مستشفيات غزة خارج الحماية الدولية
تركز "إسرائيل" هجماتها على المستشفيات ومحيطها، وتزعم بأنها اكتشفت شبكة من أنفاق حماس ومراكز القيادة وقاذفات الصواريخ تحت مستشفيات قطاع شمال غزة.
مع دخول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة شهره الثاني، كثفت "إسرائيل" هجومها على المنظومة الصحية في شمال القطاع، وعمدت إلى استهداف المستشفيات ومحيطها بصواريخ جوية ومدفعية، ما أسفر عن تضررها واستشهاد وجرح العشرات.
وإضافة إلى قصفها، تعاني مستشفيات شمال قطاع غزة نقصاً حاداً في المواد الطبية ونفاد الوقود، ما أسفر عن توقف معظمها كلياً عن العمل، كمستشفى الصداقة التركي، المستشفى الوحيد لعلاج السرطان، والمستشفى الإندونيسي.
وتسبب القصف البربري الإسرائيلي على القطاع الصحي إلى استشهاد أكثر من 195 شخصاً من الطواقم الطبية، و36 من طواقم الدفاع المدني وإصابة المئات، وتوقف 20 مستشفى عن العمل، وتضرر 60 سيارة إسعاف، من بينها 53 سيارة تضررت بالكامل وتوقفت عن العمل.
وتؤوي مستشفيات شمال القطاع، اضافة إلى الجرحى والطواقم الطبية، آلاف النازحين الذين فروا إليها؛ إما بسبب تدمير منازلهم وإما طلباً للحماية فيها، على اعتبار أنها محمية بموجب المواثيق الدولية.
محاصرة المستشفيات
قامت الدبابات الإسرائيلية بمحاصرة مربع المستشفيات وسط مدينة غزة، الذي يضم "مستشفى الرنتيسي والنصر والعيون والصحة النفسية"، إثر توغلها من الشمال الغربي للقطاع. وتحت التهديد الإسرائيلي بالقصف، تم إخلاء مجمع النصر من الطواقم الطبية والمرضى والنازحين، وأصبحت الدبابات على مقربة من مجمع الشفاء الطبي، الذي يؤوي آلاف النازحين، في وسط مدينة غزة، حيث تخوض هناك اشتباكات عنيفة مع المقاومة الفلسطينية.
ويترافق وجود الدبابات الإسرائيلية مع قناصة إسرائيليين، إذ عمدوا إلى إطلاق النار على مستشفى القدس، ما أدى إلى استشهاد شخص وإصابة 20 آخرين.
أنفاق حماس
تركز "إسرائيل" هجماتها على المستشفيات ومحيطها، وتزعم بأنها اكتشفت شبكة من أنفاق حماس ومراكز القيادة وقاذفات الصواريخ تحت مستشفيات قطاع شمال غزة، وعرضت صوراً تظهر ما قالت إنهم عناصر من حركة حماس يطلقون النار من مستشفى الشيخ حمد للأطراف الصناعية في غزة.
من جهتها، استنكرت قطر هذه الاتهامات التي اعتبرتها محاولة من الاحتلال لتبرير استهدافه الأعيان المدنية. كما ادعى الكيان الصهيوني وجود أنفاق لحركة حماس تحت المستشفى الإدونيسي، وأنه يجاور منصة لإطلاق الصواريخ، وهو ما نفته إندونيسيا بشكل قاطع.
وفي السياق نفسه، تقوم القوات الإسرائيلية بتضييق الخناق على مستشفى الشفاء الذي زعمت أن القيادة المركزية لحماس موجودة أسفله. في المقابل، نفت حركة حماس الادعاءات الإسرائيلية، ودعت الأمم المتحدة إلى تشكيل لجنة دولية لزيارة مستشفيات غزة للتأكد من المزاعم الإسرائيلية.
بدورها، دحضت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الادعاءات الإسرائيلية بوجود أنفاق وقيادات لحماس تحت المستشفيات، ورأت أن قصف الجيش الإسرائيلي سيارة إسعاف على مدخل مستشفى الشفاء مطلع هذا الشهر، والتي زعمت "إسرائيل" أن عناصر حماس كانت تستخدمها، عمل غير قانوني، وطلبت التحقيق فيه باعتباره جريمة حرب.
الحماية الدولية
وفر القانون الدولي الإنساني حماية للمنشآت الطبية من الاعتداءات. وبحسب المادة 18 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، يحظر استهداف المستشفيات المدنية التي تقدم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء، ويجب احترامها وحمايتها في جميع الأوقات. ونصت المادة 19 من الاتفاقية نفسها على عدم جواز وقف تلك الحماية للمستشفيات المدنية تحت أي ظرف.
والمستشفيات أيضاً محمية بموجب المادتين 12 و11 من البروتوكولين الأول والثاني لعام 1977، الملحقين باتفاقيات جنيف لعام 1949.
من جهة أخرى، فإن المستشفيات هي أعيان مدنية تخضع للحماية المنصوص عنها في المادتين 48 و52 من البروتوكول الأول، إذ يجب التمييز بين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية وتوجيه الهجمات العسكرية فقط نحو الأهداف العسكرية.
ووفقاً للقانون الدولي، فإن استهداف المنشآت الطبية المدنية يعد جريمة حرب استناداً إلى المادة 8 من نظام روما الأساسي.
الاستثناءات
أزال القانون الدولي الإنساني الحماية المقررة للمنشآت الطبية إذا استخدمت للأغراض العسكرية التي تضر بالعدو (المادة 13 من البروتوكول الإضافي الأول والمادة 1 من البروتوكول الإضافي الثاني). ووفقاً للمادة 52 من البروتوكول الأول، ففي حالة الشك في استخدام الأعيان المدنية للأغراض العسكرية، ينبغي افتراض عدم استخدامها لذلك.
واستناداً إلى القانون الدولي الإنساني، لا تجوز مهاجمة الأعيان المدنية التي تستخدم للأغراض عسكرية إلا بعد توجيه إنذار باستهدافها.
ولعلّ هذا الاستثناء هو ما دفع "إسرائيل" إلى التذرع بأن أنفاق حماس وقياداتها موجودة أسفل المستشفيات، فضلاً عن استخدام سيارات الإسعاف لنقل أفراد حماس وصواريخها، وذلك بهدف تبرير استهدافها المنشآت الطبية والتنصّل من مسؤولياتها.
لم تقدم "إسرائيل" أدلة واضحة وملموسة على استخدام المنشآت الطبية لأغراض عسكرية، وكل ما قدمته هو صور وبيانات مزيفة، حتى إن لدى واشنطن، التي تدير الحرب في غزة، شكوكاً في مصداقية "تل أبيب" بوجود مركز قيادة وأنفاق تحت مجمع مستشفى الشفاء في غزة.
وعندما استهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية سيارات الإسعاف أمام مدخل مجمع الشفاء يوم 3 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، فإنها لم تقدم الأدلة على وجود عناصر من حماس فيها.
ومع ذلك، لا يجوز لـ"إسرائيل" استهداف المنشآت الطبية، حتى لو تم استخدامها لأغراض عسكرية. ووفقاً للقانون الدولي الإنساني (المادة 57 من البروتوكول الإضافي الأول)، يجب أن يكون هناك تناسب بين الميزة العسكرية المرجوة من الهجوم والاعتبارات الإنسانية، وبالتالي يجب إلغاء الهجوم إذا تبيَّن أن الأضرار تتجاوز الميزة العسكرية المرجوة، وإلا عُد الهجوم هجوماً عشوائياً.
وما تقوم به القوات الإسرائيلية من قصف للمستشفيات ومحيطها هو هجمات عشوائية في ظل عدم اتخاذها الاحتياطات التي يتطلبها القانون وعدم تناسب هجماتها مع الأضرار التي تسببها من استشهاد وإصابة عشرات المدنيين.
أما بالنسبة إلى الإنذارات التي تقول "إسرائيل" إنها توجهها بضرورة إخلاء المستشفيات قبل قصفها، فإن عملية إخلاء بعض المستشفيات صعبة للغاية، إن لم نقل مستحيلة. من ناحية، تضم بعض المستشفيات آلاف النازحين، مثل مستشفى الشفاء الذي يوجد فيه بين 40 و50 ألف شخص، ومستشفى القدس الذي يؤوي أكثر من 14 ألف نازح، وبالتالي يتعذر إخلاء المستشفيات مع هذا الكم الهائل من النازحين مع غياب توفر ممرات آمنة لهم.
من ناحية أخرى، فإن عملية إجلاء بعض المرضى صعبة جداً، كالأشخاص الذين يعيشون على التنفس الاصطناعي، ولا سيما في ظل عدم توفر سيارات الإسعاف الكافية التي تتعرض بدورها للقصف.
هذا الكيان المجرم الذي يدعو المدنيين إلى النزوح نحو جنوب قطاع غزة، ومن ثم يستهدفهم على الطرقات على مرأى ومسمع من العالم أجمع، يزخر تاريخه باستهداف المستشفيات وسيارات الإسعاف خلال حروبه السابقة على قطاع غزة وعلى لبنان. وما زالت مجزرة المنصوري في جنوبي لبنان عام 1996، حين استهدفت الطائرات الإسرائيلية سيارة إسعاف كانت تقل أطفالاً ونساء فروا من القصف العشوائي، شاهداً على ذلك.