هل تحارب الصين في تايوان؟
الولايات المتحدة نفسها التي خلقت الأزمة في أوكرانيا لإشغال روسيا ووضع مزيد من الضغوط عليها، لن تمانع خلق أزمة في مضيق تايوان لإشغال الصين، وصناعة أزمة تدفعها إلى توجيه فائضها الاقتصادي نحو الحروب بدل التنمية.
سؤال طرحه الكثيرون قبل الزيارة الاستفزازية التي قامت بها رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، إلى جزيرة تايوان وخلالها، في كسر للتفاهم الصيني – الأميركي على قضية تايوان، والذي يؤكد على سياسة الصين الواحدة، وفي تسخين لجبهة ظلّت باردة لعقود.
كالعادة، استولت الولايات المتحدة على المشهد بأكمله، نواب في الكونغرس ووسائل إعلام أميركية يحثون على الزيارة ويعدّونها دعماً لسلطة تايوان الحليفة لأميركا، بينما البيت الأبيض ووسائل إعلام أخرى يحذرون من القيام بالزيارة لآثارها السلبية المحتملة، والتي يمكن أن تصل إلى قيام الصين بعمل عسكري. لكنّ الطرفين يجمعان على تمجيد الديمقراطية الأميركية التي تفصل بين السلطات، وتسمح لرئيسة مجلس النواب بالسفر من دون موافقة الرئيس.
ينتهي الفيلم الأميركي، الذي يمكن أن نراه على شاشات هوليوود خلال عام أو عامين، بإدانة أميركية، مدعومة من التابع البريطاني، لرد الفعل الصيني على الزيارة.
بعيداً عن السياسة الهوليوودية والبروباغندا الأميركية، لا بد من طرح سؤال ذي شقين، هل كانت الولايات المتحدة تتعمد استفزاز الصين، والمخاطرة بنشوب حرب في مضيق تايوان، وهل كانت الصين مستعدة للذهاب إلى الحرب؟
بالنسبة إلى الشق الأول من السؤال، فإننا جميعاً نعرف أن العدوانية مركب أساسي في البنية الإمبريالية، وأن العمل من خلال اختلاق الأزمات، بما فيها الحروب، إحدى أهم وسائل الرأسمالية في فرض هيمنتها على العالم.
لقد كانت الرأسمالية الغربية مسؤولة عن معظم الحروب العالمية والمحلية التي عرفتها البشرية في العصر الحديث، وكان للولايات المتحدة وأجهزة استخباراتها قصب السبق في التخطيط والتحضير لقيام هذه الحروب. إذن، من ناحية المبدأ، لا تمانع الرأسمالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة قيام حرب، في أي مكان في العالم، ما دامت تحقق مصالحها بشكل أو بآخر.
في ظل الظروف العالمية اليوم، تعلم الرأسمالية العالمية أن من يفكك هيمنتها على العالم هو محور صيني – روسي، يمثل الأمل بالنسبة إلى كثير من الدول، بما فيها دول ذات اقتصادات صاعدة مثل الهند، وجنوب أفريقيا، والبرازيل، وإيران ودول أخرى كانت ضحية القوة الغاشمة للرأسمالية مثل سوريا، وفنزويلا، واليمن.
الولايات المتحدة نفسها التي خلقت الأزمة في أوكرانيا لإشغال روسيا، ووضع مزيد من الضغوط الاقتصادية والسياسية عليها، لن تمانع خلق أزمة في مضيق تايوان لإشغال الصين، وصناعة أزمة تدفع الصين إلى توجيه فائضها الاقتصادي نحو الحروب بدل التنمية.
من الجانب الآخر، جاءت التحذيرات الصينية حاسمة في لغتها، وقدم الجيش الصيني استعراض قوى أوصل رسالة مفادها أن الصين لن تتورط بحرب ضمن سيناريو أميركي واضح، لكنها في الوقت نفسه، لن تسمح بالتمادي في موضوع تايوان، وأن طرح موضوع تايوان يمكن الرد عليه عسكرياً.
تعلم الصين تماماً أن الحروب مطلب إمبريالي طارئ، فتراجع الهيمنة الرأسمالية على العالم، منذ عام 2008، لا يمكن أن توقفه إلا حروب وأزمات تستهدف القوى الاقتصادية الصاعدة. بعد البرازيل، وروسيا وباكستان يأتي الآن دور اختلاق أزمة للصين.
وتعلم الصين أن زيارة بيلوسي إلى تايوان لا تعبّر عن الديمقراطية الغربية، ولكنها جزء من لعبة تبادل الأدوار التي تلعبها الإدارة الأميركية لصناعة الأزمات. لقد شهدنا اللعبة نفسها يلعبها السيناتور الجمهوري جون ماكين خلال "الربيع العربي"، وها هي بيلوسي تأتي لتؤكد أن الكونغرس الأميركي لا يعبّر عن مصالح الشعب الأميركي، وأنه ليس سوى ديكور ديمقراطي، وأنه في الحقيقة أداة بيد آلة الحرب الأميركية.
استطاعت الصين، وفي ظل أزمات عالمية متلاحقة، المحافظة على نموها الاقتصادي، ووضع قواعد جديدة للعلاقات الدولية تقوم على الاحترام والمصالح المتبادلين. لقد تجلى هذا الدور الصيني بأوضح صوره خلال أزمة كورونا، عندما قدمت الصين الدعم الصحي لكثير من دول العالم بما فيها دول من العالم الغربي، وعاد الشعب الصيني ليقدم 2.2 مليار جرعة من لقاحات كورونا مجاناً للدول الفقيرة.
لم تلجأ الصين إلى استغلال قوتها العسكرية والاقتصادية لتتحول إلى غازٍ أو ناهب دولي، بل وظفت هذه القوى لتحقيق التنمية على الصعيد المحلي، مسجلةً إنجازات خارقة في مجالات مكافحة الفقر، وتطوير التقنية، لا سيما تقنيات الاتصال.
ماذا تعني الحرب؟ إضافة إلى الخسائر البشرية، التي لا تعني الولايات المتحدة بشيء، فإن أي حرب جديدة تعني تفاقم أزمة سلاسل التوريد وارتفاع التضخم العالمي، وإعطاء الفرصة للولايات المتحدة وحلفائها لفرض عقوبات قاسية على الصين، كما حصل مع روسيا، وإخراج الاستثمارات العالمية من السوق الصينية تحت سيف العقوبات، وأخيراً خلق أزمات اجتماعية واقتصادية تخرب الإنجازات الوطنية التي حققها الشعب الصيني.
لهذه الأسباب، لم ولن تذهب الصين إلى الحرب بحسب الشروط الأميركية. لقد رسمت الصين خطوطها الحمر، لكنها حددت خيارها الاستراتيجي بالاستمرار في عملية التنمية حتى الوصول إلى مجتمع الرفاهية والعدالة، وهو النموذج الذي سيدفع المواطنين الصينيين في تايوان إلى التصدي للطغمة العميلة الحاكمة في الجزيرة، والمطالبة بالعودة إلى الوطن الأم.