لماذا تحوّلت حوارة لبؤرة الصراع في الضفة؟
يقع نحو 60% من أراضي قرية حوارة في المنطقة المصنّفة (جـ)، والتي تخضع لسيطرة الاحتلال الأمنية والإدارية، ونحو 40% منها مصنّفة (بـ)، أي تخضع إدارياً للسلطة الفلسطينيّة وأمنياً للاحتلال، كما نصت اتفاقية أوسلو.
حوارة مرة أخرى على موعد مع العمل الفدائي المقاوم، لتتحوّل البلدة الفلسطينية إلى أيقونة العمليات المسلحة الهجومية في الضفة الغربية، والتي اتسمت عملياتها بالقدرة على إيقاع قتلى وجرحى في صفوف المستوطنين، كما حدث اليوم عندما قُتل مستوطنان بسلاح فلسطيني من نقطة صفر، وتمكّنت الخلية العسكرية من الانسحاب بعد أن ظنّ العدو أن القتيلين من فلسطينيي الداخل، أو أنهما قُتلا على خلفية جنائية. ويبدو أن العدو تعرّض لكمين فلسطيني إعلامي، ساهم في نجاح المقاومين بالانسحاب قبل تعزيز قوات العدو لإجراءات التفتيش والمطاردة.
يعكس تصاعد العمل المقاوم في الضفة الغربية فشل سياسات العدو الرامية إلى إحباط العمليات قبل تنفيذها، كما يعكس إصرار المقاومة الفلسطينية على مواجهة سياسات العدو الاستيطانية، والرد بالنار على الخيارات التي أطلقها بتسلئيل سموترتش تجاه الشعب الفلسطيني في الضفة، إما الرحيل أو الاستسلام أو الإبادة. فكانت رسالة حوارة اليوم أن خيار الشعب الفلسطيني هو المقاومة حتى رحيل المستوطنين عن أرضهم، وأن الاستسلام لم يرد في قاموسهم على الإطلاق.
ولكن لماذا حوارة؟ وكيف تحوّلت البلدة الوادعة إلى عنوان للثورة والمقاومة؟ ولماذا غلب على عملياتها استهداف المستوطنين؟ وأسئلة عديدة تطرح عن العوامل التي جعلت حوارة تتصدّر المشهد الفلسطيني المقاوم خلال الفترة الماضية؟
يقع نحو 60% من أراضي قرية حوارة في المنطقة المصنّفة (جـ)، والتي تخضع لسيطرة الاحتلال الأمنية والإدارية، ونحو 40% منها مصنّفة (بـ)، أي تخضع إدارياً للسلطة الفلسطينيّة وأمنياً للاحتلال، كما نصت اتفاقية أوسلو.
وبسبب موقعها الاستراتيجي، ووقوعها على خط النار بسبب مرور المستوطنين عبر شارعها الرئيسي (شارع 60 الاستيطاني) للوصول إلى المستوطنات المقامة على أراضي شمال الضفة، أضحت القرية عائقاً أمام المستوطنين للتحرّك بيسر، وتمنع وجود رابط جغرافي متصل بين مستوطنات الضفة، والعازل الذي يؤدّي غيابه إلى تسهيل تطبيق خطوة الضم وابتلاع الأراضي الفلسطينية، الأمر الذي جعل حوارة البلدة الأكثر عرضة لاعتداءات المستوطنين، والأكثر استهدافاً من المقاومين في الوقت نفسه.
يتعرّض أهالي بلدة حوارة جنوب مدينة نابلس بالضفة الغربية والبالغ عدد سكانها نحو سبعة آلاف نسمة لاعتداءات المستوطنين المتكررة، وفي وضح النهار بالتواطؤ مع جنود الاحتلال. وتشمل الاعتداءات حرق المحاصيل الزراعية، وسرقة ثمار الزيتون، وإطلاق النار العشوائي على المحال التجارية والمنازل والسيارات، والتهديد المستمر لأبناء البلدة بهدف الضغط عليهم ودفعهم لتركها والهجرة عنها.
كما أدى التوسّع الاستيطاني لفقدان مئات الدونمات من أراضيهم لصالح المستوطنات، وأُنشئت عشرات البؤر الاستيطانية حولها، ويقيم جيش الاحتلال مجمّعاً عسكرياً حولها، إضافة إلى عدد من الحواجز والنقاط العسكرية، بهدف حماية المستوطنات المقامة على أراضي البلدة وأراضي البلدات الملاصقة لها، مثل مستوطنتي يتسهار وإيتمار اللتين يسكن فيهما المستوطنون الأكثر تطرّفاً، من أتباع تيار الصهيونية الدينية بزعامة سموترتش.
يرى العدو أنّ الحلّ الوحيد هو إبادة حوارة، ولم تكن تصريحات سموترتش السابقة حول إبادة القرية للاستهلاك الإعلامي، وإنما قناعات راسخة لديه ولدى أتباعه، بضرورة التخلّص من القرية، على نحو عكسته سياسات العدو ومستوطنيه، من خلال حوادث العدوان المتكررة على البلدة، التي تعرّضت بالفعل لمخطط الحرق الكامل قبل عدة أشهر، ما أدى لحرق 30 منزلاً و15 سيارة، وأكثر من 300 اعتداء إرهابي استيطاني أسفر عن استشهاد مواطن، وإصابة أكثر من 100 آخرين.
كما أدى حادث آخر لاستشهاد فلسطيني من البلدة بعد الاعتداء عليه من أحد جنود الاحتلال، بعد وقوع حادث سير بين مركبته ومركبة مستوطن، ووثّق أهالي حوارة مقطعاً مصوّراً لعملية القتل المباشر للشاب، إلا أن جيش الاحتلال قام بمنح الجندي القاتل وساماً تقديراً "لشجاعته"!!.
تدرك المقاومة الفلسطينية مرامي العدو وسياساته تجاه حوارة، والتي تهدف للتخلص منها باعتبارها خطوة استراتيجية في المشروع الاستيطاني في الضفة، والعمل على تحويلها إلى تكتّل استيطانيّ مترابط، يصل المستوطنات والبؤر الاستيطانية حولها بعضها ببعض، الأمر الذي سيدفع آلاف المستوطنين إلى الاستيطان فيها، كما سيمنع أي أمل لإقامة دولة فلسطينية مترابطة.
فمحو حوارة أصبح هدفاً استراتيجياً للعدو، وعلى رأسه الصهيونية الدينية التي تعتبر تقلّد سموترتش، للوزارة المسؤولة عن الضفة الغربية ووزارة المالية، وسيطرة اليمين الفاشي على الائتلاف الحكومي، فرصة لحسم الصراع في الضفة الغربية وفلسطين الانتدابية.
إذاً فالصراع على حوارة بين إرادتين ورؤيتين استراتيجيتين، بين من يريد محو البلدة، وتحقيق الربط بين مستوطنات جنوب الضفة وشمالها ووسطها، على طريق خطة الضم وفرض السيادة على كامل الضفة، وبين المقاومة الفلسطينية التي تسعى لإجهاض مخططات العدو وإفشال مساعيه وكيّ وعي مستوطنيه، وتحويلهم إلى أهداف في حلهم وترحالهم.
وبذلك تصبح حوارة نقطة التحوّل التي قد تحسم مصير خطة الضم، ما يفرض على الجهات الفلسطينية والعربية والإسلامية كافة دعم صمود القرية، وإسناد المقاومة الفلسطينية، ودعم تشكيل لجان شعبية تتصدّى لاعتداءات المستوطنين، وخوض برنامج مقاوم متصاعد يستنزف المستوطنين وجيش العدو، على نحو سيسهم في تحويل حوّارة إلى نموذج ملهم لكلّ القرى والمدن الفلسطينية في مواجهة عصابات المستوطنين وجيش الاحتلال، وسيجهض مساعي الضم وابتلاع الأرض الفلسطينية.