هل يحرك لقاء بوتين وإردوغان المياه الراكدة بين دمشق وأنقرة

سياسة واشنطن فشلت في التقريب بين حلفائها، لكن الضغوط الاقتصادية التي يمارسها الأميركي إلى جانب الوجود التركي في شمال غرب سوريا، يساهمان في جعل الدولة السورية عرضة لانتفاضات شعبية. 

  • لقاء بوتين وإردوغان.
    لقاء بوتين وإردوغان.

تتحرك واشنطن، سياسياً وعسكرياً، على أكثر من جبهة تهتمّ بها روسيا، ومنها المشهد السوري، فهل تهدف تحركاتها إلى قلب المشهد في سوريا عبر تحريك أوراق عسكرية وسياسية جديدة ضدّ إيران وروسيا، وهل تدعم تركيا في خطة جديدة؟

هل يمكن أن تكون أنقرة قد بدأت تتراجع عن انفتاحها على دمشق، وبالتالي العلاقة مع روسيا في أوكرانيا والبحر الأسود؟ أم أن ما يجري هو تغطية لصفقة التبادل بين إيران وواشنطن التي أثارت غضب الجمهوريين وعدّوها خضوعاً أميركياً لابتزازات طهران، فتعمّدت إدارة بايدن إظهار القوة العسكرية الأميركية على الحدود العراقية- السورية لتظهر أنها صارمة وما زالت تمسك بالوضع، وتشكل تهديداً لإيران فيما تقوم بإعادة التفاوض حول الاتفاق النووي؟

كثيرة هي الأسئلة التي يثيرها الوجود الأميركي المكثف على الحدود العراقية- السورية، في حين تنفي الحكومة العراقية أي دلالات للحشد القوي للقوات الأميركية، وتقول إنه ليس سوى عملية روتينية، فيما تؤكد قيادة القوات الأميركية أن وجودها لا يشير إلى أي تغيير في قواعد الاشتباك مع "داعش"، وهي تحمي "قسد" التي تخوض معارك مع العشائر العربية التي ترفض تسلط الكرد على قرارها، فيما يقترب موقف "هيئة تحرير الشام" اتجاه "قسد" من موقف أنقرة التي لا زالت تقصف أطراف تجمعات "قسد" التي باتت في مرمى الجميع. 

فشلت سياسة واشنطن في التقريب بين حلفائها، لكن يجمع المراقبون على أن الضغوط الاقتصادية التي يمارسها الأميركي عبر بوابة شرق الفرات إلى جانب الوجود التركي في شمال غرب سوريا يساهمان في إضعاف قبضة الدولة السورية على البلاد، ويجعلها عرضة لانتفاضات شعبية معيشية. 

شهدت مناطق شمال غرب سوريا خلال سنوات الحرب تحوّلاً كبيراً، إذ أصبحت المعابر الحدودية مع تركيا البوابة الأساسية إلى الخارج، لحركة الأشخاص ووصول المساعدات الإنسانية والسلع التجارية وأصبح جنوب تركيا، ولا سيما غازي عنتاب، وجهة أساسية لمجتمع الأعمال السوري. فقد نقل عدد كبير من السوريين أعمالهم إلى تركيا، لكنهم واصلوا تزويد الأسواق نفسها، مثل العراق ودول الخليج، من مركزهم الجديد.

أصبح السوريون الذين نقلوا أعمالهم إلى جنوب تركيا جزءاً من الاقتصاد التركي وجزءاً من اقتصاد المناطق الخاضعة لسيطرة المسلحين في شمال غرب سوريا، إضافةً إلى بروز اقتصاد عابر للحدود مقرّه تركيا. تنامى دور أنقرة باعتبارها نقطة انطلاق، وازداد دورها على مدى السنوات الماضية، وفتحت معابر جديدة. 

يترقب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ويتريث ريثما تتضح معالم التحولات في السياسة الأميركية وتحركاتها في سوريا، والاستفزازات بينها وبين روسيا عبر الطلعات الجوية. كان قد قرر قبل قمة العشرين البدء بعملية الحوار مع الرئيس الأسد، في إثر الانتخابات الرئاسية التي انتهت في حزيران/يونيو.

تطرح اليوم تساؤلات بشأن تفاهمات تركية-أميركية وعروض جديدة يمكن أن تكون واشنطن قد قدمتها إلى تركيا للتراجع عن فكرة الحوار والتفاوض مع الأسد. لا شك أن مسار الأستانة شكل بداية في تمكين النظام وتركيا، بالتنسيق مع روسيا، من إعادة رسم خريطة الشمال الغربي. وكانت تركيا ترى في مسار أستانة إطاراً أفضل من مفاوضات جنيف لمعالجة التحديات الأمنية عند حدودها الجنوبية، بيد أن الموقف التركي المتردد طرح تساؤلات إيرانية وروسية ما إذا كان الرئيس التركي يعوّل على متغيرات يعدّها الأميركي عبر سيناريوهات جديدة تحصل خلالها أنقرة على منطقة آمنة، بعد أن بدأ الحديث عن توسيعها لتضم حلب المدينة وتخلي تركيا عن مشروع روسيا وإيران.

خروج الخطة التركية التي أطلق عليها "نموذج حلب" أثار تساؤلات بشأن طبيعة المساعي التي تبذلها أنقرة من أجل تشجيع عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم عبر إحياء مناطق الشمال السوري، تضمنت إشارة إلى احتمال التفاوض على مصير مدينة حلب، ثاني كبرى المدن السورية وعاصمتها الاقتصادية. 

وفي مبادرة طرحت العديد من التساؤلات، أوردت صحيفة "صباح" نبأ إصدار الرئيس رجب طيب إردوغان تعليمات تقضي بتشكيل آلية ثلاثية بين كلّ من وزارة الداخلية وحزب "العدالة والتنمية" وكتلته النيابية في البرلمان، لوضع خطة تفضي إلى إحياء الحياة الاقتصادية في المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا، وضم مدينة حلب -الخاضعة لسيطرة الدولة السورية ومحاولة إقناع الروس والإيرانيين بمد السيطرة التركية القائمة في الشمال السوري إلى حلب وجعلها منطقة آمنة ذات إدارة مشتركة، تركية- روسية- إيرانية، أو أن تكون الإدارة المشتركة للمدينة مع الرئيس بشار الأسد، بيد أنها أوردت أن هذا المقترح الأخير دونه صعوبات بالنسبة إلى اللاجئين.

أتى الطرح بعد رهان تركيا على التحوّلات في مواقف العديد من العواصم العربية، وبعد عدم استجابة سوريا لخطة الخطوة خطوة التي تم التوافق عليها في عمان، والرفض السوري لمسار الانتقال السياسي بحسب القرار 2254. أتى الرد السوري على لسان وزير الدفاع بدعوة تركيا إلى الانسحاب من الأراضي السورية، فيما أكدت تركيا على لسان وزير دفاعها يشار غولر أنها لن تغادر سوريا من دون ضمان أمن الحدود التركية، وصوغ دستور جديد لسوريا واعتماده.

ردّة فعل التركي سببها لائحة المقترحات والتوصيات العربية المقدّمة إلى وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، والتي تمسّكت بها المجموعة العربية كبداية جديدة لمسار سياسي مختلف في التعامل مع ملفّ الأزمة السورية يشمل العلاقة مع إيران وضبط تهريب المخدرات. 

في إطار العلاقة المتدهورة يمكن اعتبار القصف الروسي الأخير على مواقع لـ"هيئة تحرير الشام" في إدلب، التي تتضمّن الشقّ التركي رسالة روسية إلى تركيا بأنها مستعدة هي أيضاً لقلب الطاولة وضرب فكرة إعادة اللاجئين السوريين بالشكل الذي تطرحه أنقرة، وتفجير الوضع العام في إدلب وإثارة موجات لجوء جديدة في اتجاه الأراضي التركية؛ رداً على إخلال أنقرة بتفاهمات إدلب، وموضوع "هيئة تحرير الشام" الذي بات يعدّ تقاطعاً أميركياً- تركياً.

أصبح الانسداد الحاصل في إثر قمة العشرين في ليتوانيا واضحاً، كذلك تراجع فرصة الانفراج السياسي بين ودمشق أنقرة، التي ما زالت تردد أنها تريد اتفاقاً وضمانات أمنية للخروج، وأنها لا تريد البقاء. وترى أن الكرة في ملعب إيران وروسيا، كذلك إعادة اللاجئين وهو موضوع حيوي بالنسبة إليها.

يراهن الرئيس التركي على لقاء الرئيس الروسي بوتين، فبينهما قضايا كبرى تبدأ بالتعاون التجاري وبمجال الطاقة، وبشكل أساسي، استئناف اتفاقية الممر الآمن للحبوب في البحر الأسود، والحرب في أوكرانيا، أما الموضوع السوري فهو جزء من العلاقة التي جمعت روسيا بتركيا.. ضمن هذا الإطار، يزور وزير الخارجية التركي هاكان فيدان موسكو، خلال الأيام القليلة المقبلة، تحضيراً لزيارة الرئيس رجب طيب إردوغان سيلتقي خلالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي المطلة على البحر الأسود لكن، من دون تحديد موعد مؤكد لذلك، قد يكون قبل 8 أيلول/سبتمبر.