لماذا يُصرُّ الرئيس الأوكراني زيلنسكي على لقاء بوتين؟

تبدو مهمة زيلينسكي صعبةً للغاية، في حال عقد اللقاء مع بوتين، لأن أي تفاهمات مع زعيم الكرملين قد تكون وفق شروطٍ يحددها الأخير، ما عدا قضية شبه جزيرة القرم، التي لن تكون موضوع مفاوضاتٍ أو حوارٍ.

  • لماذا يُصرُّ الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنسكي على لقاء بوتين؟
    الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فلوديمير زيلينسكي

أعلن الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي استعداده للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجهاً لوجه، معتبراً أن هذه الخطوة ستكون صحيحةً، لأنَّ هذا اللقاء سيكون موضوعياً، وقد يفضي إلى نتائج مثمرة على صعيد العلاقات الثنائية بين البلدين، بحسب ما جاء في موقع صحيفة "أوكرانيا برس".

هذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها زيلنسكي شخصياً استعداده للقاء بوتين، فقد أكّدها في عدة مناسباتٍ، وكذلك سكرتيره الصحافي سيرجي نيكوفروف مؤخراً، فهل اقتنعت كييف بعدم جدوى الصراع مع روسيا؟

منذ الثورة البرتقالية في العام 2014 التي أطاحت الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا، اتّسمت السياسة الخارجية الأوكرانية تجاه روسيا بنوع من العدائية. مرد ذلك إلى الثقة المفرطة للقادة الأوكرانيين في الحماية الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، وكان آخر مظاهر هذا العداء الأزمة المُفتعلة التي اندلعت في نيسان/أبريل الماضي بين البلدين، عندما قررت أوكرانيا إجراء مناورةٍ عسكريةٍ مع الناتو قرب الحدود مع روسيا، الأمر الذي حذا بالأخيرة إلى التصرف بحزم عبر نشر قواتها على الحدود مع أوكرانيا، ونشر قِطَعِ الأسطول التابع لقوات البحرية الروسية في البحر الأسود، ما كاد يتسبّب بحربٍ مدمرةٍ.

في النهاية، تراجعت أوكرانيا بإيعاز من الولايات المتحدة الأميركية عن جميع خطواتها الاستفزازية، وعرض الرئيس الأميركي جو بايدن إجراء لقاء قمة مع بوتين في جنيف لبحث القضايا التي تشكل محلّ خلاف بين البلدين. ويبدو أنَّ إصرار الرئيس زيلنسكي على لقاء نظيره بوتين، يعود إلى أنه بات غير مقتنعٍ بجدوى إبقاء التوتر مع روسيا، لعدة أسباب نوردها على الشكل التالي:

- الرئيس الأميركي جو بايدن لم يعد متحمّساً، كما في السابق، حيال أوكرانيا، بسبب انشغاله بموضوع الصين، وهو ما تجلى في الزيارة الأخيرة التي قام بها زيلنسكي إلى الولايات المتحدة الأميركية، إذ لم يحصل على أي وعدٍ صريحٍ بانضمام أوكرانيا إلى حلف النّاتو، وكل ما حصل عليه هو مبلغ 45 مليون دولار لنحو 3.4 مليون شخص محتاج في الشرق الأوكراني.

 - مخاوف سلطات كييف من خسارة عدة مليارات الدولارات مع روسيا، مقابل استخدام خطوط أنابيب الغاز الأوكرانية، ما قد يلحق ضرراً بالاقتصاد الأوكراني الذي يعتمد أصلاً في استمراريته على المساعدات الخارجية، ولا سيما بعد إنشاء موسكو خط أنابيب السيل الشمالي "نورد ستريم 2" مع ألمانيا.

- توجّس الرئيس الأوكراني من سلوكيات الإدارة الأميركية عقب انسحابها من أفغانستان، كي توجّه بوصلة صراعها مع الصين، في محاولة لوقف تنامي قوتها الاقتصادية والعسكرية في الساحة الدولية. والأهم من هذا كلّه الكيفية التي تعاملت بها أميركا مع حلفائها الأوروبيين، إذ راحت تنشئ حلفاً جديداً مع بريطانيا وأستراليا أُطلق عليه حلف "AUKUS". لذا، تخشى كييف أن تتخلى أميركا عنها يوماً ما.

- تراجع شعبية زيلينسكي، إذ تشير آخر استطلاعات الرأي التي أجراها معهد كييف لعلم الاجتماع أنَّ 56.2% من الشعب الأوكراني غير راضٍ على السياسات التي ينتهجها الرئيس الأوكراني، في مقابل 29.3% يعارضونها، في حين أن 43% يدعون إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة لإطاحته. لذا، يحاول زيلنسكي البحث عن أيّ إنجازٍ دبلوماسي لاستثماره داخلياً.

وتبدو مهمة زيلينسكي صعبةً للغاية، في حال عقد اللقاء مع بوتين، لأن أي تفاهمات مع زعيم الكرملين قد تكون وفق شروطٍ يحددها الأخير، ما عدا قضية شبه جزيرة القرم، التي لن تكون موضوع مفاوضاتٍ أو حوارٍ، كما شدد سابقاً الناطق الرسمي باسم الكرملين فيتالي بيسكوف، بقوله: "هذه المنطقة تابعةٌ لروسيا الاتحادية"، وبالتالي لكن تكون موضوع مفاوضات مع الرئيس زيلنسكي، الذي وعد فور تسلمه السلطة الشعب الأوكراني باستعادتها.

نستخلص أنَّ السياسة الخارجية الأوكرانية تجاه روسيا باءت بالفشل، كما تَبَيَّنَ أنّ الرهان على الغرب كان خياراً خاطئاً، وأن طَلَبَ زيلنسكي لقاء بوتين فرضته عوامل داخلية وخارجية مثلما أشرنا إلى ذلك أعلاه، ويبقى السؤال: ماذا سيحمل لقاء الرئيسين من مفاجآت في حال حصوله؟ الجواب في قادم الأيام.