطبيق لغاية اليوم، والحرب ما زالت على أشدّها.
يقتصر تقدم جنود الاحتلال على عدد من النقاط داخل قطاع غزة، ولكنها في معظمها مناطق زراعية أو مهدمة، فالمعركة وتداعياتها على الكيان كبيرة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، وتنعكس في الصراعات بين القادة السياسيين والقادة العسكريين حول من يتحمّل مسؤوليّة ما حصل في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وما زال الأميركي يقود دفّة الحرب من أجل تقوية عود "إسرائيل" ومنعها من الانهيار.
هل يستطيع الجيش الإسرائيلي خوض حرب طويلة الأمد في ظل التراجع الاقتصادي بعد استدعاء الاحتياطي، وهو من الفئات العاملة التي تركت أعمالها للالتحاق بالجيش؟
يسعى الجيش الإسرائيلي لاحتلال شمال قطاع غزة وتوظيفه لتحرير أسراه وتقديم إنجاز للرأي العام الإسرائيلي والبحث عن الأنفاق من أجل تدميرها، فيما تقاوم الفصائل بشراسة، ما يلحق خسائر في صفوف قوات الكيان ودباباته.
تبدو المقاومة مستعدة لحرب تمتد لأشهر، من دون أن يكون هناك احتمال لتقويض قدرتها، في وقت يتم التفاوض عبر دولة قطر من أجل تبادل عدد من الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية في مقابل عدد من الأسرى الإسرائيليين غير العسكريين لدى حماس.
لا يبدو أن إطالة أمد الحرب ستخدم بايدن الذي فتح أكثر من جبهة في كلّ من أوكرانيا وغزة، فيما يحاول تهدئة جبهة الصين الجنوبية التي ما زالت على لائحة الانتظار، ويحاول أيضاً الانفتاح على بكين والحوار معها بعد اجتماعه مع الرئيس الصيني شي جين بينغ في قمة آيبك في سان فرنسيسكو.
يبدو أن الشرق الأوسط أولوية بالنسبة إلى سياسة الإدارة الأميركية، وذلك يتمثل في برامج إيران، على اعتبار أنها "تزعزع الاستقرار" في المنطقة، وخصوصاً البرنامج النووي، وكذلك تأمين "إسرائيل" وتعزيز التطبيع بين العرب و"إسرائيل".
وعوضاً عن إرسال وزير خارجيته إلى المنطقة، والذي لم يلاقِ ترحيباً من دول المنطقة لتحيزه إلى يهوديته في دعم "إسرائيل"، قرّر إرسال بريت مكغورك، وهو كبير مستشاريه وصاحب الخبرة في التعامل مع المنطقة في العراق وسوريا وإيران، لإجراء محادثات مع مسؤولين في "إسرائيل" والضفة الغربية والسعودية وقطر ودول أخرى.
وسيناقش في "إسرائيل" احتياجاتها الأمنية وضرورة حماية المدنيين أثناء العمليات العسكرية، وكذلك الجهود المستمرة لتأمين إطلاق سراح الرهائن والحاجة إلى كبح عنف المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية.
ما زال السؤال المطروح بالنسبة إلى بايدن يتركز حول استراتيجية الخروج من غزة، ولا يزال نتنياهو يفضل الحرب، لأنّ نهايتها ستضع حداً لحياته السياسية، فهل يحاول توسيع إطار الحرب وفي ذهنه الجبهة الشمالية؟!