لقاء أمير عبد اللهيان وقادة المقاومة.. دلالات مهمة وأهمية استثنائية
تأتي زيارة وزير الخارجية الإيراني لبيروت ولقاؤه قادة الفصائل الفلسطينية المقاومة، بعد زيارة قام بها لسوريا، في وقت يعيش الاحتلال الإسرائيلي أزمات سياسية حادة، ويعاني اليوم مزيداً من الضعف والارتباك.
اللقاء، الذي عقده وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في بيروت، مع قادة المقاومة الفلسطينية من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، يأتي في توقيت تشهد الأراضي الفلسطينية المحتلة تنامي وتيرة عمليات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه، وتغولاً غير مسبوق من حكومة نتنياهو العنصرية الفاشية وحربها المتواصلة ضد الأرض والإنسان والمقدسات الفلسطينية.
لقاء أمير عبد اللهيان قيادات الفصائل الفلسطينية جاء بعد ثلاثة أشهر من لقاء مماثل تماماً عقده الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي خلال زيارته الأخيرة لسوريا، والتي جاءت في سياقات سياسية مهمة لتأكيد وحدة قوى محور المقاومة وتماسكها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وفشل مشاريع الفوضى المدعومة أميركياً في المنطقة.
اللقاءات الإيرانية رفيعة المستوى مع قادة المقاومة الفلسطينية ليست لقاءات بروتوكولية ذات غرض إعلامي، وإنما هي لقاءات ذات دلالات ورسائل استراتيجية كبيرة، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بما تمر فيه المنطقة من أحداث وتطورات دراماتيكية متسارعة، وعلاقة هذه الاحداث بمخططات "إسرائيل" الخبيثة تجاه الفلسطينيين من جهة، وعين "إسرائيل" الأخرى ورغبتها الكبيرة في التغلغل في المنطقة العربية، والتي كان آخرها محاولة اختراق الساحة الليبية عبر لقاء جمع وزيرة الخارجية الليبية ووزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي، تمهيداً للتطبيع الذي تريد "إسرائيل" توسيع دائرته أكثر مما هو عليه الآن.
فصائل المقاومة الفلسطينية تشكل لبنة أساسية في محور المقاومة، وجزءاً لا يتجزأ منه، وهي تتصدر المواجهة مع "إسرائيل" في الجبهة الجنوبية من فلسطين المحتلة، واستطاعت بدعم وإسناد من إيران وحزب الله، على مدار سنوات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فرض معادلات غير معهودة باتت تؤرّق "إسرائيل" أكثر من أي وقت مضى.
هذه اللقاءات تحمل دلالات مهمة من حيث التوقيت والرسائل، إذ إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تتحرك تجاه فلسطين ومقاومتها انطلاقاً من سياستها الخارجية الثابتة ومواقفها الراسخة منذ عشرات الأعوام تجاه القضية الفلسطينية، وتحديداً منذ اندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979. ويسجَّل للإمام الخميني، قبل 44 عاماً، أنه جعل قضية فلسطين في سلّم أولويات إيران، التي سخّرت كل قدراتها وإمكاناتها في خدمة القضية الفلسطينية وشعبها ومقدساتها. وأعلنها الإمام الخميني آنذاك في موقف واضح، وقال إن القدس ستبقى عنوان القضية، بل تعدّت المسألة المستويات الرسمية وأصبحت قضية فلسطين حاضرة في قلب الشعب الإيراني ووجدانه كذلك.
تمضي إيران في عهد قائد الثورة السيد علي خامنئي والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في الطريق ذاته. البوصلة فلسطين، كانت وما زالت وستبقى، وهي مستمرة في استراتيجيتها المعهودة في دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته حتى تحرير الأرض والمقدسات، ولقاء الوزير أمير عبد اللهيان تندرج في سياقه عدة دلالات ذات أهمية بالغة.
بين المواقف الإيرانية الثابتة، وتأكيد المؤكد بشأن دعم الحق الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي واستمرار الوقوف إلى جانب فلسطين ومقاومتها، يأتي لقاء وزير الخارجية عبد اللهيان قادة من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، اللتين تمثّلان كبرى حركات قوى المقاومة في فلسطين، للتأكيد أن موقف إيران ثابت باستمرار في دعم المقاومة بكل قوة، على قاعدة عدو واحد وأهداف مشتركة.
إيران، التي تتزعم قيادة محور المقاومة اليوم، تسير بخطى ثابتة، وتقول بملء الفم إن محور المقاومة في أحسن حالاته، يتحرك في المنطقة وفق سياسة منطق القوة وصاحب الحق في دعم الشعوب المحتلة. ولقاء عبد اللهيان يحتل أهمية كبيرة، وخصوصاً في وقت تواصل إسرائيل تغولها غير المسبوق على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، كما يحمل رسالة إلى العدو المشترك لإيران والشعب الفلسطيني، مفاده أن إيران ومحور المقاومة يمثلان وحدة واحدة في مواجهة مشروع "إسرائيل" السرطاني في المنطقة.
إيران تقدم مواقفها تجاه فلسطين بالقول والعمل، ويُترجَم ذلك من خلال مواقفها السياسية ودعمها المستمر بالمال والسلاح لفصائل المقاومة الفلسطينية، وترسل في مثل هذه اللقاءات الرفيعة إشارات استراتيجية وثناءً واضحاً على الأداء الفلسطيني المقاوم في الضفة الغربية، وتعهّداً بشأن مواصلة طريق إسناد الشعب الفلسطيني ومقاومته، التي نجحت في فرض معادلات الرعب والردع في مدن الضفة الغربية المحتلة، وأفقدت المستوطن الإسرائيلي أمنه الشخصي، وفرضت معضلة أمنية لحكومة نتنياهو تحديداً، والتي تعمل لغرض حسم الصراع بالقوة مع الفلسطينيين.
تأتي زيارة وزير الخارجية الإيراني لبيروت ولقاؤه قادة الفصائل الفلسطينية المقاومة، بعد زيارته قام بها لسوريا، في وقت يعيش الاحتلال الإسرائيلي أزمات سياسية حادة، ويعاني اليوم مزيداً من الضعف والارتباك، ويتخبط في مستنقع من الأزمات والتحديات الأمنية غير المسبوقة بفعل إنجازات المقاومة الأخيرة في الضفة الغربية.
تقف "إسرائيل" في مشهد المرتبك الضعيف المهزوز تبحث عن نصر موهوم أمام التهديدات الكبيرة التي أطلقها الأمين العام لحزب الله، سماحة السيد حسن نصر الله، وفرضه مؤخراً معادلة العصر الحجري من جهة، وتهديدات نائب قائد حركة حماس صالح العاروري من جهة أخرى، بشأن التهديد الأخير باغتياله، وهي عاجزة عن كسر معادلات الردع التي فرضها حزب الله في الجبهة الشمالية، وقواعد الردع التي فرضتها حركة حماس وفصائل المقاومة الأخرى بالعودة إلى سياسة الاغتيالات، الأمر الذي جعل قادة الاحتلال الإسرائيلي يدركون أن التهديدات باغتيال شخصية مثل صالح العاروري، يمثل قائداً كبيراً في محور المقاومة، ستكون فاتورتها كبيرة، وقد يفجّر اغتياله حرباً شاملة في المنطقة، وأن رغبة نتنياهو في اغتياله لا تتوافق مع قدرته على دفع فاتورة أي تصعيد محتمل .
يبعث الوزير أمير عبد اللهيان، من لقائه قادة الفصائل الفلسطينية، رسالة تحدٍّ للاحتلال الإسرائيلي، مفادها أن محور المقاومة لا يترك قياداته للاستفراد بهم عبر العودة إلى سياسة الاغتيالات، ويجزم بأن موقف إيران تجاه فصائل المقاومة الفلسطينية وقياداتها هو موقف استراتيجي مماثل للمواقف التي خرجت على مدار الأسبوع الأخير منذ وقوع عمليتي الخليل وحوارة.
رسالة حسم وجزم تبعث بها إيران ومحور المقاومة، تتلخص في أن المساس بأحد قادة المقاومة ومحورها يعني إشعال حرب غير مسبوقة، في وقت يعيش نتنياهو ظروفاً صعبة، داخلياً وخارجياً، وباتت "إسرائيل" تخشى حرب جبهات خاسرة وغير محسوبة الثمن، كجبهتي لبنان وقطاع غزة.