هل تنجح زيارة الرئيس الصيني لأوروبا في تهدئة التوترات بين بكين والاتحاد الأوروبي؟
تتعرض بكين لضغوطات غربية بسبب اتهامها بفائض الإنتاج ودعمها لروسيا. لذلك، سيسعى الرئيس شي والزعماء الأوروبيون إلى إيجاد أرضية مشتركة لمعالجة التوتر التجاري بينهما.
على وقع التغيرات الجيوسياسية التي يشهدها العالم، وتصاعد التوترات التجارية والأمنية بين الصين وأوروبا، ومرور ثلاث سنوات على الحرب الروسية الأوكرانية وما خلّفته من تضخم وركود في اقتصاد الدول الأوروبية، يزور الرئيس الصيني شي جين بينغ 3 دول أوروبية، هي فرنسا وصربيا والمجر؛ الدول التي لديها علاقات جيدة مع الصين، لمعالجة جملة من القضايا الخلافية بين بكين وبروكسل، ولا سيما اتهام الاتحاد الأوروبي للصين بفائض الإنتاج والمنافسة غير العادلة، والحرب الروسية الأوكرانية، ولتعزيز التعاون وزيادة الاستثمارات الصينية في القارة الأوروبية.
تأتي زيارة الرئيس الصيني إلى أوروبا في وقت تشهد العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي فتوراً على خلفية سلسلة من المواضيع، منها استياء التكتل من فائض الإنتاج الصيني وعدم وصول الشركات الأوروبية إلى الأسواق الصينية بشكل عادل مع الشركات الصينية.
ويجري التكتل تحقيقات حول الحوافز التي تقدمها الحكومة الصينية لمصانع السيارات الكهربائية والمشتريات العامة الصينية للأجهزة الطبية وتحقيقات حول توربينات الرياح، إذ يرى الاتحاد أن إغراق الأسواق الأوروبية بالإنتاج الصيني الرخيص يضر بالشركات الأوروبية، إذ يواجه مثلاً صانعو السيارات الأوروبية حالياً صعوبة في إنتاج سيارات كهربائية أقل تكلفة بسبب السيارات الصينية الرخيصة.
وتأتي الزيارة بعد التحقيقات التي يجريها التكتل حول تطبيق تيك توك وترجيح رئيسة المفوضية الأوروبية حظر التطبيق بالكامل في الاتحاد الأوروبي أسوة بالولايات المتحدة الأميركية التي أمهلت شركة ByteDance المالكة للتطبيق 9 أشهر لبيع التطبيق أو حظره في الأراضي الأميركية.
تخفيف التوتر التجاري
يسعى الاتحاد الأوروبي إلى اتباع سياسة تقليل المخاطر من دون الانفصال عن الصين، لما له من تداعيات خطيرة على الاقتصاد الأوروبي والاقتصاد العالمي ككل، فالصين هي أحد أكبر الشركاء التجاريين للاتحاد، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين نحو 738 مليار دولار، وهي أكبر شريك لواردات التكتل من السلع (20.5%).
من المحتمل أن تؤدي زيارة الرئيس الصيني لأوروبا إلى تخفيف التوتر التجاري بين الجانبين وإيجاد أرضية مشتركة لمعالجة بعض القضايا الخلافية التجارية العالقة بينهما من دون أن تسهم في تخلي التكتل عن موقفه بتقليل اعتماده على الصين.
ومن الأسباب التي قد تؤدي إلى تخفيف حدة التوتر التجاري بين الجانبين:
ــــــــ بعض دول الاتحاد الأوروبي لا تؤيد فك الارتباط مع الصين كفرنسا التي أكد وزير اقتصادها برونو لومير أنَّ قطع جميع العلاقات الاقتصادية مع الصين يعدّ "هماً"، والتي لا تؤيد مع ألمانيا زيادة الرسوم الجمركية التي من المحتمل أن يفرضها الاتحاد الأوروبي على السيارات الكهربائية الصينية، وأيضاً المجر التي تربطها بالصين علاقات قوية، والتي ترفض القرارات الأوروبية التي من شأنها الإضرار بالصين. مثلاً، عارضت بودابست إدراج الشركات الصينية في القائمة السوداء لاتهامها بتوريد التكنولوجيا المستخدمة في الأسلحة الروسية.
ــــــــ إذا كان التكتل لا يتبع سياسة موحدة تجاه الصين، وهناك أصوات داخله تدعو إلى التشدد في التعامل مع بكين كرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين التي تدعو دائماً أوروبا إلى اتباع نهج أكثر صرامة مع الصين بشأن ممارستها التجارية التي وصفتها بغير العادلة، وحق الشركات الأوروبية بالقدرة على الوصول إلى الأسواق الصينية بنفس قدرة وصول الشركات الصينية إلى الأسواق الأوروبية، إلا أن احتمال عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لتولي الرئاسة الأميركية يثير قلقهم، فالرئيس ترامب لا يعير أي أهمية لقرارات الاتحاد الأوروبي، وكانت علاقته متوترة مع الأوروبيين عندما كان رئيساً للولايات المتحدة الأميركية.
كما تعهد ترامب بزيادة الرسوم المفروضة على جميع السلع القادمة من التكتل في حال نجاحه، وبجعل أوروبا تدفع ثمن المساعدة العسكرية التي قدمتها واشنطن لكييف، وبالتالي فإن عودته من شأنها أن تزيد التوتر بين واشنطن وبروكسل، وتدفع دول الاتحاد نحو التقرب من الصين.
ــــــــ تعاني بعض اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي من ركود وتضخم، وترى في السوق الصيني متنفساً قادراً على أن يحقق لها النمو، فالاقتصاد الألماني مثلاً يعتمد على الأسواق الصينية، إذ أدى انخفاض الطلب الصيني على السلع الألمانية خلال الفترة الأخيرة إلى تراجع نموه.
كما أن فرنسا تتوقع عجزاً عاماً بنسبة 5.1% من إجمالي الناتج المحلي عام 2024 بدلاً من 4.4% في تقديرات سابقة. وقد خفضت توقعات نمو اقتصادها عام 2024 إلى 1% بعدما كانت قد حددته بنسبة 1.4%.
ـــــــ إن علاقة الولايات المتحدة الأميركية بالاتحاد الأوروبي غير مستقرة، ولا سيما بعدما أقرت واشنطن قانون الحد من التضخم، وبعدما فشل الجانبان الأميركي والأوروبي في الوصول إلى تسوية لحلّ نزاعاتهما التجارية، وإلى حل دائم لإلغاء الرسوم التي فرضها ترامب على الصلب والألومينيوم الأوروبيين.
ــــــ ستتولى المجر رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي ما لم يتفق الأعضاء على خلاف ذلك بسبب موقف بودابست المؤيد لروسيا، والمجر من الدول الصديقة للصين، وتربطها بها علاقات وثيقة، الأمر الذي قد يساعد على تقارب الطرفين.
يشي اجتماع الرئيس الصيني بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين واحتمال انضمام المستشار الألماني أولاف شولتس بأهمية هذا اللقاء وسعي الطرفين للوصول إلى نتائج إيجابية.
ومع ذلك، فإن الاتفاق على معالجة الخلافات العالقة لا يعني وقوف الاتحاد الأوروبي إلى جانب الصين ضد الولايات المتحدة في حربهما التجارية، بل إنَّ التكتل يسعى إلى اتخاذ موقف حيادي بينهما، نظراً إلى كونهما أكبر شركاء التكتل، وتحقيق أكبر مكاسب من الطرفين.
الحرب الروسية الأوكرانية
أثارت الحرب الروسية الأوكرانية التوترات بين الصين والاتحاد الأوروبي الذي يتهمها بدعم روسيا إلى حد فرضه عقوبات على بعض الشركات الصينية بتهمة التحايل على العقوبات لمساعدتها.
يدعو الاتحاد الأوروبي الصين دائماً إلى خفض علاقاتها التجارية والعسكرية مع موسكو، ويعوّل عليها للضغط على روسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا، فدول التكتل بحاجة إلى إنهاء الحرب اليوم قبل الغد، ولكنها لا تريد أن تخرج روسيا منتصرة، ما يشكل فشلاً ذريعاً لها.
ومع اقتراب انعقاد مؤتمر السلام حول أوكرانيا في سويسرا خلال شهر حزيران/يونيو القادم من دون دعوة روسيا، من المحتمل أن يحث المسؤولون الأوروبيون الرئيس شي على مشاركة الصين في المؤتمر، بالرغم من أن الصين تصرح دائماً بأنه لا يمكن تحقيق سلام من دون مشاركة روسيا في المباجثات.
تتعرض بكين لضغوطات غربية بسبب اتهامها بفائض الإنتاج ودعمها لروسيا. لذلك، سيسعى الرئيس شي والزعماء الأوروبيون إلى إيجاد أرضية مشتركة لمعالجة التوتر التجاري بينهما والحرب الروسية الأوكرانية.
يدرك الاتحاد الأوروبي أنه لا يمكن فك الارتباط مع الصين، وأنه لا يمكن تحقيق سلام في أوكرانيا من دون مشاركة الصين. وإذا كان التكتل يسعى إلى تشكيل جبهة منفصلة عن الصين والولايات المتحدة، فإن الأمر ليس بالسهل في ظل التوترات التي تشهدها العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم.